سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تفجير "لا بيل" في برلين قدم مبرراً لإدارة ريغان لتنفيذ عمليتها لإطاحة الحكم الليبي . الغارات الأميركية على طرابلس وبنغازي في 1986 استهدفت "قتل القذافي" 5
تواصل حلقة اليوم من كتاب "لوكربي الفضيحة الخفية" عرض الاستعدادات الأميركية في الثمانينات لإطاحة حكم العقيد معمر القذافي. الولاياتالمتحدة ضد القذافي سنحت للولايات المتحدة الذريعة التي كانت تحتاجها لضرب ليبيا. ففي الساعة الأولى والدقيقة التاسعة والأربعين بعد منتصف ليلة الخامس من نيسان ابريل 1986 انفجرت قنبلة في كاباريه "لا بيل" في برلين، المرقص الذي يغصّ بالعسكريين الأميركيين. قتل في الانفجار شخصان، أحدهما عريف في الجيش الأميركي. وزعمت الاستخبارات الأميركية انها اعترضت اتصالات من/الى المكتب الشعبي الليبي في برلين تشيرالى تورط الليبيين. بعد تسعة أيام، أي في 14 نيسان، اطلقت أميركا جبروتها العسكري ضد ليبيا، عندما قامت القاذفات من سلاح الجو والبحرية بغارات متزامنة على طرابلس وبنغازي أوقعت 41 قتيلاً. وظهر الرئيس ريغان على التلفزيون الليلة نفسها ليبرر الهجوم، وكرر الادعاء بوجود "أدلة لا تقبل الدحض" على ان ليبيا كانت وراء التفجير في برلين. وكان الهجوم الأميركي محاولة لاغتيال القذافي، على رغم نفي البيت الأبيض ذلك. وادعى لاحقاً طيارون شاركوا في الغارات انهم تلقوا الأوامر باستهداف وحدة تكييف الهواء على سقف منزل القذافي الواقع في ثكنة العزيزية الكبيرة. واطلقت على الثكنة صواريخ موجهة بالليزر، ولم يصب موقع في الثكنة سوى مسكن القذافي الذي كان من حسن حظه ان ينجو، الا ان ابنته بالتبني هناء قتلت بالقصف. وذكر ديفيد يالوب في كتابه "الى اقاصي الأرض" ان خطاب ريغان على التلفزيون تلك الليلة كان في الأصل معداً لتبرير قتل القذافي، وتم تغييره عندما علم الأميركيون بنجاته. بعدما انجلى غبار الهجمات تبين، مرة أخرى، ضعف أدلة ريغان .... فالاتصالات المعترضة من المكتب الشعبي الليبي في برلين واليه لم تخضع تسجيلاتها الى فحص مستقل. وتسلمت الاستخبارات الألمانية نسخة عنها لكنها لم تعتبرها مقنعة، فيما قال مسؤولون من الاستخبارات الألمانية والفرنسية والايطالية والاسرائيلية ليالوب ان التسجيلات مزيفة، وانها ربما كانت من صنع مجلس الأمن الوطني الأميركي. التفسير الثاني للحادث جاء من العميل الاسرائيلي السابق فكتور أوستروفسكي. اذ ادعى في كتابه "الوجه الآخر للخداع" ان الاتصالات بين طرابلسوبرلين لم تكن من الاستخبارات الليبية بل من وحدة تضليل تابعة ل"موساد" كانت تقوم بعملية تحمل اسم "تروجان". وزعم ان فريق كوماندوس اسرائيلي انزل سراً الى الشاطيء الليبي في شباط فبراير 1986 مع معدات اتصال متقدمة وضعها عملاء "موساد" لاحقاً في شقة قريبة من مقر القذافي. وبدأوا بعد وقت قصير ببث سلسلة من الرسائل التي بدت كأنها أوامر ارهابية الى مكاتب الشعب في مختلف العواصم. ليست المحاولة الأخيرة لم تكن الغارات في 14 نيسان المحاولة الأخيرة من ادارة ريغان للتخلص من القذافي. فما ان انتهت الغارات حتى بدأ التخطيط لهجمة جديدة. وأمر رئيس مجلس الأمن القومي الادميرال جون بوينتدكستر اعضاء المجلس فنسنت كانيسترارو وجيمس ستارك وهاوارد تايخر باعداد تقرير الى الرئيس عن الخيارات المتاحة. وركز كانيسترارو في مذكرته على الجانب الاستخباراتي، فيما عمل ستارك على الخيارات العسكرية. لكن ما اثار غضب الفريق ان المتشدد اوليفر نورث اعاد كتابة النص بما يتماشى مع محاولته اقناع الرئيس بتوجيه ضربة حاسمة. وعندما لم يتخذ القذافي اي خطوة يمكن ان تُشكّل ذريعة لهجوم عسكري جديد، تحولت سياسة أميركا الى الحرب النفسية. وفي تشرين الأول اكتوبر 1986 تسربت الى الصحافي بوب وودوارد ورقة عمل جاء فيها ان "هدف استراتيجيتنا على المدى القريب يجب ان يكون ادامة توجسات القذافي لكي يبقى منشغلاً وغير مستقر ... ويعتقد ان الجيش وعناصر اخرى تتآمر ضده ... واذا اعتقد ذلك فإنه قد يزيد الضغط على الجيش بما قد يؤدي بدوره الى انقلاب أو محاولة اغتيال". ولم تظهر هذه الاشارات المحرجة الى الاغتيال وعمليات التضليل في "توجيه قرار الامن القومي" الذي وقعه ريغان، الا ان التوجيه على رغم ذلك أمر باتخاذ "خطوات سرّية وديبلوماسية واقتصادية بهدف ... تغيير القيادة في ليبيا". وكتب وودورد في "واشنطن بوست" ان فنسنت كانيسترارو وهاوارد تايخر أيّدا استراتيجية الخداع والتضليل، ونشطا لضمان عدم تخفيف السياسة تجاه ليبيا كما ظهرت في النهاية في "توجيه" ريغان. وطُلب من تايخر وضع تلخيص للورقة التي قدمتها وزارة الخارجية الى اجتماع لحكومة ريغان المصغرة. وفي الوقت نفسه قدمت ايلين مورتن، وهي مسؤولة سابقة في الخارجية عن ملف شمال افريقيا التحقت فيما بعد بمجلس الأمن القومي، تلخيصاً منفصلاً الى ريغان. وكان هناك اختلاف حاد في التلخيصين على رغم استنادهما الى النص نفسه. فقد كان مؤدى تلخيص تايخر دعوة مسؤولي الادارة الى نشر تقارير كاذبة عن قرب موت القذافي التي كانت تذيعها "سي آي أي". في المقابل، استبشعت مورتن هذه الفكرة، وكذلك بعض الاقتراحات الاخرى المتداولة وقتها. وعبرت عن شعورها على كومبيوتر مجلس الأمن القومي عندما وصفت معظم الخطط المقترحة بأنها مشابهة لقصة "ساحر أوز" الخرافية. وكان لها ما وصُف بأنه "خلاف حاد" مع كانيسترارو حول اقتراح مفاقمة توجسات القذافي عن طريق قيام طائرات الاستطلاع بخرق جدار الصوت فوق طرابلس. ووجدت انه اقتراح يشابه في سخفه من يفكر ان القذافي مجنون. وكتب كانيسترارو في جوابه: "ايلين... اخالف بعمق جوهر موقفك... لقد اتفقنا، كما اعتقد، ان الضغط على القذافي اسلوب ناجح فعلاً، ويمكن استعماله لتغيير او تخفيف سلوكه... هناك زخم نفساني يحتاج الى الادامة لدى معارضي القذافي. ان اختراقات جدار الصوت تشكل اشارة الى ان القذافي لم يتجاوز أزمته بعد، وهو ما يشجع معارضيه ويؤثر في اتزانه. لا اقول ان هذا الاسلوب فعّال اذا استخدم لوحده، لكنه ضروري اذا كان جزءاً، وجزءاً مهماً، من حملة أوسع. علينا ادامة الضغط وليس تنفيسه، وان لا نتمسك بأمل اعمى في ان اقتصاده سينهار وينقذ استراتيجيتنا". الواقع ان اقتراح مسؤول متوسط الرتبة في الاستخبارات الأميركية استعمال "حيل قذرة" لتغيير القيادة في دولة أخرى مستقلة كان سيشكل صدمة للكثيرين لولا انه أصبح مألوفاً. ولم يحاول كانيسترارو أبداً اخفاء دوره في البرنامج المعادي للقذافي - ولماذا يفعل اذا كان البرنامج حظي بمباركة الرئيس؟ هذا الدور لم يكن مهماً بذاته، لكن الاهمية تكمن في أن كانيسترارو تولى لاحقاً قيادة تحقيقات "سي آي أي" في تفجير لوكربي. يبدو كانيسترارو، بشخصيته المهذبة وكلامه المتأني، نقيضاً تاما لأيديولوجيين مهووسين مثل اوليفر نورث أو وليام كيسي. لكنه عمل مع نورث أواسط الثمانينات في البرنامج المعادي للقذافي وأيضاً في عملية "ايران - كونترا". وكان مدير "سي آي أي" كيسي معجباً باستعداد نورث للتحايل على القواعد والقيام بأي مهمة، لكن كان له ما يكفي من الحس السياسي ليدرك أن نورث قد يكون خطراً. وهناك من يرى ان ادخال شخصيات متزنة مرموقة من "سي آي أي" مثل كانيسترارو الى مجلس الأمن