المرصد الإعلامي لمنظمة التعاون الإسلامي يسجل 2457 جريمة لإسرائيل ضد الفلسطينيين خلال أسبوع    خسائرها تتجاوز 4 مليارات دولار.. الاحتلال الإسرائيلي يمحو 37 قرية جنوبية    شتاء طنطورة يعود للعُلا في ديسمبر    يعد الأكبر في الشرق الأوسط .. مقر عالمي للتايكوندو بالدمام    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    "إنها طيبة".. خريطة تبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الملك عبدالعزيز الملكية    الموافقة على الإطار العام الوطني والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    رابطة محترفان التنس..سابالينكا تحجز مقعداً في نصف النهائي.. ومنافسات الغد تشهد قمةً بين إيغا وجوف    أمريكا تختار الرئيس ال47.. ترمب أم هاريس؟    الاستخبارات الأمريكية تكثف تحذيراتها بشأن التدخل الأجنبي في الانتخابات    منتدى "بوابة الخليج 2024" يختتم أعماله بإعلانات وصفقات تفوق قيمتها 12 مليار دولار    كيف يعود ترمب إلى البيت الأبيض؟    محافظ الخرج يستقبل مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    انعقاد مؤتمر الأمراض المناعية في تجمع عالمي وطبي    أطفال اليمن يتألقون بتراثهم الأصيل في حديقة السويدي    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يرأّس اجتماع المؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف    "الصناعة والثروة المعدنية" تعلن فوز 11 شركة محلية وعالمية برخص الكشف في 6 مواقع تعدينية    الطائرة الإغاثية السعودية ال19 تصل إلى لبنان    مركز مشاريع البنية التحتية بالرياض يشارك في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر بالقاهرة    توقعات بهطول الأمطار الرعدية على 5 مناطق    المملكة تثري الثقافة العربية بانطلاق أعمال مبادرتها "الأسبوع العربي في اليونسكو" في باريس    إشكالية نقد الصحوة    أرباح «أرامكو» تتجاوز التوقعات رغم تراجعها إلى 27.56 مليار دولار    الاتفاق يواجه القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج للأندية    المملكة تستحوذ على المركز الأول عالمياً في تصدير وإنتاج التمور    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    «التعليم»: 5 حالات تتيح للطلاب التغيب عن أداء الاختبارات    «جاهز للعرض» يستقطب فناني الشرقية    الأسمري ل«عكاظ»: 720 مصلحاً ومصلحة أصدروا 372 ألف وثيقة    الاختبارات.. ضوابط وتسهيلات    الهلال يمزق شباك الاستقلال الإيراني بثلاثية في نخبة آسيا    إعادة نشر !    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    «DNA» آخر في الأهلي    سلوكيات خاطئة في السينما    العلاج في الخارج.. حاجة أم عادة؟    غيبوبة توقف ذاكرة ستيني عند عام 1980    " المعاناة التي تنتظر الهلال"    في الجولة الرابعة من دوري أبطال أوروبا.. قمة بين ريال مدريد وميلان.. وألونسو يعود إلى ليفربول    تنوع تراثي    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    زرًعِية الشبحة القمح العضوي    نحتاج هيئة لمكافحة الفوضى    ربط الرحلات بالذكاء الاصطناعي في «خرائط جوجل»    مسلسل حفريات الشوارع    كلمات تُعيد الروح    قصص من العُمرة    للتميُّز..عنوان    لماذا رسوم المدارس العالمية تفوق المدارس المحلية؟    الاستقلالية المطلقة    تشخيص حالات نقص افراز الغدة الدرقيه خلال الحمل    النظام الغذائي المحاكي للصيام يحسن صحة الكلى    سعود بن بندر يهنئ مدير فرع التجارة بالشرقية    السعودية تؤكد دعمها لجهود التنوع الأحيائي وتدعو لمؤتمر مكافحة التصحر بالرياض    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان في 1998 : تغيير رئاسي وحكومي ... واستمرار مفاعيل أزمة المنطقة
نشر في الحياة يوم 27 - 12 - 1998

1998... عام يؤرَّخ لبنانياً من آخره. فأحداث ربعه الأخير طغت على ما سبقها من تطورات داخلية، وشهدت تغييراً على مستوى الرئاسة الأولى بقي الشك قائماً في امكان حصوله حتى "ربع الساعة الأخير"، وآخر، شكل مفاجأة على مستوى رئاسة الحكومة.
ولكن على رغم ما واكب هذا التبدل من توقعات وآمال بإمكان تحقيق ما عجز عنه العهد السابق خصوصاً على صعيد معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بكل تفاعلاتها لم يخرج لبنان من دائرة التجاذب الإقليمي، وما زال يتلقى انعكاسات أزمة الصراع العربي - الإسرائيلي، جنوبه مختبر لها، وسماؤه وساحاته ومنابره صندوق بريد لرسائل متعددة في اطارها، ومصير الحل النهائي لأزمته ازداد ارتباطاً بحلها.
والى التغيير في المواقع السياسية، تميز العام 1998 بأول انتخابات بلدية واختيارية تجرى منذ العام 1963، وبزيارات لقادة وموفدين أجانب وعرب، لعل أبرزهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وقمم ولقاءات لبنانية - سورية كثيرة، وبحوادث عسكرية وأمنية وقضائية عدة، واطلاق أسرى ومعتقلين من السجون الإسرائيلية والسورية، وبمساجلات وخلافات سياسية حادة انذرت أحياناً ب"طلاق نهائي"، ولكن كان يختم جرحها، ولو على زغل... في دمشق.
/التغيير رئاسياً
فقد بدأ العام على وقع انتخابات الرئاسة الأولى، وتبين خلاله، وفي آخره، أن كل المواقف والمشاحنات السياسية كانت معارك لتحصين المواقع وتحديد الأحجام عشية الاستحقاق، علماً أن من خاضها ومن لم يخضها يعرف أن أمر هذا الاستحقاق في يد سورية أولاً وان التأثير الأميركي أو الأوروبي أو حتى الداخلي فيه ثانوي. لكن هذه المعادلة لم تمنع كثراً في الداخل من التحرك في محاولة للتأثير لجعل الاستحقاق مناسباً لهم ومتوافقاً مع تطلعاتهم وطموحاتهم. فأحد المعنيين الرئيسيين به الرئيس الياس الهراوي، على رغم اعلانه الدائم انه يعد الأيام والساعات المتبقية من ولايته، وأنه يرغب في العودة الى منزله بعدها، وأنه تعب، بقيت قائمة حظوظ التمديد له ثانية المرة الأولى عام 1995. حتى عشية زيارته لدمشق في 5 تشرين الأول أوكتوبر ولقائه الرئيس السوري حافظ الأسد و"الوقوف الى جانبه" في الذكرى الخامسة والعشرين لحرب تشرين، وفي مواجهة التهديدات التركية - الإسرائيلية لسورية، وكان له يومها تصريح على الحدود اللبنانية - السورية في هذا المعنى، داعياً فيه جميع العرب الى مساندة سورية، ومعتبراً ان انتخابات الرئاسة اللبنانية، في ظرف كهذا أمر ثانوي.
ولم تبق سراً، طويلاً، نتائج القمة اللبنانية - السورية، إذ كشفها الهراوي هاتفياً وهو في طريق عودته الى بيروت لرئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري... وشاع الخبر ليستدعي في اليوم التالي 6 تشرين الأول قائد الجيش العماد اميل لحود ويبلغه أنه سيكون الرئيس المقبل للبنان. وروت الصحافة في حينه أن القيادة السورية نزلت، في هذا الخيار، عند التأييد النيابي والسياسي الواسع للحود، وعند نتائج استطلاعات رأي عدة كانت تزكيه على غيره بأشواط.
