لم تكد تمضي ساعة على بدء الجلسة النيابية التشريعية في يومها الثاني امس حتى انفجر فجأة خلاف حاد بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري. وحصلت مشادة حامية بين الاثنين، هي الاولى من نوعها. وبلغت درجة من السخونة، انسحبت على اثرها الحكومة ورئيسها من الجلسة وتبعهما النواب الموالون. فأثناء مناقشة اقتراح القانون المتعلق بضم الخدمات الموقتة للموظفين العاملين في الملاكات الدائمة الخاضعة لنظام التقاعد رد الحريري على مداخلات النواب بالقول "جايي السلسلة الرتب والرواتب بعد اربعة اسابيع او خمسة طوّلوا بالكم يا جماعة". فعلق بري: "اي يا جماعة، جايي المن والسلوى بعد اربعة اسابيع او خمسة طوّلوا بالكم". وهنا وقف الحريري والتفت نحو رئيس المجلس الذي تابع كلامه قائلاً: "السلسلة كانت طرحت منذ 1/1/96، ونحن ساكتون وساكتون وتقولون انكم لا تؤجلون". الحريري: شو، أنبتّها من دون ايرادات؟ بري: عندما تأتي الحكومة امام المجلس وتتعهد ان تمشي السلسلة ولا تمشي، فهذا المجلس مش مسخرة، المجلس سلطة تشريعية. الحريري: تفضل مارس صلاحياتك. بري: انا امارس صلاحياتي والمجلس ما عاد يستطيع اكثر من ذلك. نحن حريصون على مصلحة الخزينة اكثر منكم. المجلس ليس مسخرة. لكم من العام 1992 تتعهدون ولا تنفذون، ولم يأت بعد اي تعهد. الحريري: طيّر الحكومة، طالما الموضوع هيك. بري: إنت هيدا اللي بدك اياه. الحريري: ما تصرّخ علينا، نحن لسنا موجودين هنا حتى تعيّط علينا. بري: أنا مش عم عيّط. الحريري: نحن نرفض هذا الاسلوب. نحن مش تلاميذ كي تعيّط علينا. بري: ما تعطونا تعهدات نسجلها في المحضر صار لنا 4 سنين نسجل تعهدات. وهنا جمع الحريري اغراضه وسار خطوات ثم التفت نحو بري مخاطباً اياه بالقول "تفضل مارس صلاحياتك، الحكومة غير موجودة في المجلس". ثم التفت نحو الوزراء وطلب منهم مغادرة القاعة مردداً "انا ماشي والحكومة مش موجودة في المجلس". بري: مش انت اللي بتقول هيك. الحريري: تفضل اعمل اللي بدك اياه. وغادر القاعة وانسحب اعضاء الحكومة المتبقون من الجلسة العامة وتبعهم النواب المؤيدون لها. وهنا رفع بري الجلسة الى الثانية عشرة والنصف ظهراً. في هذا الوقت غادر الحريري وأعضاء حكومته والنواب الموالون مبنى البرلمان فيما توجه بري الى مكتبه يحيط به عدد كبير من النواب للبحث في الموضوع على وقع الاتصالات المتبادلة والوساطات التي قادها نائب رئيس الحكومة ميشال المر ووزير الاعلام باسم السبع من خارج المجلس من جهة، والرئيس بري والوزير الياس حنا من داخله من جهة اخرى. ونحو الثانية عشرة والنصف حضر الى ساحة النجمة النائبان مروان حمادة وعاصم قانصوه واجتمعا مع بري، ثم غادرا على جناح السرعة من دون الادلاء بتصريح. واكتفيا بالابتسام رداً على إلحاح الصحافيين. وقرابة الاولى الا ربعاً قرع جرس المجلس ايذاناً باستئناف الجلسة ليعلن بري رفعها الى السادسة والنصف مساء، في غياب الحكومة. وهنا تمنى الرئيس حسين الحسيني رفعها الى الاثنين، فرد بري بالقول: "لأ، لأ". وتمنى على النواب العودة في السادسة والنصف ثم رفعها الى حينه. وقائع الجلسة وفي العودة الى الجلسة، كانت استؤنفت بمناقشة اقتراح قانون اخضاع تنظيم استخدام الاقنية والترددات من المؤسسات الاعلامية والتلفزيونية والاذاعية لأحكام قانون خاص. وتحدث النائب زاهر الخطيب عن الاقتراح الذي وقعه عشرة نواب. وقال ان "الغاية من تقديمه تجنب وقوع كارثة على مستوى الملف الاعلامي، لأن الحكومة اصدرت قرارها الشهير بمنح المؤسسات 3 اشهر محاولة منها لاحتكار الاعلام وتصفية