مع بدايات الإخفاق التاريخي للمشروع الاشتراكي وما انتسب إليه، سلطات كانت أو أحزاباً، ارتاح بعض المثقفين العرب الى شعار "التراث"، يستمدّون منه القومية والعقلانية والعلمانية أيضاً. ومن لم يرتح إليه ارتاح، مع مطلع التسعينات، اي ظهور النظام الدولي الجديد، الى شعار: "المجتمع المدني"، الذي تحوّل الى عمومية ايديولوجية تلبي جماعة الشيطان وأنصار الرحمن أيضاً. تلبي الجماعة الأولى وهي تنقض، وفي شكل مطلق، ضمناً أو صراحة، التجارب القومية والاشتراكية والوطنية، كما لو كانت هذه التجارب، في اتساعها وتنوعها، قابلة للاختزال الى سلطات متماثلة مخفقة، وتلبي انصار الفريق الآخر، وهو يختال في التظاهر بأنه يرى في الديموقراطية، وفي شكل مطلق، نظرية سياسية ومشروعاً اجتماعياً وبرنامجاً إصلاحياً. اختصرت الديموقراطية الى كلمة تتبادل المواقع مع الليبرالية والليبرالية الجديدة والترشيد والعدالة وحقوق الإنسان، من دون ما يفصل بين هذه الكلمات أو يميز بينها، واختزل المجتمع المدني الى كلمة اخرى، تحيل الى مجموع مبهم يستنطقه المثقفون وينطقون باسمه أيضاً. وفي هذا الاختصار اصبح "المجتمع المدني" شعاراً كونياً، لا يحتاج الى تاريخ أو خصوصية، شأنه شأن شعار "المستهلك الكوني"، الذي يضع سلعاً متساوية امام زبائن متساوين أيضاً. وبداهة، فإن تسويغ التعميم المبتسر هذا لم يكن ممكناً لولا التداعي المتسارع، الذي يقع في بلدان عربية كثيرة، تجثم فيها السلطات السياسية فوق أرواح وأجساد وعقول البشر أيضاً. تنتمي فكرة المجتمع المدني، في شكل عام، الى الفلسفات السياسية لعصر التنوير الأوروبي، قبل القرن الثامن عشر وبعده، التي شكلت علاقة داخلية في الثورة البورجوازية المنتصرة. فقد تحدث جان جاك روسو عن عقد اجتماعي قوامه أفراد احرار يحققون بمشيئتهم، جدل الإنسان والمواطن، وقال هيغل بإرادة اجتماعية كلية تعثر على تجسيدها المشخص في الدولة، وذهب ماركس مباشرة الى الثورة البروليتارية التي تحرر البروليتاريا والمجتمع كله في آن. وغفا مفهوم المجتمع المدني طويلاً، قبل ان يوقظه الماركسي الإيطالي انطونيو غرامشي في "كراسات السجن"، وهو يحتضر ببطء في سجون الفاشية الإيطالية. ولم يكن غرامشي مهتماً كثيراً بالفصل بين الحيّز السياسي من ناحية والحيّز الاقتصادي - الاجتماعي من ناحية ثانية، بمقدار ما كان مهتماً بالإصلاح الأخلاقي والمعنوي والثقافي، بالمعنى المجتمعي، الذي يشكل شرطاً لا بد منه للتحرر الاجتماعي. وسواء ردّ مفهوم المجتمع المدني الى حقوق المواطن والمواطنة، أو إلى الحوار والمواجهة بين المجتمع المدني السياسي، وتحتويهما بنية واحدة، فإنه لا ينفصل، في تاريخيته، عن قضايا الثورة البورجوازية الأوروبية، بما يوطدها، ويصححها، وبما يتجاوزها أيضاً. ومع ان تبدل الأزمنة يفصل، نسبياً، بين روسو وماركس وغرامشي، فإن جهودهم جميعاً تتأمل وضع الإنسان في المجتمع البورجوازي، من وجهة نظر نقد الاغتراب وتحقيق جوهر الإنسان. وهذا ما يجعل من جهودهم مساهمة نظرية، بالمعنى الدقيق للكلمة، ومشروعاً سياسياً تحررياً، بالمعنى النبيل أيضاً. حقق "المجتمع المدني" عودة مظفرة، مع بداية ثمانينات القرن الماضي، في بلدان أوروبا الشرقية، التي ارتبطت بالاتحاد السوفياتي السابق وشكلت معه، ما دعي ذات مرة ب"المنظومة الاشتراكية". وكانت بولونيا، التي شهدت ولادة وتطور وانتصار نقابة "تضامن" سوليدارنوش، الموقع الذهب الذي أعاد الحياة الى مفهوم نظري قديم. غير ان حياة المفهوم العائد، أي المجتمع المدني، كانت غريبة ومغتربة عن حياته القديمة، ذلك انه تحول الى شعار ايديولوجي محض، يخاطب المجتمع ليسقط بيروقراطية متكلّسة لا اكثر، فإن سقطت البيروقراطية عاد المفهوم الى الخواء الذي جاء منه معلناً، بصمت، عن انتصار الرأسمالية على الاشتراكية المفترضة، وعن انتصار الإرادة الأميركية على إرادات خصومها. ولذلك كان منطقياً ألا يتجدد المفهوم القديم نظرياً، وان يغترب عن دلالته السياسية الأولى، وأن يكون قناعاً نظيفاً، فلا احد يرفض مبدأ المجتمع الحر المعبر عن ذاته، لوجه قرابته ب"التحرر الاجتماعي" ضعيفة أو واهنة. يحيل مفهوم المجتمع المدني، في شكله النظري الكلاسيكي، على الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات الجماهيرية، اي على السياسة، من حيث هي مبتدأ الحداثة الاجتماعية، بلغة معيّنة، أو على الثورة الاجتماعية التي تحقق "إنسانية الإنسان" بلغة أخرى. في حين ان على "المجتمع المدني" في زمن العولمة، أن يشير الى ما يجب ان يشير إليه، اي الى اقتصاد السوق وسياسات العولمة، التي ترسل ب"إنسان الشمال" الى عوالم الليبرالية الجديدة، مستبقية قطار الموت للجنوب ول"إنسان الجنوب". ولا يحتاج الإنسان العاقل الى تدقيق كبير، كي يدرك ان مفهوم المجتمع المدني في شكله الأول، رفع السياسة والفعل السياسي والمنظمات السياسية الى مستوى غير مسبوق، بينما جاء المفهوم، في استعماله البراغماتي اللاحق، في زمن انطفاء السياسة، إن لم يضع السياسة كلها بين قوسين، موكلاً الى المثقفين، أو إلى نخب اجتماعية ضيقة، الحديث باسم المجتمع المعذّب كله. وبهذا المعنى يكون للمفهوم في علاقته بالحداثة الاجتماعية، وهو تعبير تنويري، دلالة معينة، ويكون له دلالة نقيضة في زمن "ما بعد الحداثة"، الذي تزامن مع أمركة العالم، سياسياً، حيث السياسة ذكرى من ذكريات حركات التحرر المخفقة المختلفة. أفضى إلغاء تاريخية المجتمع المدني الى عولمته، حيث الدول متساوية وإضعاف دور الدولة في علاقتها بالمجتمع ينطبق على المجتمعات جميعها. وواقع الأمر ان هذه الدعوى، وفي علاقتها بالعالم العربي، معتلّة بمعنى مزدوج: معتلّة وهي تنادي بإضعاف سلطات ضعيفة، تظل على رغم ضعفها هي الضامن الأساس لوحدة المجتمع، وهي القوة الوحيدة التي تحول دون تبدد المجتمع تحت أثر العولمة وتبعثره في دورها الحالي، ومعتلّة وهي تتحدث عن "المجتمع" الذي لا وجود له، إلا بمقدار. ومهما تكن الأسباب التي قوّضت الوحدة الاجتماعية المتميزة بهشاشة بنيوية التي تسم تواريخ كل المجتمعات الانتقالية، والتي ساعدت السلطات السياسية في تعميقها، فإن هذه السلطات حاجة حياتية في مجتمعات موزعة على الولاءات الفقيرة الممتدة من القبيلة والعائلة