وبدأت على الفور الإجراءات اللازمة لتعديل المادة ال49 من الدستور ليتاح انتخاب لحود رئيساً، من دون أن يكون استقال من منصبه في الجيش قبل سنتين من موعد الانتخاب. فأقر التعديل مجلس الوزراء في 8 تشرين الأول، وتبعه المجلس النيابي في 13 منه بغالبية 113 صوتاً، ومعارضة 4 وغياب 11، لينتخب لحود في 15 منه ب118، عدد النواب الذين شاركوا في الجلسة، ويشدد على الأثر في كلمة مقتضبة على بناء دولة القانون والمؤسسات وتحرير الجنوب والبقاع الغربي وتلازم المسارين اللبناني والسوري في المفاوضات، معلناً "ان لدي وعوداً قليلة والكثير من العمل والأمل"... وليبدأ في الأيام الأربعين الفاصلة عن تسلمه مهامه، سلسلة لقاءات للاطلاع على ملفات الأزمات الداخلية والخارجية ولتشكيل فريق العمل الذي سيعاونه، وليقسم اليمين الدستورية في 24 تشرين الثاني نوفمبر ويعلن في خطاب القسم أنه سيكون تحت القانون وان من المستحيل على سلطة منفردة ان تحدث التغيير، داعياً اللبنانيين الى أن يكونوا الحكم، وألا يستعجلوا الأحكام على الوجوه والأسماء، وأن ينتظروا الممارسة.
وإذا كان اسم لحود مطروحاً للرئاسة منذ ما قبل التمديد للهراوي، فإن كثراً من المرشحين، المعلنين والمضمرين، خاضوا سباقها، وكان أبرزهم النائب بطرس حرب الذي قدم خلافاً للسائد بياناً - برنامجاً وقام بجولة على القيادات المحلية لتسويقه، لكنه انسحب لمصلحة لحود. وكذلك رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون الذي كان لا يعترف بالنظام المنبثق من اتفاق الطائف، لكنه اعتبر ترشحه "مد يد" الى هذا النظام، طالباً منه خطوة مماثلة، من أجل تحقيق مصالحة وطنية حقيقية... من دون أن ننسى أسماء بقيت في بورصة الترشح حتى اللحظة الأخيرة من مثل: جان عبيد وفوي حبيش وروبير غانم وايلي حبيقة وميشال اده وغيرهم.
/التغيير حكومياً
واكتمل التغيير على المستوى الرئاسي بتغيير على الصعيد الحكومي. إذ أن كل الدلائل كانت تشير الى بقاء الرئيس رفيق الحريري في الرئاسة الثالثة، هو الذي شكل في العهد السابق ثلاث حكومات عمّرت ست سنوات. وهذا ما تحقق فعلاً، إذ سماه في الاستشارات النيابية الملزمة 83 نائباً، وفوّض آخرون الخيار أو التسمية الى رئيس الجمهورية. وإذ استدعي الحريري الى القصر الجمهوري لإبلاغه النتائج، رفض مسألة "تجيير" الأصوات التي كانت مطروحة منذ ما قبل الاستشارات، وخرج بعد وقت قصير، ليترك البلاد في حيرة مما يمكن أن يكون عليه الوضع... لكنه بعد ثلاثة أيام أعلن اعتذاره عن عدم التكليف ليقبل لحود الاعتذار، ويجري استشارات جديدة أفضت الى تسمية الرئيس سليم الحص بغالبية 95 صوتاً. ويشكل حكومة من 16 وزيراً، اثنان منهم فقط من الحكومة السابقة ميشال المر وسليمان فرنجية والآخرون جدد، وصفوا بأنهم أكفياء كل في مجاله ويتمتعون بخبرات مهمة خصوصاً على الصعيد المالي والاقتصادي والإداري. ثم نالت الحكومة ثقة المجلس النيابي بغالبية 85 صوتاً وامتناع 31، في جلسات لم تكن حامية إلا في ما يتعلق بالتحفظ عن الخصخصة أو الاعتراض عليها، وبموقفي كتلتي الحريري والنائب وليد جنبلاط، فالأولى التي تحدث بإسمها النائب بشارة مرهج لعزوف الحريري عن حضور الجلسات، قدمت عرضاً بإنجازات الحكومات السابقة وانتقدت الحملة عليها. أما جنبلاط فكرر تحذيره من حكم العسكر ومن المس باتفاق الطائف أو استهداف ما أرساه. وبرز أيضاً موقف للنائب محسن دلول انتقد فيه توزير الباحث والخبير جورج قرم بحجة أنه معادٍ لسورية، إلا أن الحص في رده على المداخلات النيابية كشف أن قرم ترأس لجنة خبراء لتنظيم وزارة المال في سورية والنظام الضرببي فيها، وكان بارزاً أيضاً موقف نواب "حزب الله" الذين امتنعوا عن التصويت على رغم تسميتهم الحص لرئاسة الحكومة.
