إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد زيارة الرئيس بوتفليقة للولايات المتحدة : هل تتحول الجزائر من فرنسا الى أميركا ؟
نشر في الحياة يوم 18 - 07 - 2001

زيارة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الى الولايات المتحدة لها أكثر من معنى. ولعل المستهدف الأول هو النفوذ الفرنسي في المنطقة. وسبق للرئيس بوتفليقة أن زار فرنسا سنة 2000 وصرح قبل عودته للتلفزيون الفرنسي "انني أعود الى الجزائر بيد فاضية وأخرى لا شيء فيها". هذا الاتجاه الجديد نحو الولايات المتحدة لخصه الخبير الاميركي في الشؤون الجزائرية والعربية وليام كومنت في قوله "ان بوش لا يحسن جيداً ملف الجزائر، لذلك لن يجد بوتفليقة أية صعوبة في الرد على أي نقد يوجه اليه". وفي الآن نفسه تشن الصحافة الفرنسية هذه الأيام حملة ضد النظام الجزائري يغذيها الحزب الاشتراكي بذريعة حماية الأقلية القبائلية، كما صرح وزير الخارجية فيدرين أكثر من مرة منتقداً الحكومة الجزائرية ومتدخلاً في شؤونها الداخلية. بوتفليقة، الخبير في شؤون العلاقات الدولية، اختار هذه المرة لعب الورقة الأميركية ضد الورقة الفرنسية.
وقبل ذلك عندما زار قائد الأسطول السادس الاميرال مورفي الجزائر استقبل استقبال رؤساء الدول، فاحتلت صورته الصفحات الأولى وغطى التلفزيون الجزائري زيارته في شكل غير عادي، حين إبرز الضيف وجعل زيارته حدثاً مهماً له دلالة فائقة. وفي الوقت نفسه يرسل بيل كلينتون رسالة مساندة لجهود بوتفليقة في استعادة السلم. وكتبت الصحف الجزائرية بخط عريض "استثمارات "أناداركو" الأميركية في الجزائر بلغت 4،5 بليون دولار". وفي المقابل، وقبل ذلك بأيام قليلة، بثت القناة التلفزيونية الفرنسية الثانية الحكومية برنامجاً اتهمت فيه قوى الأمن الجزائرية في شكل غير مباشر بارتكابها المجازر البشعة التي حدثت سنة 1997. الصحف الجزائرية الرسمية شنت حملة مضادة على فرنسا وفي الآن نفسه حملة مديح بالولايات المتحدة. الجزائر وفرنسا واميركا ثلاثي يرتبط بعلاقات شائكة، معقدة، متموجة وتخترقها خيارات استراتيجية كثيراً ما تختلف داخل كل بلد على حدة. لم تخف الولايات المتحدة في بداية الأزمة الجزائرية، أي السنوات الممتدة من 1991 الى 1994 امكان قبولها أو حتى تشجيعها تسلم الجبهة الاسلامية للانقاذ الحكم في الجزائر. أما في الفترة اللاحقة التي امتدت الى اليوم، فسجل الموقف الاميركي تراجعاً نحو تبني النظام القائم ودعمه.
تأثر هذا الموقف الجديد بمجموعة عوامل موضوعية أهمها: وصول الرئيس اليمين زروال الى السلطة واكتسابه الشرعية العقلانية، أي الانتخابات العامة التي جرت سنة 1995، إضافة الى تمكنه من تعبئة الأنصار بمن فيهم الاسلام السياسي المعتدل بقيادة محفوظ نحناح. يجب اضافة عامل آخر محدد في عملية التغير الأميركي وهو البعد البراغماتي لسياسة واشنطن. إذ رصدت أجهزتها استحالة اي انتصار عسكري للحركة الاسلامية المسلحة التي تشتتت وضعفت الى حد التقاتل الداخلي وأصبحت الجبهة الاسلامية للانقاذ عنصر خسارة في معادلتها فتخلت عن العنف واقتربت من النظام بعدما اتضحت صلابته وامكانات استمراره. انتقلت اميركا من اتخاذ المواقف الى الفعل، فباشرت القيام بمجموعة اجراءات عملية هدفت الى دعم النظام ومحاصرة خصمه، فاعتقلت أنور هدام، أحد القادة البارزين لجبهة الانقاذ المقيمين على ترابها.
