فتحت تفاعلات التوقيفات التي نفذها الجيش اللبناني في صفوف "القوات اللبنانية" المحظورة و"التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون، الوضع اللبناني على احتمالات شتى. وبدا ان التسوية التي توصل اليها مجلس الوزراء الخميس الماضي بالاشادة بدور الجيش عموماً وبالتأكيد ان تطبيق القوانين والسلطة الاجرائية منوط بالحكومة، لم تنه ش شالتأزم السياسي داخل السلطة السياسية نظراً الى بقاء التعارض في تقويم الموقف. راجع ص4 وفي حين تكثّفت الاتصالات السياسية والرسمية مع دمشق للتشاور في ما آلت اليه تفاعلات التأزم السياسي، خصوصاً انها كانت ابدت تفهماً لمواقف فريق داخل الحكم هو رئيس الجمهورية إميل لحود والوزراء الحلفاء له، في مقابل فريق رئيس الحكومة رفيق الحريري وحلفائه وفي مقدمهم رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط، توالت ردود الفعل السياسية على التوقيفات وأبعادها السياسية. وبينها قول وزير الصحة سليمان فرنجية بعد لقائه البطريرك الماروني نصرالله صفير أمس: "اذا كانت المعلومات التي اعطتها الاجهزة الأمنية عن توجهات تقسيمية واتصالات مع اسرائيل وتخطيط لاخراج القوات السورية من جانب القوات والتيار صحيحة فما فعلته الدولة مبرر، وإذا لم يكن التبرير في حجم الذي حصل فنحن ضد هذا الأمر". واعتبر ان موقف مجلس الوزراء "حكيم لأنه تجنب الانقسام داخل الدولة". وقال الرئيس السابق أمين الجميل ان ما حصل يعود الى ان "مصالحة الجبل زيارة صفير للجبل لم ترق "للبعض". وإذ فشل الاضراب الذي دعا اليه "التيار الحر" و"القوات" أمس احتجاجاً على التوقيفات، فإن جهود الحريري لتسريع الافراج عن الموقوفين وإحالتهم على القضاء العسكري استمرت. فالتقى النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم الذي أبلغه ان عشرة موقوفين بقوا في وزارة الدفاع سيدرس ملفاتهم ويحيلهم على القضاء غداً الاثنين. وتحرك أهالي الموقوفين فزار وفد منهم جنبلاط ونقلوا عنه قوله ان بعض الاتهامات "من حياكة بعض العقول الشريرة". واعتبرت مصادر وزارية كانت عارضت في مجلس الوزراء تحرك الاجهزة الأمنية من دون ابلاغ مجلس الوزراء ورئيسه ان "اعلان مجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخلية الياس المر أول من أمس عن ملاحقة عناصر "القوات" و"التيار الحر" لأنهما محظوران، يختلف عن التبريرات التي اعطاها، نقلاً عن الاجهزة الأمنية، في مجلس الوزراء، ان هناك مخططاً تقسيمياً بالتعاون مع اسرائيل وبالتالي فإن هذا تقزيم لكل العملية ولا يستأهل كل هذا التحرك الأمني". ورأى المصدر الوزاري ان "الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية في حق بعض الموقوفين بالسجن مدداً اقصاها أسبوعاً وبعضها أقل، دليل الى ان الأمور لا تتعدى حدود الشغب...". وشهدت محاكمة البعض من الموقوفين تراجعهم عن افادات وقعوا عليها في التحقيق الأولي. لكن مصدراً قريباً من القاضي عضوم، قال ل"الحياة" امس ان بين الموقوفين العشرة الباقين في وزارة الدفاع المستشار السياسي في "القوات" توفيق الهندي ورئيس الهيئة العامة في "التيار العوني" اللواء المتقاعد نديم لطيف. وذكرت هذه المصادر ان التحقيق الأولي مع الهندي، استناداً الى المحاضر التي اطلع عليها عضوم تفيد بوجود وقائع واعترافات منه بأنه "أجرى اتصالات مع مسؤول الأمن السابق في "القوات" غسان توما الموجود في أميركا والمحكوم غياباً بالاعدام بقضية اغتيال داني شمعون ورئيس الحكومة السابق رشيد كرامي". وقالت المصادر المقربة من عضوم ان محاضر التحقيق الأولي اشارت الى ان الهندي التقى بناء على هذه الاتصالات اسرائيلياً او اسرائيليين، وان البحث تناول قيام تحرك في لبنان لاخراج القوات السورية منه، وان الاسرائيليين سيؤمنون دعماً اعلامياً لهذا التحرك في الخارج". وذكرت ان لا شيء في هذه التحقيقات الأولية يتناول اللواء لطيف في ما يتعلق بالاتصالات مع اسرائيل، لكنها تتضمن وقائع عن مواقفه ضد الدولة والتحريض على النظام والسعي الى اخراج السوريين وعقد اجتماعات ممنوعة لهذا الغرض". وقالت المصادر إن عضوم سيقرر بناء على دراسته هل يتضمن الملف المعطيات الكافية لاحالتهما على القضاء. ولم تستبعد المصادر ان يلتقي عضوم الهندي ولطيف اليوم في اطار استكمال معطياته قبل اتخاذ القرار في شأن احالتهما. وقالت زوجة الهندي الزميلة كلود ل"الحياة": "مضى على زوجي قيد الاحتجاز خمسة أيام، انه خطف وليس توقيفاً لأننا لا نعرف وضعه وظروفه. وقد تجاوز الأمر المهلة القانونية للتوقيف التي هي 48 ساعة. وهم لا يدعون محاميه يرونه، اني قلقة على وضعه الصحي والنفسي والجسدي وما يتعرض له من ضغوط محتملة وكيف يعاملونه. اني لا اعرف أين هو محتجز، يجب ان تلتقيه لجنة طبية". وعلقت على أنباء عن التحقيقات الأولية بأن زوجها اجرى اتصالات باسرائيليين، فقالت: "انهم يركبون له تهمة، ان توفيق الهندي هو آخر واحد يتعامل مع الاسرائيليين، وهذا معروف عنه". ويبدو ان الاجواء السياسة ستبقى مشدودة ومتوترة على خلفية موضوع التوقيفات، وستستمر بفعل الخلافات التي ينتظر ان تشهدها الجلسة النيابية التشريعية المقررة غداً الاثنين، إن في شأن التوقيفات أو في شأن التعديل على التعديل لقانون أصول المحاكمات الجزائية الذي يصرّ رئيس الجمهورية اميل لحود على اعادة تعديله بما يتناسب مع ملاحظات كان أبداها على التعديل السابق، في حين ثمة كتل نيابية لا تزال على موقفها المعترض على هذه الملاحظات. وبالنسبة الى الاتصالات مع القيادة السورية، علم ان دمشق اطلعت من عدد من الأفرقاء على وجهات نظرهم من احداث الأسبوع الفائت وحقيقة ما دار في جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي، لجهة اختلاف الآراء في شأن اجراءات الجيش. وعلمت "الحياة" ان النصيحة السورية الرئيسة كانت وجوب مناقشة كل الأمور داخل مجلس الوزراء، لئلا تنتقل الى الشارع، كما هو حاصل الآن. وتلقى الحريري اتصالاً من القيادة السورية للتشاور في هذه التطورات.