وعقدت الحكومة أول جلسة بعد نيل الثقة 21 كانون الأول وأقرت سلسلة تعيينات أبرزها في قيادة الجيش العماد ميشال سليمان والأمن العام اللواء جميل السيد وأمن الدولة اللواء ادوار منصور.
ومن مفارقات التقاء لحود والحص في قيادة السلطة التنفيذية في أول العهد الجديد، ان الحص كان طالب في جلسة مناقشة موازنة العام 1998 في كانون الثاني يناير الماضي، ومن موقعه كمعارض لنهج الحكومات الحريرية ب"قرار سياسي كبير" وب"مصلح قدوة"... ليلتقي في ذلك مع ما أعلنه الرئيس الجديد أنه سيكون المثل والمثال وتحت القانون الذي سيطبق على الجميع، مضمناً خطابه كلاماً كثيراً على الإصلاح ومحاربة الفساد وحل الأزمة الاقتصادية. وبذلك خرج الحريري من الحكم ليتحول الى صفوف المعارضة هو وجنبلاط وبعض النواب المستقلين، وتصبح من كانت معارضة بالأمس في الحكم أو في الموالاة. ولكن إذا كان الحريري ميز في مواقفه بين تأييده لحود ومعارضته الحكومة، فإن جنبلاط وحده، بين مؤيدي النظام، بدا على تعارض مع الرئيس الجديد محذراً من "عسكرة النظام"، وهو ما كان دأب عليه حتى قبل الانتخابات الرئاسية.
أما المعارضون الآخرون وبعضهم معارض النظام المنبثق من الطائف، فزادت انتخابات الرئاسة في افتراق بدأوه خلال الانتخابات البلدية وبعدها. فالرئيس السابق أمين الجميل ورئيس الأحرار دوري شمعون والمعارضة الكتائبية أيدا الرئيس الجديد، والعميد ريمون اده أجّل تهنئته له في انتظار الأفعال ليحكم عليها، أما العماد ميشال عون فاعتبر أن لا شيء تغير سوى الأسماء والمواقع، معترضاً على الدور السوري في لبنان ومتخوفاً من مزيد من الانهيار. وجاراه في موقفه الوزير في حكومته اللواء عصام أبو جمرة.
/قبل التغييرين
وسبقت هذين التغييرين الرئاسي والحكومي خلافات ومساجلات ومشاحنات سياسية، كانت ربما امتداداً لسابقاتها بين الرؤساء الثلاثة الهراوي ونبيه بري والحريري ووزراء ونواب، والتي لم تفلح ورقة اصلاحية تم التوصل اليها نهاية العام 1997 في نزع فتيلها. فانطلق الحريري منذ بداية العام في تحرك على المستوى الداخلي، استناداً الى برنامج تقشف واصلاح ظهر في مشروع الموازنة العامة الذي عند اقراره زاد بعض الرسوم والضرائب، من أجل تمويل سلسلة الرتب والرواتب وخفض عجز الخزينة.
وإذ مرت الموازنة على خير، على رغم تحرك بعض النواب للطعن في مرسومها بحجة أنه مخالف للدستور، خصوصاً في ما يتعلق بطرق الاستدانة، فإن جلسات نيابية أخرى آذار/مارس كانت مسرحاً علنياً لتفجر خلاف بين بري والحريري. إذ عندما رد رئيس الحكومة على نواب في شأن ضم خدمات موظفين الى نظام التقاعد، بأن سلسلة الرتب والرواتب ستقر قريباً، علق رئيس المجلس بأن ينتظروا المن والسلوى، واعترض على استمرار تأجيل السلسلة. وحصلت مشادة بين الاثنين، فرفض بري تحويل المجلس "مسخرة"، واعترض الحريري على رفع بري صوته في وجهه مطالباً اياه بممارسة صلاحياته، وانسحب من الجلسة وانسحبت معه الحكومة ورفعت الجلسة... ليتدخل الوسطاء المحليون من أجل تبريد الأجواء التي لم تبرد إلا في قمة في دمشق نيسان/ابريل تصالح على هامشها بري والحريري.