سبق ان كتب غراهام فولر دراسة بطلب من جهاز استخبارات "القوات الجوية الاميركية"، وهو خبير استراتيجي مختص في الوطن العربي وعضو سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، ونشر تقريره في كتاب بعنوان "الدولة الأصولية المقبلة"، تطرق فيه الى الأزمة الجزائرية محللاً ومستنتجاً ليصل الى التأكيد أن وصول الجبهة الاسلامية للانقاذ الى الحكم مسألة وقت ليس أكثر. وتنبأ بأن سياسة الردع التي ينتهجها النظام الحالي ستؤدي الى سقوطه لا محالة آجلاً أو عاجلاً. ويعتقد ان النظام سيعجز على المدى الطويل عن ادارة الأزمة. وحتى تتجنب الجزائر هذه النتيجة هناك حلاّن للخروج من الصراع.
أولاً: يطلب من الجيش أن يتصالح مع الجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة ويتقاسم معها السلطة في اطار اتفاق سياسي أمني لا يمر من خلال آلية انتخابات ديموقراطية.
ثانياً: يدعو الى انتخابات شاملة تشارك فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ.
ويعتقد غراهام فولر ان انتصار الجبهة في انتخابات ديموقراطية سيجعلها ملزمة تحت الضغوط النفسية والاخلاقية باحترام التداول على السلطة والتخلي عن الحكم اذا ما خسرت الانتخابات. ومن هنا، يتوقع ان تخسر الانتخابات الموالية. وفي الحالين ستفقد الجبهة صفتها الاسطورية لتعود حزباً عادياً كبقية الأحزاب.
إن أهمية هذا الطرح لا تكمن في كونه استشرافاً مستقبلياً دقيقاً بمقدار ما تكمن في أصول المؤلف الذي تشكلت خبراته اثناء عمله في وكالة الاستخبارات. انه يعكس بصورة ما العقل المفكر في هذا الجهاز على مستوى توجهاته وتطلعاته. أما مدى صحة هذا السيناريو وامكان حدوثه، فإن تطور الأحداث من سنة 1995 الى اليوم بيّن ان الاسلام المسلح فشل وان "الوضعية الثورية" التي اكتسبت في السابق في طريقها الى التلاشي نهائياً.
يجب التنبيه أيضاً الى أن المواقف الاميركية يمكن تفسيرها بكونها محاولة لمنافسة فرنسا على منطقة المغرب العربي، حتى ولو تمت هذه المحاولة عبر نسج شبكة علاقات وثيقة مع الحركات الاسلامية المعارضة في هذه المنطقة. وقد لا يكون الأمر مجرد مصادفة، إذا علمنا مثلاً ان عباسي مدني درس في بريطانيا وحصل على درجة الدكتوراه هناك. لنذكر أيضاً، ان أحد مطالب جبهة الانقاذ هو استبدال تدريس اللغة الفرنسية الشائعة وتعويضها باللغة الانكليزية في برامج التعليم الجزائري. وان عملية التعريب في الجزائر التي يتبناها كل من الطرح الاسلامي والطرح العربي، خصوصاً في جبهة التحرير الوطني، تهدف عادة الى اضعاف الفرنسية وتشجيع تدريس الانكليزية.
كما يجب التشديد على أن تخلي اميركا عن مشروع دعم الجبهة الاسلامية للانقاذ لا يعني معاداتها وتخليها كلية عن الفكرة. فهي الآن تعترف بالنظام القائم في الجزائر ولكن في اطار دفعه نحو المصالحة. وتؤيدها في مسعاها دول الخليج العربية التي يرتبط الرئيس بوتفليقة بعلاقات ممتازة معها.
بالنسبة الى فرنسا، يبدو أنها فقدت الجزائر منذ الاستقلال. فالنخبة التي وصلت الى السلطة وأدارت البلد اعتمدت على شعار التطرف في معاداتها. التقى هواري بومدين، رئيس أركان الجيش، مع أحمد بن بلة في تحالف يهدف الى ازاحة الحكومة الجزائرية الموقتة المتهمة بتقديم تنازلات للسلطات الاستعمارية. واستخدم غالبية رؤساء الجزائر المستقلة خطاب معاداة فرنسا. كان بومدين اكثرهم صرامة معها. وفي الوقت نفسه اتجه نحو الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية او منظمة دول عدم الانحياز. ولم يخف الرئيس الحالي بوتفليقة امتعاضه الشديد من المواقف الفرنسية، فانتقدها بعنف وقال للفرنسيين ان يهتموا بشؤون بلادهم. وسبقه الرئيس اليمين زروال حينما رفض لقاء جاك شيراك.
