انتهت أمس اكثر جلسات المجلس النيابي اللبناني إثارة منذ سنوات، بنيل الحكومة الثلاثينية الجديدة برئاسة رفيق الحريري الثقة بأكثرية 95 نائباً. لكن التداعيات السياسية لما شهدته النقاشات، على مدى خمسة أيام من الكلمات والسجالات، خصوصاً في ما يتعلق بالوجود العسكري السوري في لبنان، ستترك بصماتها على الحياة السياسية اللبنانية، فضلاً عن قضايا اخرى، مثل التوقيفات المخالفة للقانون، والتنصت على الهاتف، التي اعلن رئيس الحكومة حصولها وأنه لن يقبل باستمرارها، اضافة الى عناوين اخرى مهمة. ومارس رئيس المجلس النيابي نبيه بري والحريري دوراً كبيراً في تهدئة الاجواء المتشنجة التي نجمت عن إثارة الوجود السوري. وإذ فرض موضوع هذا الوجود نفسه على نهاية الجلسة، وبالتالي على رد الحريري على مداخلات 73 نائباً، تناولته وغيره من القضايا، فان تسوية سياسية تم التوصل اليها بعد ظهر امس، انقذت الجلسة من مزيد من التصعيد السياسي، حين استهل بري الجولة المسائية منها بحذف كلام قاس تضمن تهديداً مباشراً كان قاله في الجولة الصباحية، النائب عن حزب البعث العربي الاشتراكي عاصم قانصوه، ضد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لمطالبته الجمعة الماضي بمعاودة النظر في بعض نقاط التمركز السوري وفقاً لاتفاق الطائف. وكان جنبلاط ينوي التحدث في الجلسة رداً على قانصوه، لكن بري بادر قبل انعقادها، الى لقاء جنبلاط مع سائر اعضاء كتلته اللقاء الديموقراطي ثم اختلى مع جنبلاط، داعياً الى التهدئة وانتهى الأمر الى مخرج شطب أقوال قانصوه من المحضر. وكان الأخير اتهم جنبلاط بأنه "يريد ان يلاقي حليفه شمعون بيريز في حرب اسرائيلية على الأبواب". واعتبر ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تمادى "كثيراً والمقاومة وسورية والجيش وكل الشعب اللبناني في المرصاد لميع العملاء المكشوفين والمستورين ولن تحميهم من بنادق المقاومين أي خطوط حمر أو لجوء الى سفارات". وعلى رغم حذف كلام قانصوه من محضر الجلسة فإن التأزم الذي نجم عن ردود الفعل على ما قاله جنبلاط رافضاً أي "تدخلات سورية جانبية" في لبنان، يعكس كما قالت مصادر سياسية التقت عدداً من المسؤولين السوريين في دمشق خلال اليومين الماضيين "مزيجاً من الغضب والمرارة والخيبة والانزعاج من طرح جنبلاط لديهم، ومن ظلم ذوي القربى، كما قالوا، باعتباره حليفاً رئيسياً". لذلك انصبت ردود حلفاء سورية على جنبلاط في وقت تجنبت المسيحيين المعارضين، الدكتور ألبير مخيبر، بيار أمين الجميل وبطرس حرب الذين طالبوا بالانسحاب السوري أو اعادة الانتشار، كذلك نسيب لحود الذي طالب بإعادة التمركز مثل رئيس الحزب التقدمي. وسئل بري اثر انتهاء الجلسة عن مساعيه فأجاب: "ألم تروا النتائج داخل الجلسة؟ لن أضيف شيئاً". لكن جهود استيعاب التأزم لم تتوقف عند هذا الحد، اذ ساهمت مداخلة الحريري الختامية أيضاً، في انقاذ الجلسة من التصعيد، فالتقط المبادرة باعلان مواقف تعتبر سابقة في عدد من المواضيع الحساسة التي أثارها المعارضون، بلغة مرنة حيناً وحازمة احياناً اخرى تتوزع مفاعيلها الايجابية على الافرقاء جميعاً، مما ساعد على تطويق التشنجات السياسية التي شهدتها البلاد، ولو موقتاً. وفيما ركز الحريري على المواجهة مع اسرائيل والصراع العربي الاسرائيلي، مشيراً الى "تناسي" بعض المداخلات له، مشدداً على ان بعضهم في اسرائيل راهن على توتير العلاقات بين لبنان وسورية، بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب، أكد ان هذا الأمر "لن يحصل لأننا بلد ديموقراطي نعطي رأينا في الأمور لكننا نعلم مصلحة وطننا وأولوياتنا". وأعلن تمسكه بما ورد في البيان الوزاري للحكومة في شأن العلاقات اللبنانية السورية، علماً ان البيان اكد ان الوجود السوري "ضروري وشرعي وموقت". وقال الحريري: "هم موجودون لأننا في حاجة اليهم الآن. وعندما تنتفي هذه الحال، وعندما ترى الحكومة المسؤولة الحائزة على ثقة المجلس النيابي، ان الوقت حان، سنناقش الأمر مع الاخوة السوريين وسنأتي اليكم للمصادقة على اي اتفاق في هذا الاطار، ونحن نؤمن بأن المجلس هو الذي يمثل اللبنانيين وليس أي جهة اخرى". واطلق الحريري سلسلة من المواقف والالتزامات أبرزها: اعلانه ان التنصت على الهاتف "فالت في شكل كبير من قبل اجهزة أمنية، وخاطب بري قائلاً انه جرى التنصت على مكالمة بينهما. وأضاف ان "هذا الأمر يضرب اساس المجتمع والقانون لا يطبق، وإذا لم تسر الأمور بحسب الأصول سأعود الى المجلس وأتكلم بكل الأمور". تحدث الحريري عن "الدخول على الناس ليلاً" وقضية حرمة المنازل، مشيراً الى نية الحكومة اجراء تعديلات على قانون الضابطة العدلية والتوقيفات. وقال: "في السابق كانت هناك ضبابية من موقفنا في موضوع الحريات الاعلامية، وأقول انه لم تعد هناك ضبابية ولا يكفي ان نقول انه في أيامنا لم ترفع دعوى على احد ثم يحصل اتصال بصحافيين ليمنعوا من الكتابة". وشدد على انه لن يسمح بتوقيف اشخاص بطريقة عشوائية ما دام هو في موقع المسؤولية، واعداً بتعديل قوانين تتعلق بالحريات العامة وحقوق الانسان اذا اقتضت الحاجة. الى ذلك، سئل جنبلاط عن رأيه في طلب بري شطب كلام النائب قانصوه، فأجاب: "في الشكل انقذ الجلسة وفي المضمون أتمسك بكلامي السياسي وأدعو الى قراءته بكل دقة وموضوعية، والأيام طويلة". وإذا استمر التأزم هل سيسحب وزراءه من الحكومة اجاب: "في الأساس لا". وعن انتقاد قناعات الوزراء الذين يؤيدونه قال: "رئيس الوزراء هو الذي يعبر عن الوزراء". وسئل هل يبقى موضوع الوجود السوري مثار جدل؟ فقال: "لم أطرح الوجود السوري كوجود، فليُقرأ بياني بتمعن. البيان دقيق جداً". وشبّه كلامه بكلام النائب نسيب لحود، معتبراً ان "الظروف الآن غير مواتية لبحث هذا الموضوع علناً". الجنوب على صعيد آخر، حطت مروحيتان اسرائيليتان في بلدة القنطرة جنوبلبنان للمرة الأولى منذ الانسحاب الاسرائيلي، واعتبر الرئيس اميل لحود ذلك اعتداء، في ظل مخاوف من عمل عسكري نوعي. راجع ص5