ولم يكن هذا الموضوع وحده مدار سجال، إذ أن الحريري قام بجولة على عدد من القيادات الروحية والسياسية لشرح وجهة نظر حكومته من القضايا المطروحة، والوقوف على رأي هذه القيادات في الحلول وكان أبرز لقاءاته خلوة مع البطريرك الماروني نصرالله صفير ومجلس المطارنة ليخلص في نتيجتها الى اجراء نقد ذاتي، اعترف خلاله بأخطاء ودعا الجميع الى الحذو حذوه، والتعاون من أجل انقاذ الوضع.
ثم برز خلاف بين الحريري وجنبلاط منطلقه التأخر في عودة المهجرين التي تحدث الحريري عن مبادرة في شأنها... وتواجها بأساليب عدة، خصوصاً كلامية، وكذلك بتقرب الحريري من القائم مقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، وتقرب جنبلاط بالتالي من الوزير السابق النائب طلال ارسلان، علماً أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي كان في تلك المرحلة يستبق الانتخابات البلدية بزيارات "انفتاح" لأحزاب الكتلة الوطنية والأحرار والكتائب والأرمن، اضافة الى أحزاب وطنية وتقدمية، ردها له قياديو هذه الأحزاب.
والحريري الذي قابل في بحر العام الرئيسين الأميركي بيل كلينتون والفرنسي جاك شيراك وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس الأسد، غير مرة، وألقى كلمة لبنان في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، شكلت أسفاره لدول كتلك التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي أو أخرى في شرق آسيا، موضوعاً إضافياً لحملة المعارضين عليه، حتى أن بعضهم أثارها في استجواب الى المجلس النيابي. وكان الرد أن هذه الأسفار تهدف الى تشجيع الاستثمار في لبنان وعقد اتفاقات لمنع الإزدواج الضريبي.
ويضاف الى ما سبق موضوع شكّل خلافاً امتد أشهراً، ولما تزل مفاعيله قائمة، هو طرح الزواج المدني الاختياري الذي قدّمه الهراوي الى مجلس الوزراء فأقره، لكن الحريري رفض توقيعه. وتزعم حملة الرفض مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني وانضم اليه رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام محمد مهدي شمس الدين والشيخ غيث، ونظمت تظاهرات واعتصامات خصوصاً في دار الفتوى، ثم صدرت أصوات روحية مسيحية تعترض على المشروع، الأمر الذي حدا بالهراوي الى الغمز من قناة رجال الدين والمطالبة بالعلمنة.
/الانتخابات البلدية
ووسط هذه الأجواء التي كان البعض يصف المواضيع المثارة فيها ب"محاولات الإلهاء"، كانت الحكومة تعد لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية للمرة الأولى منذ العام 1963، بعدما ترهلت البلديات القائمة ولم يبق من المخاتير المنتخبين في حينه سوى قلة.
وأجريت الانتخابات، وشارك فيها الجميع بمن فيهم مقاطعو الانتخابات النيابية في دورتيها عامي 1992 و1996، وحجتهم أن الشأن البلدي غير سياسي، وان الخوض فيه لا يعني اعترافاً بالنظام القائم، وان الهدف خدمة الناس. وكانت على أربع مراحل بين أيار/مايو وحزيران/يونيو في جبل لبنان، ثم الشمال، فبيروت والجنوب، فالبقاع، وشهدت انقسامات حادة ومعارك حامية. وتبدلت فيها التحالفات والمواقع وحاول كثر تجيير أي انتصار لمصلحتهم. فجنبلاط وشمعون تحالفا في الشوف، ليفوز الأخير برئاسة بلدية دير القمر، وحقق الحريري بلائحة ائتلافية في بيروت فوزاً كبيراً على لائحة معارضة جمعت التيار العوني والنائب نجاح واكيم وبعض اليساريين والمستقلين، وتنازع بري و"حزب الله" الفوز في البقاع والجنوب، وحصد الوزير المر معظم بلديات المتن الشمالي الذي سجلت فيه المعارضة، خصوصاً في بيت مري وسن الفيل وبعبدات، فوزاً بارزاً. وكانت جونيه محكاً بين لائحتين مدعومتين من نواب المنطقة وبعض الفاعليات، لتنجلي المعركة عن خسارة للنائب منصور البون لمصلحة النائب رشيد الخازن المدعوم من قوى معارضة عدة. وحقق الرئيس عمر كرامي في طرابلس فوزاً معقولاً عوض به خيبته في الانتخابات النيابية، و"تواجه" الهراوي في زحلة مع النائب ايلي سكاف المتحالف مع نجل الأول جورج الهراوي لتفوز اللائحة المدعومة من الاثنين بغالبية المقاعد.
