انتقل التأزم السياسي الذي يعانيه لبنان منذ عشرة ايام الى المجلس النيابي الذي شهد أمس اكثر جلساته صخباً وجدلاً في حملة التوقيفات التي نفذتها قوى الجيش في صفوف عناصر وقياديين من "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، وبسبب التنازع على النفوذ والصلاحيات داخل السلطة بين الأفرقاء المشاركين فيها. وتفاعلت امس قضية التوقيفات وشريط الفيديو الذي وزعه الجيش عن اعترافات للمستشار السياسي ل"القوات" توفيق الهندي والتحقيقات معه. وذكر بيان مديرية التوجيه انه أقرّ بحصول اتصال مع مسؤول اسرائيلي. وأحال النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم عدداً من الموقوفين، بينهم رئيس الهيئة العامة في "التيار الحر" اللواء المتقاعد نديم لطيف، على قاضي التحقيق العسكري، ولم يتمكن محامو الهندي من مقابلته بحجة حصول اعمال تنظيف في سجن وزارة الدفاع. راجع ص2 و3. ومع ان جوهر التأزم السياسي يتلخص بالاجابة عن السؤال: "الأمر لمن؟"، فإن للصراع الدائر حدوداً فرضت مرة اخرى تسوية داخل البرلمان للحؤول دون انفجار المشكلة بين اركان الحكم على التعديل على التعديل، لقانون اصول المحاكمات الجزائية. فشنّ النواب المعارضون لهذا التعديل هجوماً عنيفاً على المشروع الذي كانوا صوّتوا ضده، وعلى الاجهزة الأمنية، ودافع عنه الموالون لرئيس الجمهورية اميل لحود إلا ان عدداً منهم عاد فصوّت معه في اطار التسوية التي لخصها رئيس الحكومة رفيق الحريري بالقول: "الأمر لا علاقة له بالتشريع انما له علاقة بالسياسة ونحن سنمشي في التعديل ليس عن اقتناع وانما لأن الوضع السياسي يحتم ويفرض ذلك". وكان اقتراح التعديل احاله عدد من النواب الموالين للرئاسة الاولى، بعدما اقرّ في جلسة سابقة، من دون الأخذ بملاحظات لحود الذي كان ردّه الى البرلمان، وأقرّ خلافاً لموجبات الردّ، مما شكّل سبباً لعدد من المداخلات الحامية. فرأى النائب باسم السبع ان هذه الجلسة "هي مذكرة جلب" معرباً عن خوفه من "عسكرة العدلية". وتحدث عدد من النواب معارضين الاقتراح ابرزهم: بطرس حرب ونسيب لحود ونائلة معوض، كذلك الوزيران مروان حمادة وغازي العريضي من الحكومة. وبعدما اعلن الحريري انه سيؤيد التعديل حرصاً على الوضع السياسي، قال النائب وليد جنبلاط ان رئيس الحكومة "جاء على مضض الآخرين وإذا صارت لهم فرصة سيطيّرونه، والقانون التعديل مقدمة للعودة الى مرحلة السنتين الأوليين من عهد الرئيس لحود". وقال للحريري: أنصح بألا تسلّم الحكم إلى قرطة العسكر... ونحن نريد مساعدة لحود، ولكن اذا كان المطلوب مخالفة الدستور والطائف في هذا الاقتراح فنحن ضد". وردّ بري قائلاً: "الذين افتعلوا القضية هم الذين يريدون ألا يتم اقرار القانون ليصلوا الى هذا الشيء". وبعد مناقشة، أقرّ التعديل على التعديل بغالبية سبعين صوتاً، اكثرهم كانوا من كتلتي بري والحريري صوّتتا ضده في الجلسة السابقة قبل اسبوعين والمتن الشمالي والقوميين السوريين و"حزب الله" ونواب من البقاع والشمال. وأبدى وزراء ونواب ممن أيدوا التعديلات، وكانوا خالفوها، تفهمهم للموقف الذي طرحه الحريري في الجلسة. وقالوا انه تسبب بمشكلة لنفسه من خلال تراجعه عن موقفه، في سياق تجنبه ازمة في البلد. على صعيد التحقيقات القضائية وتفاعلاتها التي اثيرت في بداية الجلسة، صدرت تعليقات عدة في شأن بث شريط الفيديو الذي اعلن الجيش ان الهندي اعترف فيه باتصالات مع الاسرائيليين، فقال محاموه ان هذه الاعترافات انتزعت منه. وصرحت زوجته الزميلة كلود بأنه كان تحت تأثير مخدر. وأوضح نقيب المحامين ميشال ليان ان التحقيق سرّي والمحاكمة علنية فإذا انقلبت المبادئ فهذا يكون تجاوزاً للقانون. وعقد اركان لقاء قرنة شهوان الذي يضم الاحزاب والشخصيات السياسية المسيحية المعارضة اجتماعاً مساء امس لدرس الموقف.