والجهة الى الطائفة والملة والانتماءات السلطوية المغلقة، وهي عصبيات تتخيلها قدراً، وترتد الى صورتها المجتمعات المفرغة من السياسة والعاجزة عن التواصل مع حقيقة تحولاتها في القرن المنصرم. ومن الغرابة بمكان ان يجتهد انصار المجتمع المدني في الدفاع عن شعار مجرد، ولا يجتهدون في تأمل الحقل الذي يطبّق عليه، والذي يحتضن سلطات ضعيفة ومجتمعات اكثر ضعفاً وتخلفاً، كما لو كان المطلوب إضعاف العلاقتين معاً. مما لا شك فيه ان مقولات المجتمع المدني النظرية، التي تحتضن الديموقراطية والفردية الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية، لا توافق مجتمعات تغوص، يوماً بعد يوم، ولأسباب مختلفة، في وعي إطلاقي فقير بعيد من الأزمنة الحديثة. ظهر مفهوم المجتمع المدني، في ولادته القديمة، أثراً للثورة البورجوازية، التي قادتها بورجوازية قائدة ومنتصرة، تحقق مصالحها الطبقية وتحقق معها مصالح فئات اجتماعية واسعة. وهذا الوضع التاريخي، وقوامه طبقة قائدة ومنتجة ومنتصرة، أتاح للبورجوازية ان تعطي المجتمع مقداراً كبيراً من الديموقراطية والاستقلال والفعل السياسي. ومعنى هذا ان المجتمع المدني لا ينفصل عن دولة قوية، تقبل بالفصل، وهو فصل نسبي، بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي وتوحدهما معاً: تفصل بينهما حين تعترف الدولة بالمجتمع ولا تلغيه، وتوحدهما حين تجعل من قوة الدولة أساساً لقوة المجتمع. ولعل هذه القوة المتبادلة هي التي تجعل مؤسسات الدولة، في المجتمع البورجوازي الكلاسيكي، تفيض على السلطة، كما لو كانت السلطات السياسية المتعاقبة لا تغير من قوانين وأعراف ومؤسسات الدولة شيئاً. وبالتأكيد، فإن تصوراً كهذا لا يرى في "الدولة القوية" معياراً ومرجعاً، بمقدار ما يتأمل التحولات الاجتماعية العميقة التي أنتجت طبقة مهيمنة وقائدة، وشعباً يندرج في الفعل السياسي، متطلعاً الى ارتقاء المجتمع والدولة معاً. وعلى هذا، فإن السؤال الذي نقاربه، وبالمعنى العميق، يمس الإخفاق التاريخي للدولة الوطنية العربية، الذي يتجاوز، في تراجيديته وتعقّده، شواغل المثقفين عن "الجمعيات الأهلية"، ويطالب باتصال علائقي جماعي مسؤول، إن أمكن، يتوزّع على المجتمع والسلطة معاً. تتمثل القضية في قرارها، في العالم العربي، بانطفاء السياسة، مما وضع السلطة فوق المجتمع، ووضع المجتمع خارج ذاته، بعد ان تحول الى رعية أو الى جمع ديموغرافي مشلول الإرادة. ولهذا يبدو غريباً أو ساذجاً، أو متساذجاً، ان يحيل عالم اجتماع مصري مصير "التنوع العرقي والديني والطائفي في سورية" الى المختصين في "علوم المجتمع المدني" معتقداً أن "الجمعيات الأهلية في ذاتها" قادرة على حل هذا السؤال المعقد، ناسياً، أو متناسياً، ان الحوار الجماعي، الذي يحتضن الدولة والمجتمع معاً هو الطريق الى تلمس هذه القضايا ومحاصرتها وأننا لا نعني بالحوار الكلام المرسل الذي يتغنى ب"الاختلاف" الفرح الذي تُسمع أخباره عن بعد، بل التداول على أشكاله المختلفة بين فئات وبنى اجتماعية وسياسية غير متناظرة، معقدة الصلات والروابط، واعية عدم التناظر هذا الذي