لكن فرحة هذه الانتخابات لم تكتمل إذ أن بلدات وقرى عدة استثنيت منها، على أن تجرى في وقت لاحق مع الانتخابات في البلديات المحدثة.
/الجنوب والوضع الإقليمي
هذا أبرز ما في الداخل الذي يبقى متأثراً في شكل أو آخر بمفاعيل الصراع العربي - الإسرائيلي، خصوصاً مع الجمود المسيطر على عملية السلام. والمسرح الميداني الجنوب والبقاع الغربي حيث تستمر العمليات العسكرية بين القوات الإسرائيلية و"جيش لبنان الجنوبي" الموالي لها من جهة، والمقاومة بكل أشكالها الإسلامية حزب الله والوطنية حركة أمل، والأحزاب الشيوعي والقومي "والسرايا اللبنانية"... وفي حصيلتها سقوط نحو 25 جندياً اسرائيلياً قتلى ونحو 115 جرحى ونحو 30 من "الجنوبي" قتلى ونحو 50 جرحى. في مقابل 37 قتيلاً للمقاومة، وسط تكثيف اسرائيل غاراتها الجوية في الربع الأخير من السنة، وتحويل طيرانها مصدر "قصف صوتي" كان يرعب العاصمة والمناطق اللبنانية المختلفة.
لكن أمر هذه العمليات العسكرية بقي منوطاً بلجنة المراقبة المنبثقة من تفاهم نيسان للعام 1996، فكانت تبت الشكاوى وتحمّل المسؤولية لمن يجب، وتدعو دائماً الى ضبط النفس وعدم تعريض المدنيين الذين لم يسقط منهم إلا قلة قتلى وجرحى للخطر، ودخل على جدول أعمالها أيضاً موضوع جزين التي استهدفت عبوات زرعت فيها مدنيين سقط بعضهم ضحايا.
وأدرج هذا التصعيد في خانة الضغط الإسرائيلي على لبنان لتسويق طرح بتنفيذ القرار الدولي الرقم 425 مشروطاً بتسليم الجيش اللبناني أمن المنطقة الحدودية، ونزع سلاح المقاومة واستيعاب عناصر "الجنوبي" في الجيش اللبناني أو المؤسسات الأمنية الأخرى. طرح بقي قائماً طول السنة، وقدّمه غير مسؤول اسرائيلي بجوهر واحد، وان اختلفت الصيغ. وكان يعود الى الواجهة، بحجة الرغبة في الانسحاب، كلما نفذت المقاومة عملية نوعية يسقط في أثرها قتلى وجرحى اسرائيليون، وسط تظاهرات في الداخل الإسرائيلي ودعوات الى الانسحاب غير المشروط... الى أن اجتمعت الحكومة الإسرائيلية المصغرة تشرين الثاني ودرست تقارير واقتراحات وخلصت الى ان الانسحاب من لبنان غير وارد إذا لم يتم التوصل الى ترتيبات أمنية تحفظ أمن الحدود الشمالية.
