يتناول عرض "عشاء عيد ميلاد طويل" للكاتب ثورنتون وايلدر من اخراج سامر عمران المسرح الدائري، معهد الفنون، الحياة الانسانية وتعاقب الاجيال. الحياة تمضي والشخصيات ترحل عن الدنيا ويكرر الجيل الجديد ما قدمه الأقدمون من تجارب وخبرات، بل يعيدون العبارات والتصرفات وحتى الحوارات نفسها التي قالها الاقدمون من دون اضافة. اهتم المخرج بالشكل العام للعرض وقدم سينوغرافيا منسجمة مع الحلول الاخراجية وتتناسب مع حركات الممثل المقتصرة على حركات اليدين والايماءة، فاستخدم مرور الزمن من دون الاعتماد على اطفاء الاضاءة، اذ يحمل كل ممثل صباغاً ابيض ويلوّن صدغ الآخر امام المتفرج. وفي كل مرة يزداد الشيب حتى يصل الى الحواجب. الاجيال لا تقدم الا حالاً واحدة، تبدأ من عشاء عيد الميلاد مروراً ببعض الحوارات المقتضبة التي لا تخرج عن العقلية السائدة لدى اجدادهم وانتهاء بالرحيل إما موتاً او سفراً. الحركات مرسومة ومكررة والشخصيات تجد نفسها في المرآة المتفرج، والعملية هنا عكسية، وكأنها لقطة فوتوغرافية ثابتة والحركة مقيدة لدرجة الملل الذي تقصده المخرج، والملل هنا يحفّز المتفرج على الاستمرار ويوّلد عنصر التشويق وربما المتعة لدى البعض، لذا كان الايماء مسيطراً على العرض في جميع مراحله، وتلعب الاحاسيس في هذه الحال دوراً بارزاً في ايصال المعنى الى المتفرج. نلاحظ التناقض بين القادم الجديد الى الخشبة الذي يرى العالم في شكل رائع وبين الشخصيات الموجودة داخل الخشبة التي ترى ان السماء ملبدة بالغيوم، لكن على رغم ذلك فالمكان هو المأوى الوحيد الذي يجمع الشخصيات لتمرير الزمن. تختار الشخصيات لحظة الموت الاختياري متى شاءت، تمشي نحو حتفها وتحمل كفناً ثم تمضي عبر الممر المؤدي الى الخارج بصمت. عندما يقرر كارل ان يموت وقبل ان يتناول الكفن تمنعه زوجته فيعود ثانية الى الحياة/ الخشبة، وكذلك رودريغو يحمل الكفن ويتقدم بهدوء نحو الشخصيات يتحاور معها ثم يمضي. اذاً الشخصية تختار الموت ولا يتدخل القدر في مصير اي شخصية. الحياة مأسوية راكدة والشخصيات تعيش في الماضي السحيق. وعلى رغم التطور الذي يجري في العالم ووسائل الاتصالات الا ان الشخصيات لا يطاولها التطور الا في الحدود الدنيا، لكن الابن يتمرد على العائلة ويرفض الوضع القائم فيثير شغباً ويمارس حياته، لكن القيود تكبله فلا يجد مناصاً من الرحيل الى الشمال ويكرر ما فعله اجداده وينتظر مرور الزمن ليلقى حتفه الاختياري. يؤكد وجهة النظر هذه مشهد الخاتمة عندما يلف الكفن الابيض الصالة والخشبة معاً. الخشبة هي حياة الانسان وخارجها الموت، اذ حاول المخرج صبغ عرضه بصدقية، فقدم لنا الرضيع يموت، والشاب يرحل عن العالم. كان المكان يتشح بالسواد من جميع جوانبه، بينما كان الديكور بسيطاً لدرجة اننا لم نجد سوى ستائر سود تحيط بالخشبة وأرضية من رمل توحي باللامكان او اي مكان في هذا العالم. دولاب على شكل ساعة الزمن في منتصف الخشبة يجتمع الممثلون عليه. يدور الدولاب فنجد شخصية داخل الدولاب تطحن وتسحق. اتخذ الدولاب شكل الطاولة فيختار الممثل جزءاً منه اثناء العشاء وكان الديكور تجريدياً يتناسب مع حركات الممثلين، والاضاءة لعبت دوراً درامياً في تصعيد الفعل المسرحي. بينما الازياء السود اشبه بملابس الممثلين اثناء البروفات لكسر الاندماج عند المتفرج وإضافة السوداوية. كان الايقاع في بداية العرض مترهلاً وكأن العرض يتطلب ايقاعاً بطيئاً في البداية، لكن فيما بعد اشتد الايقاع الداخلي مما دفع الممثل الى ان يكون اكثر حيوية وحضوراً على الخشبة. كان واضحاً تكرار الحركات والمواقف، وهذا قد يؤدي الى افراغ محتواها الدلالي من المعنى وبعث الملل في المتفرج، لكن يبدو ان الملل كان مقصوداً، فيتورط المتفرج ويدخل اللعبة باختياره ويستمتع بالرؤية الاخراجية والحلول البصرية.