مؤسسات عاملة بدافع ضرب التعدد الاعلامي وتقليص مساحة الحريات الاعلامية" مشيراً الى ان الحكومة "تعاطت مع الملف الاعلامي بدوافع سياسية". وقال "انه يحتفظ بحقه في تقديم دعوى الى القضاء ضد من ارتكب التزوير"، مشيراً الى اعطاء اربع مؤسسات الترخيص النهائي "ومررت الحكومة ذلك في مجلس الوزراء من دون كشف وتثبت ومن دون ان تسجل الاقنية والترددات لدى الاتحاد الدولي للاتصالات بحسب مجلس شورى الدولة". وسأل الخطيب وزير الاعلام باسم السبع "كيف مُررت التراخيص الاربعة؟". وقال انه "يقبل شهادة الوزير ميشال المر". وسأله "هل تم فعلاً التقيد بالتزام المؤسسات الاربعة الشروط الكاملة لتمنح التراخيص النهائية؟". وقال ان "هناك اشياء غير قانونية في هذا الملف". وقاطعه بري "انا سأوفر عليك وأقول لا يوجد تلفزيون او محطة يستوفي الشروط القانونية، وقد اخذ ترخيصاً". فعلق الخطيب "نحن نعرف اننا نحاصر اعلامياً". فرد بري "لا، نحن ضد الحصار، ونريد فكه". ورأى الحسيني ان "هذا الاقتراح لم يعد ذا موضوع، ولكن نحن اعددنا تعديلات على 22 مادة في قانون الاعلام وسنتقدم باقتراح في هذا المعنى في اسرع وقت وهذا هو العلاج الحقيقي". وأيده في ذلك بري وقال ان "الرئاسة مستعدة لأي اقتراح قانون آخر وحاضرة لأن تحيله فوراً على المصادر المختصة". وسحب الاقتراح. ثم صوّت المجلس على صفة الاستعجال في اقتراح قانون تعديل المرسوم المتعلق بحماية الاحداث والمنحرفين وأصول محاكمتهم. ونوقشت جوانب متعلقة به، وتركزت مداخلات النواب على عدم تسجيل الاحكام في حق الاحداث في السجل العدلي الرقم 2. وتمنى الحريري اعادة درس الاقتراح اكثر لأن مضمونه غير طبيعي. ورأت النائبة نايلة معوض ان "هناك مشكلات تعرض لها كثر من الاحداث في سفرهم الى الخارج، وان السفير التونسي ابلغها ان هذا الاجراء ليس موجوداً الا في لبنان". وهنا احال بري اعادة الاقتراح على اللجان النيابية لدرسه، فنجح الاقتراح. وأقر اقتراح القانون الرامي الى الغاء فقرة من نظام الموظفين فصدق. بعد ذلك طرح اقتراح قانون تعديل القانون الرقم 383 في شأن ضم الخدمات الموقتة للموظفين العاملين في الملاكات الدائمة الخاضعة لنظام التقاعد. وبعدما صدقت صفة الاستعجال، قال الحريري ان الحكومة سترسل سلسلة الرتب والرواتب بما في ذلك نظام التقاعد. وتمنى على المجلس ونائب رئيسه إيلي الفرزلي صاحب الاقتراح ان يؤجل البحث في الموضوع الى حين مناقشة السلسلة. وسأل بري الفرزلي رأيه فتمهل قبل الاجابة، فخاطبه بري بالقول "شو جايي بطيء من البرازيل شو قصتك ليش هيك تعبان". ضحك النواب كثيراً فأشار الفرزلي الى ان "الكثيرين من الناس يعانون عدم معالجة هذا الموضوع". وقال الحسيني ان "الحكومة تعهدت منذ اكثر من سنة ارسال قانون عن تنظيم نظام التقاعد ولم يصل الى الآن، وان اي مبلغ يعطى للمتقاعدين هو من جيبهم لا من خزينة الدولة". وتمنى على النواب الموافقة على الاقتراح. وأيده في ذلك النائب خليل الهراوي وطلب اضافة عبارة "يمدد العمل بالقانون". وأوضح بري ان "لا اقتراح يعرض للمناقشة الا يكون ارسل الى الحكومة قبل ذلك". واعترض وزير الدولة للشؤون المالية فؤاد السنيورة على الاقتراح، معتبراً ان "ذلك يشجع على العودة الى الوراء في اقتراحات اخرى اكثر من المدة المحددة في الاقتراح الحالي". وقال "هذا الموضوع يحتاج الى حسابات لمعرفة الاعباء التي ستترتب على الدولة". وشدد النائب حسين الحاج حسن على اقرار الاقتراح بالسرعة المطلوبة. وأيد النائب طلال المرعبي الاقتراح، وأشار الى "اننا غير متمسكين بالمفعول الرجعي".