عمدت الأجهزة الأمنية الصهيونية في الآونة الأخيرة الى التسريب الى الصحافة العبرية ان هناك نقاشات تدور في المستوى الأمني حول حقيقة دور السطة الفلسطينية في التشجيع على أعمال المقاومة وحدود هذا الدور خصوصاً بالنسبة الى عرفات الذي يشكل حجر الأساس في استمرار دور هذه السلطة وفقاً للاتفاقات الموقعة. وعوضاً عن المحاولات الصهيونية المستمرة لتوجيه رسائل من خلال هذه التسريبات، فإنها لم تخل هذه المرة من حيرة حقيقية في ظل توجهات شارون لإعادة النظر في الموقف التقليدي المعروف من هذه السلطة منذ اتفاقات أوسلو. واذا كان باراك في الأيام الأخيرة لحكمه قد أشار أكثر من مرة الى ان عرفات لم يعد شريكاً في عملية السلام إلا انه عاد وصحح موقفه معتبراً انه ليس كذلك في الوقت الراهن فقط، وفسر موقفه المصر على الاستمرار في التفاوض مع عرفات على رغم هذا الوصف له في تصريح في 11/12/2000 قائلاً. "إن من لا يريد التفاوض مع عرفات سيجد نفسه مجبراً على التعاطي والتفاوض مع أحمد ياسين، لكن المشكلة هنا أن أحمد ياسين لا يبدو راغباً في التفاوض معنا، بخلاف عرفات"! الا ان شارون اعتمد تكتيكاً مختلفاً مع السلطة الفلسطينية لتبرير توجيه ضربات مباشرة لها في حال الحاجة الى ذلك، وكذلك موقفه الرافض للتفاوض معها تحت حجة دعمها لما يسمى بالإرهاب. ويستند هذا التكتيك الى الترويج الاعلامي الكثيف للادعاء القائل إن السلطة الفلسطينية متورطة مباشرة في العمليات الموجهة ضد الدولة العبرية وان ذلك يتم تحت سمع عرفات وبصره من دون ان يمارس جهداً حقيقياً لوقف الهجمات ضد الإسرائيليين، وذلك في محاولة منه لتأكيد ان عرفات لا يعتبر شريكاً للصهاينة. وعلى رغم ان جيش الاحتلال نفذ عمليات هجومية عدة ضد مقرات القوات الفلسطينية وعلى الأخص قوات ال17 التابعة لعرفات مباشرة بذريعة تورط بعض قيادات هذه القوات في تسهيل عمليات المقاومة بل وحتى تشجيع تشكيل مجموعات مسلحة وامدادها بالسلاح لتنفيذ عمليات مسلحة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في مناطق الضفة وقطاع غزة المحتلين، الا ان هذه العمليات اقتصرت حتى الآن على ردود محدودة زمنياً ومكانياً على عمليات المقاومة الفلسطينية وعلى الأخص اطلاق قذائف الهاون على المستوطنات الصهيونية في محيط قطاع غزة، ما يشير الى ان هذه العمليات الصهيونية لا تشكل سوى محاولة للضغط على الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية لاستئناف دورها في ملاحقة المقاومة الاسلامية والعودة الى التنسيق الأمني الذي تراجع أو توقف خلال معظم فترات الانتفاضة حيث ان شارون يوجه من خلال هذه الضربات رسالة محددة للسلطة الفلسطينية: انها لن تكون في مأمن من ضربات الجيش الإسرائيلي اذا لم تمارس دورها الأمني المطلوب منها. وما يعزز هذا الاستنتاج ان شارون لم يقدم حتى الآن أي دليل ملموس على دخول الأجهزة الأمنية الفلسطينية حلبة الصراع والمواجهة مع قوات الاحتلال باستثناء ان السلطة الفلسطينية لم تمارس دور منع العمليات والتصدي للمقاومين كما كان يحدث في السابق، وهذا بحد ذاته يجعل الاتفاقات التي تم توقيعها غير ذات قيمة حقيقية بالنسبة الى الصهاينة، خصوصاً بالنسبة الى شارون الذي لا يرى ايجابية لهذه الاتفاقات باستثناء الدور الأمني المطلوب من السلطة الفلسطينية! الا ان موقف شارون وحكومته الذي اتهم السلطة الفلسطينية بأنها باتت تشكل خطراً على منطقة الشرق الأوسط وانها تتحول الى كيان ارهابي لم يخف خلفه حيرة في التقديرات الأمنية حول مدى توغل عرفات شخصياً في الموقف من عمليات المقاومة، وذلك ما بين تقديرات تقول انه يكتفي بالسكوت على هذه العمليات وتجاوز منفذيها وعدم ملاحقتهم، وأخرى تعتقد انه قد يكون يعطي تعليمات الى بعض الأجهزة الأمنية لمساعدة تنظيمات المقاومة الاسلامية على تنفيذ عمليات ضد الصهاينة. وانبنى على ذلك تباين في المواقف حول المدى الذي يمكن ان يذهب اليه الاحتلال في ضرباته العسكرية ضد السلطة الفلسطينية، اذ ان الاستمرار في ضربها سيؤدي الى اضعافها وربما في النهاية انهيارها واضطرار الحكومة الصهيونية الى مواجهة حال فوضى شاملة تكون فيها الغلبة لتنظيمات المقاومة التي ستقوى شوكتها وستكون قادرة على شن عمليات أكثر ايلاماً وتأثيراً في العدو. واذا كان شارون يتساوق في تشديده للضربات الموجهة لقوات الشرطة الفلسطينية مع الدعوات التي تطلقها الأوساط اليمينية المتطرفة المتحالف معها في الحكومة والتي وصلت الى حد المطالبة بإعادة عرفات الى تونس من دون ملابس، فإنه في الوقت نفسه يحاول اظهار صقوريته المتميزة عن سلفه باراك الذي استنفد كل الوسائل الممكنة لوقف الانتفاضة بما فيها الوسائل التي يستخدمها شارون الآن. ويبدو انه على رغم كل الاجراءات التي اتخذها حتى الآن ضد السلطة الفلسطينية بما فيها حرمانها من أموال الجمارك التي تجبيها الدولة العبرية على البضائع الفلسطينية الواردة عبر الموانئ الاسرائيلية لا يرغب حتى الآن في اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية واسقاطها ما لم تصل الأمور الى حد الحرب المتواصلة التي تشن على الكيان الصهيوني من أراضي السلطة الفلسطينية. * كاتب فلسطيني.