محاولة كل من ياسر عرفات وآرييل شارون لإسقاط الآخر تتباين في دوافعها ومرتكزاتها، فشارون الذي يعبر عن رؤية حزب ليكود المتشددة التي لا ترى في السلطة الفلسطينية شريكاً في عملية التسوية يحاول ان يتخذ من ذلك ذريعة لعدم تقديم استحقاقات حقيقية في عملية التسوية ويصب بالتالي في شكل واضح في استراتيجية اليمين الصهيوني القائمة على اساس التمسك بما يسمى "أرض اسرائيل الكاملة". اما عرفات فإنه يسعى لإسقاط شارون على امل ان يصعد حزب العمل الى سدة الحكم في الكيان الصهيوني ويطرح حلاً حقيقياً لإنهاء الصراع استناداً الى مفاوضات كامب ديفيد-2 ونتائجها، وهذا تصور لا يتمتع بإجماع الشارع الفلسطيني فضلاً عن انه لا يحظى بموافقة حركة فتح نفسها التي يوجد فيها تيار قوي يدعو الى استمرار المواجهة الى حين تحقيق انسحاب صهيوني كامل من الضفة والقطاع والقدس! وقد تصب محاولات اسقاط شارون في مصلحة المشروع الفلسطيني بكسر تيار التطرف والتشدد في الشارع الصهيوني واقناعه بعدم جدوى استخدام القوة لفرض واقع الاحتلال وأن لا مفر امامه من التخلي عن احتلال اراضي الغير. ان الأوراق السياسية والعسكرية التي يملكها شارون هي اكبر وأقوى من الأوراق التي يملكها عرفات في الصراع بينهما، وذلك لأن شارون يملك قرار استمرار السلطة من عدمها ولا يمنعه من انهائها سوى تقديراته بالدور الذي يمكن ان تمارسه هذه السلطة امنياً وسياسياً لحماية الاحتلال. ولذلك فإن تحويل الصراع الى صراع شخصي لا يصب في المصلحة الفلسطينية لأن نتيجة هذا الصراع تكاد تكون محسومة لمصلحة العدو. ان السلطة الفلسطينية وعلى رأسها عرفات قادرة على الامساك بعناصر قوة حقيقية في مواجهة شارون وغيره، وأول هذه العوامل: الوحدة الوطنية الفلسطينية ليس على ارض الواقع في مواجهة الاحتلال فقط ولكن ايضاً على صعيد البرنامج الوطني الفلسطيني الموحد القائم على برنامج المقاومة لدحر الاحتلال والذي يؤمّن حماية شعبية لأي قيادة فلسطينية بصرف النظر عن مكان وجودها، إذ قد تخسر القيادة الفلسطينية وجودها في مناطق الحكم الذاتي او قد تتعرض لمحاولات التصفية والاغتيال من العدو، ولكنها ستتمتع بحماية تحافظ على المشروع الذي تتبناه. وتستطيع القيادة الفلسطينية ان تتمتع بحماية عربية على المستوى الرسمي والشعبي. فعلى رغم كل ما يمكن ان يقال في الموقف العربي، فإنه لا يسعه إلا ان يسير خلف القرار الفلسطيني ويتحمل نتائجه شريطة وجود اصرار قيادي فلسطيني، وقد لمس الجميع مواقف صلبة وشجاعة من بعض الدول العربية لا يمكن تجاهلها او التغاضي عنها. * كاتب فلسطيني.