لم تحقق قوة الدفع السياسي على رغم تعدد الأطراف المشاركين فيها أي تقدم باتجاه التسريع في ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة قبل نهاية الأسبوع الحالي، لا بل ان المشاورات الجارية لتذليل العقبات التي تؤخر تأليفها ما زالت تراوح مكانها من دون أن تنحسر موجة التفاؤل التي يشيعها زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية باعتباره واحداً من أبرز الذين يتنقلون باستمرار بين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي يصر على إسناد حقيبة أساسية للتكتل الى جانب وزارة الاتصالات محتفظاً لنفسه بكلمة السر بخصوص اسم الشخص الذي سيسند إليه الحقيبة الأخيرة. ومع انضمام «حزب الله» ممثلاً بالمعاون السياسي للأمين العام حسين خليل الى حلقة الناشطين من أجل التوفيق بين الحريري وعون واجتماعه ليل أول من أمس مع الرئيس المكلف الذي كان التقى فرنجية (الذي تردد أنه غادر الى دمشق أمس لإطلاع المسؤولين السوريين على نتائج مساعيه) فإن الجهود ما زالت تقف عند عتبة مطالب عون الذي يصر على حقيبة أساسية الى جانب «الاتصالات» أو حقيبتين أساسيتين في حال وافق على التخلي عن «الاتصالات». ولعل التحرك البارز مساء أمس، كان زيارة الحريري المفاجئة لرئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو التي تزامنت مع ترؤس الأخير اجتماعاً طارئاً لنواب اللقاء خصصه لتقويم الوضع السياسي العام في ضوء ما آلت إليه الاتصالات الرامية الى إيجاد مخرج يضع حداً للمراوحة التي بلغتها المشاورات التي يشارك فيها، إضافة الى فرنجية، رئيسا الجمهورية العماد ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري و «حزب الله». وعلمت «الحياة» أن الحريري وجنبلاط تطرقا الى المخارج التي يمكن أن تعطي المشاورات دفعاً جديداً يتيح للأطراف المعنيين بتأليف الحكومة تجاوز آخر العقبات التي تؤخر ولادتها. وبحسب المعلومات فإن لقاء الحريري وجنبلاط يكتسب أهمية خاصة في هذا الظرف بالذات، تكمن في أن رئيس «التقدمي» أراد منه توجيه رسالة سياسية لمن يعنيهم الأمر يؤكد من خلالها أنه لن يتخلى عن تحالفه مع زعيم تيار «المستقبل» وأنه مستعد لمساعدته خلافاً لرهان البعض على أنه يمكن توظيف التحولات السياسية لجنبلاط في ممارسة المزيد من الضغوط على الحريري لدفعه الى تقديم تنازلات جديدة مع أنه بادر الى تعديل موقفه لمصلحة توفير كل التسهيلات من أجل الإسراع بتأليف الحكومة والخروج من دائرة المراوحة. أما في شأن انضمام قوى المعارضة الى الوزير فرنجية في مسعاه للتوفيق بين الحريري وعون، فعلمت «الحياة» أن الأخير التقى وفداً من المعارضة سبق زيارة حسين خليل للرئيس المكلف. وجرى في اللقاء، كما قالت مصادر في المعارضة، استعراض آخر الصيغ التي استقرت عليها المراسلات التي يتولاها فرنجية بين الحريري وعون في محاولة للوصول الى نقاط مشتركة يصار الى تتويجها في الاجتماع المرتقب بينهما والذي تأخر خلافاً لكل التوقعات بسبب إصرار عون على وزارة الطاقة، إضافة الى الاتصالات ووزارتين عاديتين أو استبدال عرض آخر بهذا العرض قاعدته الرئيسة إعطاء «التغيير» التربية والعدل مع حقيبتين أخريين. وأكدت المصادر أن قوى رئيسة في المعارضة تتبنى وجهة نظر عون لجهة إعطائه حقيبة أساسية، إضافة الى «الاتصالات» شرط أن يترك له انتقاء الوزراء من دون أن يشترط عليه التفاهم مع الحريري على اختيار اسم الوزير المناسب ل «الاتصالات». وبالنسبة الى تحرك بري باتجاه سليمان قالت المصادر نفسها إن رئيس المجلس لا يدخل في التفاصيل سواء بالنسبة الى أسماء الوزراء أم توزيع الحقائب بمقدار ما انه ينطلق من قواعد لتأليف الحكومة، أبرزها تطبيق مبدأ المداورة في الحقائب مع الإبقاء على الداخلية والدفاع من حصة رئيس الجمهورية أو عودة القديم الى قدمه في توزيع الحقائب من دون أن يعني بالضرورة أن يبقى على الوزراء أنفسهم في وزاراتهم بلا أي تغيير في الأسماء. ولفتت هذه المصادر الى أن بري يحبِّذ اعتماد مبدأ المداورة بحيث تشمل الجميع بلا استثناء وإلا لا مانع من أن يبقى التعديل في توزيع الحقائب بحدود معينة شرط أن يتم بموافقة الأطراف المعنيين. وفي المقابل يرفض فرنجية «العراب الأول» للمفاوضات غير المباشرة بين الحريري وعون، الدخول في تفاصيل العروض التي يناقشها في تنقلاته بينهما. مؤكداً ل «الحياة» أنه ما زال على تفاؤله وأن تسعين في المئة من التشكيلة الوزارية أنجزت وأن الباقي منها يخضع حالياً لنقاش وأن لديهما النيات الطيبة للتفاهم. وأوضح فرنجية ان أكثر من صيغة مطروحة للحل تناقش بين الحريري وعون. وقال إنه بتفاؤله يعتمد على وجود استعداد لديهما للتعاون وكانا قدما تسهيلات متبادلة لهذا الغرض وهما ليسا في وارد إقفال الباب في وجه الجهود الرامية الى التوفيق بينهما. الى ذلك رأى البطريرك الماروني نصرالله صفير أن «مداخلات أجنبية من هنا وهناك تحول دون تشكيل الحكومة العتيدة»، مشيراً الى أن «سورية ليست وحدها في مجال هذه المداخلات». وقال صفير في حديث الى مجلة «المسيرة» اللبنانية ينشر غداً إن «السلاح والديموقراطية لا يتفقان كما أن الأكثرية والأقلية لا يمكن أن تلتقيا في حكومة واحدة». وأكد «أن فريق 14 آذار يجب أن يتسلم الحكم بعد فوزه في الانتخابات النيابية الأخيرة». وأشار الى أن «ثمة مَن في الداخل يستقوي بالخارج للحصول على مكاسب نيابية أو وزارية»، معتبراً «أن «حزب الله» يعمل لمصلحة إيران أكثر مما يعمل لمصلحة لبنان»، ومحذراً من الوصول الى مرحلة تدفع الجميع الى التسلح. على صعيد الوضع في جنوب لبنان حذر أمس مندوب لبنان لدى الأممالمتحدة السفير نواف سلام من مؤشر لاستعدادات تعدها إسرائيل لشن عدوان واسع النطاق ضد لبنان، وقال في رسالتين متطابقتين وجههما الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدولي سجل فيهما احتجاج لبنان على القصف الإسرائيلي الأخير لبلدة حولا (قضاء مرجعيون) إن هذا القصف يشكل انتهاكاً فاضحاً لسيادة لبنان ولقرار مجلس الأمن 1701 ويشكل نمطاً من التصعيد المخطط له والذي يشمل زرع أجهزة للتجسس في جنوب لبنان. ولفت سلام الى أن نمط التصرفات الإسرائيلية في الانتهاكات للسيادة اللبنانية والتهديدات للحكومة وللبنانيين يشكل «مصدر قلق جدي» ليس فقط لأنه يفاقم التصعيد في وضع هش وقابل للتفجير وإنما أيضاً لأنه يبدو مؤشراً لتهيئة إسرائيل لشن عدوان واسع النطاق. وعرض سلام في الرسالتين الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة مثل الطلعات الجوية اليومية والاحتلال المستمر للجزء الشمالي من بلدة الغجر ومزارع شبعا وكفرشوبا، وذكّر بالتصريحات الأخيرة لمسؤولين إسرائيليين التي أكدوا فيها أن إسرائيل ستستمر في نشاطها التجسسي في لبنان. وقال إن الرد الإسرائيلي بعد إطلاق قذيفة يؤدي دائماً الى عرقلة قيام الجيش اللبناني وقوة ال «يونيفيل» بإجراء تحقيق فعال وسريع في الحادثة.