احتضنت قطر فاعليات المهرجان المسرحي السابع للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأت في 1 تشرين الأول أكتوبر الجاري واستمرت حتى التاسع منه. وشاركت في المهرجان سبعة عروض منها عرضان قطريان، وعرض اماراتي، وعرض بحريني وعرض سعودي، وعرض عماني، وعرض كويتي. بدأ المهرجان بتكريم عدد من المسرحيين الخليجيين في حفلة الافتتاح منهم: راشد الشمراني من السعودية، وطالب البلوشي من سلطنة عمان، وسعاد عبدالله وابراهيم اسماعيل مدير عام المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، ومحمد البلم في قطر. وتبعه تقديم أعضاء لجنة التحكيم وهم: ابراهيم غلوم رئيساً، وكل من: عبدالعزيز السريع من الكويت، وأحمد عبدالحليم عامر من مصر، ومنى واصف من سورية، وجواد الأسدي من العراق، وهدى النعيمي من قطر أعضاء. والهدف من ترسيخ اقامة المهرجان خلق حال مسرحية مشتركة ومتفاعلة، بين مسرحيي الخليج، فيطلعون فيها على منجزات بعضهم بعضاً، ويقدمون أعمالاً مشتركة تجمع في العمل الواحد ممثلين من الكويت، وقطر، والعراق، وعمان، والامارات، فيفيدون من تجارب بعضهم ومن تجارب المسرحيين العرب المشاركين كمحاضرين وباحثين، ومنهم: الكاتب عز الدين المدني تونس، عبدالعزيز السريع الكويت، عبدالرحمن بن زيدان المغرب، عوني كرومي، وجواد الأسدي، وقاسم محمد، وصلاح القصب وعزيز مخيون العراق، ووطفاء حمادي لبنان. ومن الواضح ان هؤلاء المسرحيين تابعوا مسيرة المسرح في الخليج، وهم يسعون الى الاسهام في تطويره، وبلوره رؤية المسرحيين الشبان وهم يقومون بمحاولتهم الاخراجية والتأليفية الأولى ويعيشون حال عشق للمسرح، ويختزنون رغبة كبيرة في تطوير قدراتهم وجهودهم، وتنمية رؤيتهم المسرحية التي تعبر غالبيتها عن هواجس الجيل الخليجي الشاب وهمومه. ونختار منها عرضين هما: "باب البراحة" لفرقة مسرح دبي الأهلي، و"ايفا" لفرقة الصواري في البحرين. "باب البراحة" اغراق في السوداوية "باب البراحة" عرض اماراتي، من تأليف مرعي الحليان، واخراج ناجي الحاي. يصوغ كاتب نص هذا العرض رؤيته من خلال مجموعة من الحالات التي يجسدها أربعة ممثلين تجمعوا في غرفة ملجأ مصح، وممثلة واحدة هي الممرضة. يجسد هؤلاء حالات انسانية مهزومة، خاصيتها الأساسية، هي انها مدمرة، ومستسلمة، اتكأت حركتها وأداؤها على حبكة شاء الكاتب ان تكون المفتاح المفقود، الذي بسبب فقدانه تتصارع الشخصيات الرجالية المسنّة مع الشخصية النسائية الوحيدة والشابة، فهي تريد الخروج وهم لا يريدون فتح الباب أو تسليمها المفتاح، فيتجاهلون الحديث عنه، لأن الحديث عن المفتاح يعني تغيير المكان والانتقال الى مكان جديد. لقد اعتادوا هذه الحياة بإيقاعها الرتيب الذي لا يكسره الا تكرار حكاية كل منهم. وترتبط هذه الحكايات بشخصيات مريضة عاجزة فقدت كل شيء: واحد فقد زوجته، والثاني صار عاجزاً جنسياً، والثالث فقد الأرض البراحة، وهي المكان الذي يشكل منطقة التقاء بين بيوت المحلة أو الحي، أما الرابع فقد خسر ثروته بعدما فقد مركبه في البحر. تتمحور هذه الشخصيات حول دائرة العجز والاستسلام وانتظار اللحظات