مارست الدولة الجزائرية المستقلة ايديولوجية معاداة فرنسا التي أصبحت جزءاً من عملية تعبئة الشعب الجزائري، بل وصل الأمر بالسلطات الجزائرية ان اتهمت الجبهة الاسلامية للانقاذ بأنها تجمع لأبناء "الحركيين"، أي عملاء الاستعمار الفرنسي. ولم يزر فرنسا الا الرئيس الشاذلي بن جديد، وتجنب الباقون زيارتها طوال فترات حكمهم المتعاقبة.
ان اكبر دليل على انتهاج الدولة الجزائرية سياسة معاداة فرنسا يتجسد في عمليات التعريب الواسعة والشاملة التي قام بها رؤساء الجزائر المتعاقبون، الى ذلك أن تسليح الجيش الجزائري هو أساساً روسي، ولكنه يتجه منذ نهاية "الحرب الباردة" الى التنويع والاستيراد من الولايات المتحدة. بقيت حجة مضادة لهذا الطرح وهي وجود ما اصطلح على تسميته ب"ضباط الجيش الفرنسي" في قيادة المؤسسة العسكرية. صحيح ان هناك مجموعة من الضباط المرتبطين عاطفياً بفرنسا، غير أن نفوذهم ضعف، ويبدو واضحاً أن نفوذ "ضباط الجيش الفرنسي" تم تضخيمه أمام موازين قوى جديدة تفيد بأن اميركا هي التي تهيمن على العالم وليست فرنسا.
فقدت فرنسا كل المجالات الحيوية التي يمكن أن تؤثر من خلالها في هذه المنطقة. ولم يبق لها الا المراهنة على اللغة الفرنسية والمثقفين المرتبطين بها والأقلية القبائلية. وهو رهان خاسر منذ بدايته وأظهر فشلاً ذريعاً. وتنبه كثر من الأمازيغ الى خطورة الارتباط بفرنسا، كدولة لا تمارس تأثيراً حقيقياً في الساحة الدولية. فحسين آيت أحمد الزعيم التاريخي للحركة الأمازيغية في الجزائر فعل كل ما في وسعه ليتبرأ من فرنسا ويكيل لها التهم باستمرار واختار خندق الجبهة الاسلامية للانقاذ ورفع شعار مناهضة "حزب فرنسا"، وهاجم فرنسا التي تبنت الأمازيغية فأنشأت معهداً لتدريسها على ترابها، وأنفقت أموالاً لتأسيس لغة مكتوبة بحروف لاتينية. ولكنها لم تجد صدى يذكر وأصبح المرتبطون بها أقلية شديدة لا في أوطانهم فقط وإنما داخل العائلة البربرية نفسها التي أنجبت كثراً من النشطين القوميين العرب أو حتى الاسلاميين. فغالبية قادة الجماعات المسلحة الجزائرية من البربر، وزعماء التيار القومي العربي في الجزائر من البربر مثل الدكتور عثمان سعدي أو رئيس مجلس الأمة بشر بومعزة.
أما خطأ فرنسا الكبير الذي ارتكبته فهو انتهاجها سياسة استئصال تجاه الحركة الاسلامية في الجزائر ودعمها الشق المتطرف داخل النظام الذي لا يرغب في الحوار ومراهنتها على انتصاره. وعلى عكس ذلك رغبت الولايات المتحدة في تحقيق حوار واسع ومصالحة شاملة. وهي اليوم أكبر المتحمسين لقانون "الوئام المدني". ويبدو انها حققت انتصاراً كبيراً بضعف تأثير فرنسا وتراجع التيار الاستئصالي الموالي لها. وقد يضعف هذا التيار اكثر في المستقبل، خصوصاً أن بوتفليقة عازم على احداث تغييرات كبرى تطاول مرة أخرى الحكومة، والمؤسسة العسكرية نفسها بمساعدة بعض حلفائه فيها وبتشجيع عربي وأميركي.
* كاتب تونسي مقيم في جنيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.