وكان لموفدين أجانب تحرك لافت في اطار ايجاد صيغة توفق بين الطرح الإسرائيلي وموقف لبنان الرسمي الذي رفض أي شرط لتنفيذ ال425 أو الفصل بين المسارين اللبناني والسوري أو ضرب المقاومة، معتبراً ان اسرائيل تناور للهرب من مأزقها الداخلي أو تحويل الأنظار عن فشلها في المفاوضات على المسار الفلسطيني، ومن أبرز هؤلاء الموفدين الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم الذي زار لبنان في شباط فبراير واقترح ضم قوات فصل أرجنتينية الى جانب قوات الطوارىء، والأمين العام للأمم المتحدة الذي دعا من بيروت في آذار الى وجوب أخذ التطورات التي أعقبت صدور القرار 425 عام 1978 في الاعتبار والتعامل مع الأمر الواقع، في وقت كانت تجرى محاولات في الأمم المتحدة لتفسير هذا القرار، الأمر الذي رفضه لبنان. وكانت للرئيس شيراك الذي زار لبنان أيضاً نهاية أيار محاولة لإيجاد مخرج لهذا التأزم، وقبله لوزير الخارجية الفرنسية هوبير فيدرين، وكذلك وزير الخارجية البريطانية روبن كوك آذار.
ولفتت، الى لقاءات التنسيق والقمم بين لبنان وسورية المتعلقة بالشأن الإقليمي، زيارة لوزير الخارجية السورية فاروق الشرع لبيروت، خرجت عن طابع الزيارات السابقة، فاعتبرت رسمية بكل المراسم والإجراءات التي رافقتها آذار.
/متفرقات
لكن العام 1998 حفل أيضاً بحوادث وتطورات أخرى. من أبرزها احالة الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام السابق ل"حزب الله" وقائد "ثورة الجياع" في شباط على المجلس العدلي، بعدما واجه أنصاره في حوزة علمية في بعلبك قوة من الجيش اللبناني انتشرت لمنع عصيان مدني دعا اليه احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية خصوصاً في البقاع. وسقط في المواجهات، الى شهداء من الجيش، النائب السابق خضر طليس حليف الطفيلي الذي ما زال متوارياً، وقال أنصاره أخيراً أنه يواكب الأوضاع ويتحرك.
وكانت لمجلس الوزراء قرارات تتعلق بالإعلام المرئي والمسموع من مثل توزيع ترددات الأقنية على المحطات العاملة والترخيص لمحطات جديدة ومنع بث الأخبار والبرامج السياسية فضائياً، الأمر الذي أعادت حكومة الحص قبل أيام النظر فيه واستعادت مراسيم صادرة في هذا الشأن.
وأفرجت سورية عن 121 لبنانياً من سجونها، أوقف بعضهم في لبنان بموجب مذكرات توقيف صادرة في حقهم، في مقابل افراج اسرائيل عن عدد من الأسرى والمعتقلين في سجونها أبرزهم سهى بشارة التي اعتقلت قبل عشرة أعوام بعد محاولتها اغتيال قائد "الجنوبي" اللواء انطوان لحد أيلول/سبتمبر، ومبادلة أشلاء جنود اسرائيليين سقطوا في عملية أنصارية عام 1997 بعدد من الأسرى والمعتقلين اللبنانيين وجثث مقاومين حزيران.
وفقد لبنان الرئيس عادل عسيران حزيران أحد رجال الاستقلال الذين لم يبق منهم على قيد الحياة سوى الرئيس صائب سلام، ورئيس حزب الكتائب اللبنانية الدكتور جورج سعادة تشرين الثاني الذي كان انتخب في آذار رئيساً للحزب للمرة الخامسة، والرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي انعام رعد. وتوفي رئيس "حركة التوحيد الإسلامي" الشيخ سعيد شعبان.
وشهدت مناطق لبنانية عدة، موجة سرقات خصوصاً في جبل لبنان، روّعت المواطنين لأنها ترافقت مع عمليات قتل وإرهاب، اضافة الى جرائم اغتيال في صيدا ومحيط مخيم عين الحلوة الفلسطيني القريب منها، راح ضحيتها عدد من المواطنين ورجال الأمن.
وعلى الصعيد القضائي، أفرج مطلع العام عن أكثر من مئة محكوم بجرائم مخدرات، بناء على عفو صدر بقانون من المجلس النيابي، بينهم النائب السابق يحيى شمص. وضبطت الأجهزة الأمنية "شبكة تخريب" أفرادها موالون ل"القوات اللبنانية" المحظورة كانت تعمل بالتنسيق مع مكتب "القوات" في استراليا، ونفذت عمليات طاولت مراكز سورية عسكرية ومدنية بينها حادث الباص الشهير في طبرجا عام 1996، وكذلك شبكة تجسس لمصلحة اسرائيل كشف أمرها عميل سابق سلّم نفسه الى السلطات اللبنانية.