المشؤومة. انها شخصيات تخلت عن الأمل، وطوت فكرة الموت فرح ايامها. ولم تكن المرأة التي فقدت ابنها حالاً من المرضى الأربعة إلا بفارق السن. فهي لا تزال شابة، تثور من أجل الخروج من الغرفة/ السجن الى فضاء رحب، وواسع حيث تفجرت حالات هذه الشخصيات في حيز فضائي ممتد ، بارد وقاتم، وفارغ من كل عناصر الديكور إلا من بعض الأدوات السينوغرافية: الأسرَّة البيض التي توسطت الغرفة في شكل عشوائي، والشراشف التي غطت قسماً من الخشبة في شكل غير منظم، كما تدلى من السقف حبل طويل نشرت عليه ثياب المرضى. ويدور على الخشبة كرسيان متحركان جلس عليهما اثنان مشلولان من هؤلاء المرضى، بينما يتكئ الآخران على عكازين صغيرين. ويقتني أحد المرضى مذياعاً، تفاءلنا بوجوده للوهلة الأولى، لأنه سيكون الوسيلة الوحيدة للاتصال بالعالم الخارجي، ولكن حتى هذه الوسيلة الوحيدة اعدم دورها، ولم تعد تبث أي خبر. كان المناخ سوداوياً، وأدى الى بناء مشهد يصدم البصر لوجود حائط صلد أصم يغطي خلفية الخشبة المسرحية بكل أبعادها، باهت اللون مما يوحي بقدمه وبمرور زمن طويل على طلائه، زمن ينسجم وعمر الشخصيات الأربع. أسهمت هذه العناصر في توليد حال مأسوية تتلاءم مع حال الشخصيات، وان كان الكاتب ساقها بأسلوب درامي مغاير، أسلوب التهكم، والسخرية، فنزعت نحو الكوميديا السوداء التي تجسدت في اداء الممثلين الذين عبروا بأداء واقعي، فوقع بعضهم في حال من النمطية البارزة، ولكن على رغم الجهود التي قاموا بها لتجسيد حالات العجز والشلل والمرض، فهم لم يتجاوزوا الأداء النمطي السائد. ولكن أداء أحد المرضى مرعي الحليان، مؤلف العرض تميز عن الآخرين، وهو على رغم الشلل الذي أصيبت به رجلاه، وأقعده عن المشي وألزمه البقاء في كرسي متحرك طوال حياته/ العرض، خلق حال متجددة كل لحظة من لحظات الأداء، إذ كانت حركة اصبع يده المشلولة كلها باستثناء هذا الاصبع، معبرة، ولافتة، وحية وصادقة، وظلت تعابيره صادقة غير مفتعلة حتى لحظات سقوطه عن الكرسي. عندها توقف قلبه، وجمدت حركة يده، أو رفجتها، وظلت الغرفة مقفلة، والمفتاح ضائعاً. "إيفا": السياسة والحب "ايفا" عرض بحريني من اخراج خالد الرويعي، وتأليف الكاتب المسرحي السوري وليد فاضل. يمكن القول ان هذا العرض هو عرض اشكالي، أثار جدلاً كبيراً، ونقاشاً حاداً وتأويلات متعددة، ونم عن طموحات مخرجه وأحلامه، ورؤيته التي تضج بالصور والأفكار الغنية والكثيفة،. ما جعل العرض يفلت من أسر هذا المخرج الدراماتوري، وينأى عن ضبط ايقاعه. تدور فكرة هذا العرض حول طقوسية قصة ايفا بيرون، المرأة التي بلغت حال القداسة، ولكن الكاتب أراد ان يضع هذه الفكرة ضمن اطار سياسي، يختبئ في ثناياه ما ينبئ بقصة الحب التي جمعت بين إيفا وروبرتو زوجها/ الضحية الأولى، وزوجها الثاني /الجنرال خوان/ جلاد روبرتو. شاكس هذا المخرج/ الشاب منذ بداية العرض. واتكأت مشاكسته على مستويات عدة من الفضاء المسرحي، ولكنها في مجملها لم تتوان عن زج المشاهد منذ الدخول الى المسرح، في رهبة الفضاء السجن مكان الجلد والدماء. وتم ذلك على ممر خشب طويل، استقبل المشاهدين عليه