لا يلتئم إلا في سياق الجماعة الوطنية التي تشكل حاويته التاريخية ورافعته العملية في آن. وواقع الأمر ان "الجمعيات الأهلية"، في مجتمع عربي يشكو من التفكك والتداعي، تنتهي الى تأطير شكلاني بائس ل"التنوع الاجتماعي" حيث تذهب كل جماعة الى "جمعيتها" وينتهي كل فصيل ديني الى الفصيل الشكلاني المعبّر عنه. بهذا المعنى، فإن المطلوب هو إيقاظ الاهتمام بالسياسة، لا إحالة القضايا المجتمعية الى ذوي الاختصاص، حيث "الجمعيات المختلفة"، وقوامها المثقفون، تعبّر عن "الجماعات المختلفة"، وحيث المثقفون يستأثرون ب"الاختصاص السياسي"، طاردين الناس مرة اخرى خارج السياسة، بعد ان طردتهم منها السلطات أيضاً. ومع ان المثقفين، المأخوذين بالعولمة وبما بعد الحداثة، لا يميلون كثيراً الى عصر التنوير العربي، وإشكالاته الفكرية كثيرة، فإن العودة الى كتابات الطهطاوي وقسطنطين زريق وعبدالرحمن الشهبندر وطه حسين تسعفهم، اذا ارتضوا، بمقاربة اكثر جدية. أدرك هؤلاء المفكرون، في حدود ازمنتهم المختلفة، ان التطور والنهضة والارتقاء والتقدم اهداف بعيدة، لا يتم الوصول إليها إلا بعد مسار إصلاحي طويل، يتضمن التعليم والاقتصاد والصحافة والدستور واللغة أيضاً. فالمجتمع المدني، وبالمعنى المسؤول للكلمة، لا ينبثق من ركام من البشر، ولا من أموات أجِّل دفنهم، بل من إنسان أتاح له الإصلاح الاجتماعي المتدرج ان يظفر بشخصية مستقلة واعية وراقية، ترى الى الوطن والمواطن وحقوق المواطن الاقتصادية والسياسية والثقافية، ولا يحتمي بمراجعه العائلية الضيقة، التي كلما أمدته بدفء لذيذ، طوّحت به بعيداً من الوطن والمسؤولية الاجتماعية والأزمنة الحديثة. قال ماركس ذات مرة: "على من يريد ان يتأمل عملاً فنياً أن يحظى بتربية فنية"، التي تعني ان انسان المجتمع المغلق لن يعرف معنى المجتمع المدني إلا بعد حين. ويقول توكفيل: "لا يجوز لنا قط ان نتوقع انبثاق حكم ليبرالي، نشط وحكيم من أصوات شعب من العبيد". ومن المفترض ان أنصار "المجتمع المدني" يطمحون الى حكم ليبرالي، أو إلى حكم ديموقراطي، لكنهم، وقد وضعوا المشخص والمعيش والموضوعي جانباً، يجانبون توكفيل ويجافونه، بعد ان صرفوا "العبيد" الى شؤونهم الفقيرة، ونصّبوا ذواتهم بديلاً من الأحرار والعبيد ايضاً. وهم بذلك على رغم حسن النيات، لن يستولدوا مجتمعاً ليبرالياً، ولا ما هو قريب منه، بل دولة تتداعى، و"جمعيات اهلية"، وهي تعبير طريف على أية حال، تترك المضطهدين في مواقعهم وتدفع بالدولة، القادرة على تمثيلهم، الى الانهيار. تستلزم اهداف "المجتمع المدني"، وهي بعيدة، العمل على صيغ نظرية وعملية مسؤولة، يشارك فيها المجتمع والدولة، تنتهي الى إيقاظ المجتمع والدفاع عن حقوقه، والى الدفاع عن الدولة وتقويتها، ذلك ان وجود الدولة، مهما كانت مشكلاتها، شرط لازم للحديث عن كل إصلاح وطني. ف"التنوع الديني والطائفي والاثني"، وهو عزيز على قلوب بعض المستشرقين وبعض من استشرق من المثقفين العرب، يفضي، وفي حال وجود دولة ضعيفة وأزمات بنيوية مستشرية الى انفجار المجتمع، بلغة مهذبة، أو الى حروب أهلية، بلغة أكثر