"الطرْق" حرفة نسائية تصنيعاً واستهلاكاً، وموضوعها ثياب المرأة حين ترغب في التأنق، أو ثياب الراقصة الشرقية حين ترغب في التميُّز، وأما الرجل فبالكاد أن يحصل من "الطرْق" على منديل مطرز يضعه في الجيب العليا من سترته، وقلائل جداً هم الذين يفعلون ذلك. لم نقرأ شيئاً عن وجود حرفة "الطرْق" في بلد عربي غير لبنان، ولم نقرأ شيئاً عنها كذلك في لبنان، فالمصادر لا تشير اليها، وكثيرون في لبنان يجهلونها، إذ هي حرفة محصورة في مدينة بعلبك، وإن كانت الثياب الموشاة ب"الطرْق" معروفة لدى سيدات لبنانيات وعربيات، وغير قليل من السائحات. إذاً هي حرفة مهددة بالزوال، لولا وفاء بعض الحرفيات في بعلبك ولولا التفات مصلحة الانعاش الاجتماعي في لبنان اليها، وعلى العموم يمكن القول ان منتوجات هذه الحرفة تعاني اليوم كساداً نسبياً، والسبب في ذلك نُدرة خاماتها وارتفاع اثمانها، حتى شاع بين حرفيات بعلبك انها حرفة الفقيرات وأناقة الموسرات. وبتعريف موجز يمكن القول ان "الطرْق" ضرب من التطريز، أداته "الطارة" وخيط فضيّ معدني، وابرة مخصوصة لا يصنعها غير الصائغ. والتطريز ب"الطرْق" يكون على العباءات والفساتين والشالات والمناديل غالباً. فمن أين وفدت هذه الحرفة الى بعلبك؟ الجيل الحالي من الحرفيات يتحدث عن حرفة موروثة من الأمهات والجدات، لا يتعداهن الى أبعد من الجدات، الأمر الذي يحملنا على استنتاج أنها لا تبعد في الماضي أكثر من مئة سنة، وأنها غير وافدة، بل ربما كانت تطويراً لنوع من أنواع التطريز والتوشية المعروفين في لبنان، وربما وقعت امرأة من الرائدات على أسلاك فضية مرققة فبدا لها أن تستخدمها بدلاً من الخيوط العادية. هذا افتراض... ولعل من غير المجدي البحث في تاريخ ومنشأ، ما دام أهالي بعلبك يقولون: تفتّح وعينا فإذا الطرق موجود في مدينتنا... وقد تعلمناه من أمهات وجدات، ولا ندري على من تعلمن قبلنا. الأجدى إذاً أن نبحث في حاضر حرفة "الطرْق" ومستقبلها، فهي تستحق ذلك، لأن منتوجاتها تمثل درجة عالية في سُلَّم الثياب النسائية الموشاة، وهي أقرب ما تكون الى الثياب المقصبة بالخيوط المذهبة. غير أنها، مقارنة بغيرها من أنواع المطرزات، تكاد أن تكون عملاً فنياً بغض النظر عن الغرض الاستهلاكي لصنعها، وبغض النظر عن عجز الحرفيات اللواتي يزاولن "الطرْق" عن تقديم تعليل فني لما يشتغلنه ويدخلن فيه رسوم النبات والأهِلّة والأشكال الهندسية وبعض عناصر الطبيعة. وثياب النساء المشغولة بالطرق ثياب سهرة ومناسبات، وثياب رقص شرقي كما تقدم. نسأل السيدة حياة الرفاعي تعريفاً لحرفة "الطرْق"، فلا تقدم ما يشفي الغليل، ولا تفعل غير أن تقول: "الطرق حرفة تراثية قديمة"... تدرك أن التعريف لا يشبع فضولنا، فتتكرم بهذه الاضافة: "أرجح أن "الطرْق" كان مزدهراً أيام الأتراك في لبنان، ولا أعرف منطقة أخرى غير بعلبك تزاولها". مثلها تفعل صباح الرفاعي، ف"الطرْق" "نوع من القصب... وعينا عليه، ورأينا عماتي يشتغلن به، فتعلمناه منهن". فهل يمكن اعتباره نوعاً من التطريز؟ صباح الرفاعي تقول: "لا... التطريز شيء آخر... هاتان حرفتان مختلفتان من حيث "القطبة" والأدوات والتقنيات". ولا يغني هذا الاقتراب الحذر عن حوار. نسأل حياة الرفاعي: "الطرق نادر في ثياب اللبنانيات اليوم. فهل كان شائعاً في ثيابهن في عهد طفولتك؟"، فتجيب: "كان مستعملاً في المناسبات، إذ هو لباس السيدات الموسرات". لو تحدثيننا عن أدوات الشغل؟ - نستعمل إبرة مخصوصة لا يصنعها غير صائغ طبقاً لمواصفات نحددها نحن. ثم نستعمل الخيط وهو سلك معدني فضي اللون يجري ترقيقه في المعامل بناء لطلبنا كذلك. والآلة الأساسية "طارة" خشبية تشبه المنخل أو الغربال، وهي نفسها "طارة" التطريز بماكينة الخياطة. والقماش؟ أي نوع من الأقمشة يصلح لشغل الطرق؟ - لغطاء الرأس قماش جورجيت وهو حرير هندي، وللعباءات والفساتين قماش "الكريب" والقماش النجفي. ويغلب اللون الأسود، وأخيراً استعملنا قماشاً أبيض وقماشاً بنياً. إذاً، ف"الطرْق" توشية لغطاء الرأس والعباءة والفستان؟ - وللشال أيضاً والفولار ومحارم الجيب التي تزين التايور، وبذلات الراقصات. شغلكن احتراف. فهل خلا من الفن؟ أين الفن فيه؟ - الفن عنصر أساس في عملنا... من دون الفن لا يمكن أن نبدع. أين نجده؟ - في براعة التطريز واختيار الرسوم وتنسيقها، وفي ما نبتكره من رسوم، أو ما ننقله من الطبيعة. والوقت المبذول في كل عمل؟ - الوقت يتفاوت باختلاف القطعة... العباءة الواحدة قد يستغرق العمل فيها شهرين. الجيل الجديد، هل يرغب في التعلُّم؟ - نحن نعلّم عدداً من الفتيات. وعموماً: الراغبات في التعلّم قليلات... هذه اجمالاً حرفة تهتم بها فتاة يتيمة، أو فتاة أمية قاعدة في البيت. والراغبات في اقتناء أشغالكن؟ - هذه حرفة الفقيرات، لباس الثريات... الفقيرة لا تستطيع شراء ثوب مشغول بالطرق لأنه يكلف جهداً ووقتاً ومالاً. هل تدوم الحرفة؟ - نحن نتمنى ألاّ تنقرض... إنها في حاجة الى دعم الدولة وتعاطف الناس. مشغولات "الطرْق" زينة للمرأة. فماذا عن الرجل؟ - الرجل؟ هو الذي يدفع ثمنه تضحك.