المخرج خالد الرويعي وهو يرتدي اللباس العسكري الأسود. وكان هذا الفضاء هو علامة العرض الأولى والأساسية، وقد تم تنفيذه في ناد رياضي، استغلت مدرجاته ووصلت بممرات، فبدت طوابق هذا النادي جزءاً من حيز الفضاء المسرحي. وجلس عليها الجمهور المتورط في هذا الفضاء منذ لحظات العرض الأولى، لا بل منذ دخوله العرض. قسم الرويعي هذا الفضاء الى مستويين: المستوى الأول خصص لجلوس الجمهور، والمستوى الثاني خصص للعرض. في المستوى الأول توزع الجمهور بين الحيز المتداخل مع مساحة العرض الأولى، وعلى الجهتين" اليسرى واليمنى، ثم انتشر في الطبقة الثانية، وهي طبقة مكشوفة ركزت على سلالم خشب، الى جانب مدرجات الملعب الأساسية، واخترقت ممرات يتنقل عليها الممثلون من مكان الى آخر. وكان المستوى الثاني، عبارة عن فضاء العرض، امتلأ بالممثلين العسكر بثيابهم السود، وببنادقهم المصوبة ربما على الجمهور، وقد قسمه المخرج الى ثلاث جزئيات مكانية: الأولى وتشكلت منها الممرات التي امتدت أيضاً في مكان أعلى، حيث نجد منصة ثانية تحاك فيها المؤامرات، والجزئية الثالثة هي التي تشكلت منها منصة الاعدام، ويصعد اليها الممثلون من الجهتين: اليسرى واليمنى مخترقين صفوف الجمهور. بعد هذا الزج المخيف للجمهور في قسوة مناخ العرض، بدأ الجنرال بإصدار أوامره بإعدام المعتقلين، ومن بينهم روبرتو زوج ايفا الذي قتله الجنرال ليتزوج بها. وبعد مسيرة طويلة من القتل والإعدام بدأت المؤامرات تحاك ضد هذا الجنرال بعدما فقد الحماية الأميركية له. فيصدر أمر برميه في حوض سمك القرش، وكذلك ايفا التي اتهمت بالتعامل مع الثوار الأرجنتينيين. شكل هذا النص والفضاء المسرحي نقطة ارتكاز لحركة الممثلين الذين سعوا جاهدين لتجسيد فكرة العرض، التي كانت تدور في ايقاع رتيب ممل أطال مدة العرض فبلغت الساعتين إلا ربعاً، مما انعكس على اداء الممثلين، وكان في بعض المشاهد ينطوي على شحنة من التعبير الصادق، لا سيما في مشاهد اللقاء بين ايفا والجنرال، وفي مواجهة الشخصية لذاتها، التي جسدت على الخشبة في سياق بصري جميل باستخدام المرايا الأربع التي وضعت على المنصة الأمامية للعرض، كما كان في مشاهد أخرى أداء خارجياً، هذا مع العلم ان المخرج استخدم أساليب متنوعة من التمثيل، فكان منها الطبيعي بتر الأصابع على الخشبة، ورشق المرأة بكوب من الماء ومنها السريالية والتجريدية. وأخيراً يمكن القول إنه على رغم غنى العرض بهذه العناصر البصرية التشكيلية، وجمالية الفضاء المسرحي، لم يتمكن المخرج من توظيف كل هذه العناصر ضمن السياق الدرامي للعرض، فهو مثلاً لم يستخدم السلالم والمدرجات الا في مشاهد قليلة، كما ان القس الذي قضى معظم مدة العرض وهو يضيء الشموع ويطفئها، لم يبرز دوره الا في اللحظات الأخيرة من العرض، لحظات اعترافات إيفا. وتبقى قضية الاضاءة التي كانت عالية وقوية جداً في معظم المشاهد، لدرجة جعلتنا نعتقد ان ذلك كان مقصوداً من جانب المخرج الذي ربما قصد اضاعة ملامح الممثلين وتعبيراتهم زيادة في إرهاق مشاهد في هذا العرض الطموح الذي لم يكتمل ولكنه كان مفتوحاً على كل الاحتمالات.