إيلاماً. وبالتالي، فإن الدفاع عن حق المجتمع في السياسة والتسييس امر وطني، مثلما أن تأمل شروط إسناد الدولة ودعمها امر وطني أيضاً. هذا إلا إذا كانت "الديموقراطية" شعاراً شعرياً يطلب لذاته، وكان "المجتمع المدني" شعاراً آخر، يلبي رغبات بعض المثقفين ولا يرى خارج المثقفين شيئاً. وإذا كان الدفاع عن الدولة كضامن للوحدة الجغرافية والسياسية امراً اخلاقياً تماماً، ذلك ان وجود الدولة يمنع، في شروط معينة، التحارب وسفك الدماء وتقاتل المجتمع حتى التقوّض، فإن هذا الدفاع يتكشّف واجباً وطنياً، عند الاقتراب من الأخطار الأجنبية مثل الصهيونية وشروط السلام - أو بالأحرى التسوية الآنية - الإسرائيلية، ومرة اخرى، فإن هذا التصور لا يرى في الدولة معياراً ومرجعاً، بل يرى الى ضرورة الوحدة الوطنية شرطاً يكبح الغطرسة الإسرائيلية، وشرطاً لإمكان الدفاع عن الوطن وحدوده. فمثلما ان المساجين لا يحاربون، فإن الشعوب المقوّضة تعفي أعداءها من محاربتها، لأنها في احترابها الداخلي هزمت ذاتها قبل ان يهزمها العدو الخارجي. ان الانطلاق من شعار "المجتمع المدني" كشعار كوني او "متعولم" لا يفضي الى شيء مفيد. فالمفاهيم النظرية لا وجود لها إلا في تميزها، أي في الانطلاق من شروط معيشة ومشخصة وملموسة. وربما كان العالم العربي بحاجة بالأحرى الى شيء يمكن ان يدعى "المجتمع الوطني الديموقراطي" الذي يعكس، وفي سيرورة اجتماعية طويلة، التزاماً بالوطن وبالفضاء السياسي ولغته وممارسته. "المجتمع الوطني"، الذي تكون الديموقراطية المتدرجة شرطاً له، هو ذاك المجتمع الذي يدافع فيه البشر عن الوطن والمصلحة الوطنية وحقوق المواطنة، بعد ان يتعلموا ان الوطن للجميع وأن الدفاع عن القيم الوطنية هو ما يميز انساناً عن آخر، وأن الدفاع عن صورة الوطن دفاع عن كرامة الإنسان وقيمته الأخلاقية. وقيم كهذه تأتي محصلة لجملة من الاقتراحات الجزئية المتعاقبة، التي تلبي حاجات اجتماعية معينة، ولا تزعزع أركان الدولة، على مبعدة من شعار شكلاني - مجرد، بلغة معينة، أو من شعار "كلاني" لا يقبل التحقيق، بلغة اخرى. فمن يضع في داخله كل شيء، وهو منطق سلطوي، على أية حال، لا يدع خارجه شيئاً، علماً أن هذا "المتبقي الخارجي" مبتدأ لا غنى عنه لأي اقتراح سياسي يتطلع، عملياً، الى التحول الى فعل سياسي. والسؤال المطروح ربما: كيف يحافظ المجتمع على وحدته في الأقطار العربية كي يتحول، لاحقاً، الى مجتمع وطني؟ أو كيف يغدو الوطن مرجعاً رئيساً يفيض على المراجع المتوارثة الفقيرة التي ترى الوطن في مواقع متعددة ولا تراه في موقعه الحقيقي؟ أو كيف ينتقل الإنسان المقيد الى مواطن طليق؟ وفي الحالات جميعاً يتوزع السؤال المطروح الى سؤالين متداخلين ومتكافئين، يتأمل أولهما اشكال العمل التي تؤمن الوحدة الاجتماعية، ويرى ثانيهما الى ارتقاء المجتمع في وحدته، أو الى تطور وتقدم وتفتح المجتمع الموحد، أي المجتمع الوطني، هذه الأسئلة وغيرها تطرح أولاً سؤال توليد الوعي السياسي المجتمعي بعيداً من سؤال نخبوي يدعى باللغة المتأخرة: "المجتمع المدني". * كاتب سوري. ** كاتب فلسطيني.