وتابع المجلس العدلي محاكمة قائد "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في دعوى اغتيال رئيس الحكومة السابق رشيد كرامي عام 1987، وسط كلام كثير تردد أول العام على أن جعجع مريض، إلا أنه ظهر في أول جلسة محاكمة كانون الثاني/يناير في صحة جيدة وان ناحلاً وشاحباً. وتستمر الجلسات في هذه الدعوى وقد فرغ المجلس من سماع شهود الحق العام ليبدأ من ثم بسماع شهود الادعاء الشخصي والدفاع، علماً أن جعجع ما زال متبعاً "استراتيجية الصمت" وعدم الرد على الأسئلة، لكنه يبادر أحياناً بالتدخل وطرح الأسئلة على شهود ومتهمين، ويصر على اعتبار المحاكمة سياسية.
كذلك شهد العام توحد جناحي الحزب السوري القومي الاجتماعي ومؤتمراً في باريس لحزب الكتلة الوطنية أفضى الى وثيقة سياسية وصفت بأنها تاريخية من حيث شمولها مختلف مفاصل الأزمة اللبنانية واقتراحها حلولاً لها. وعاد بعض وهج الى الحزب الشيوعي خصوصاً أنه استأنف نشاطه المقاوم في الجنوب بعد "طول انقطاع أو منع". واستعاد الياس أبو رزق موقعه على رأس الاتحاد العمالي العام بعد استقالة سلفه غنيم الزغبي. وتوحد بذلك الاتحاد الذي كان انقسم في نيسان 1997.
وكان الرئيس السابق أمين الجميل قرر العودة نهائياً الى بيروت بعد أحد عشر عاماً قضاها في باريس، في كانون الأول ديسمبر الجاري، إلا أنه أرجأ العودة بعدما اثيرت مسألة زيارته السفارة الإسرائيلية في باريس للتعزية بإسحق رابين، الأمر الذي نفى حصوله. وعزا قرار الإرجاء الى "عدم نضج ظروف المصالحة الحقيقية بعد".
أما العماد عون فخرج للمرة الأولى من منفاه في فرنسا الى استراليا التي قضى فيها اسبوعين، ثم اجتمع في باريس مع أعضاء من مجموعة الصداقة اللبنانية - الفرنسية، الأمر الذي اعتبر "سقوط واجب التحفظ" عن تحركه. وهو خاطب مرتين أعضاء من تياره في مؤتمرين عقدوهما في بيروت، حاملاً على السلطة القائمة والدور السوري، في حين بدأ العام بالإفراج عن عدد من أنصاره تظاهروا أمام إحدى محطات التلفزة احتجاجاً على منع مقابلة له معها، وانتهى بمثولهم كانون الأول أمام المحكمة العسكرية التي أرجأت الجلسة في دعواهم الى موعد لم يحدد.
وبين الشخصيات التي زارت لبنان الأمين العام لمنظمة الفرنكوفونية بطرس غالي والأمين العام لمنظمة "يونيسكو" فديريكو مايور ورئيس مجلس الأمة الكويتي أحمد عبدالعزيز السعدون ورئيس المفوضية الأوروبية جاك سانتير والوزيرة الفلسطينية حنان عشراوي، اضافة الى وزيري التجارة والصحة الأميركيين وليام ديلي ودونا شلالا اللذين رافقت زياراتهما وأعقبتها تحركات كثيفة للسفير الأميركي في لبنان ديفيد ساترفيلد زيارات لمناطق عدة وللوزراء الجدد، الأمر الذي انتقده جنبلاط معتبراً انه استكمال لزيارة وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت لبيروت العام الماضي، وحاملاً على الهجمة الأميركية الجديدة، في حين حذّر "حزب الله" من مخاطر هذه الحركة الأميركية.
وكانت ثمة محطة بارزة واكبها لبنان الرسمي والشعبي، هي تطويب الأب نعمة الله الحرديني الراهب اللبناني في الفاتيكان، في أيار الماضي، في الذكرى الأولى لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.