الوطني جاء لموازنة أشخاص مثل نورث. تقاعد كانيسترارو عن العمل في "سي آي أي" في أيلول سبتمبر 1990، بعدما قضى السنتين الأخيرتين هناك قائداً لقسم العمليات والتحليل في مركز مكافحة الارهاب. وتزامن تقاعده مع سيل من التقارير الاعلامية التي زعمت للمرة الأولى أن هناك براهين قاطعة على تورط ليبيا في تفجير لوكربي. وجاء أول تقرير من هذا النوع في مجلة "اكسبرس" الفرنسية، التي كشفت عن العثور بين الحطام على بقايا دائرة اتصال كهربائية، وان الدائرة جزء من جهاز توقيت مماثل، حسب الزعم، لتلك التي صودرت من عملاء ليبيين في السنغال في شباط فبراير 1988. بعد أسابيع قليلة ظهر كانيسترارو الى العلن للمرة الأولى. وقال في كلمة للصحافيين أثناء حفلة غداء دعا اليها "المركز القومي للمعلومات الاستراتيجية" المحافظ أن ايران أمرت بتفجير طائرة "بان آم" انتقاماً لاسقاط السفينة الحربية الأميركية "فينسينس" طائرة الركاب الايرانية. ونشرت "واشنطن تايمز" التصريح في صدر صفحتها الأولى تحت عنوان "مسؤول سابق في "سي آي أي" يقول ان ايران أمرت بتفجير الرحلة 103 بدافع الانتقام". ولاحظت الصحيفة ان كلام كانيسترارو كان "الأصرح حتى الآن من جانب مسؤول حالي أو سابق قريب من التحقيقات"، وأنه كان "خارجاً جداً عن المألوف إذ جاء من مسؤول استخباراتي كبير بهذه السرعة بعد تقاعده". ولم يشر كانيسترارو الى ليبيا في هذا اللقاء لكنه لمح الى ان ايران قد لا تكون تحركت لوحدها: "أنا متأكد ان حكومة ايران كَلّفت من يقوم بالعملية". وأضاف: "هذا لا يعني ان الحكومة الايرانية قامت بالتنفيذ. فقد يكون هذا خطوة مختلفة، وهي قضية لا اريد الدخول فيها الآن". لم تهتم الصحف الأخرى بتعليق كانيسترارو على قضية لوكربي واختارت بدل ذلك التركيز على نقده الصريح خلال الكلمة نفسها لسياسة الولاياتالمتحدة ضد الارهاب. وشكا من أن وزارة الخارجية الأميركية "خففت دوماً" من تقارير "سي آي أي" عن دعم العراق الارهاب، ووصف حذف العراق من قائمة الدول الراعية للارهاب أوائل الثمانينات بأنه "غلطة مخيفة". وجاء تصريح كانيسترارو بعد أقل من اربعة شهور على غزو العراق للكويت، أي في الوقت الذي كان العراق الشغل الشاغل للكل. مع ذلك، حذر المسؤول السابق من محاولة اميركا التقارب مع سورية، العدو اللدود للعراق، لأن سورية بدورها كانت وراء بعض اعمال الارهاب "بالغة البشاعة". خلال السنين التالية استمر الاعلام في نقل آراء كانيسترارو عن "سي آي أي" والارهاب وأيضاً، وهو الأهم، عن لوكربي. وكان دائم التركي على نفي مزاعم تورط وكالات حكومية أميركية في الكارثة. وإذ لم يكن للمراسلين ان يعطوا اهمية كبيرة لتأكيدات الحكومة في هذا المجال، فإن احتمال قبولهم بها عندما تأتي من فنسنت كانيسترارو، الرجل الذي يجرؤ على اعلان آرائه المعارضة، أكبر بكثير. بعد اقل اسبوع على كلمته في حفلة الغداء، بدأ كانيسترارو يتناول البعد الليبي المتزايد الظهور في تفجير لوكربي. وفي 14 كانون الأول ديسمبر نشرت صحيفة "اندبندنت" على صفحتها الأولى تقريراً بعنوان "تحميل ليبيا مسؤولية لوكربي". ونقل التقرير عن "مصدر استخباراتي كبير" لم تسمه اكتشاف "برهان قاطع" على ان ليبيا كانت وراء التفجير. وكررت الصحيفة التركيز على بقايا جهاز التوقيت وكشفت للمرة الأولى ربطه، والأجهزة المماثلة التي عثر عليها في داكار، ب"شركة سويسرية واحدة" لم تسمها. وفي 19 من الشهر نفسه تابعت "اندبندنت" القصة في تقرير بعنوان "قنبلة لوكربي حملت بصمات ليبيا"، كشف فيه كانيسترارو أن الاشتباه بليبيا بدأ قبل شهور، وأن فحصاً بريطانياً لبقايا جهاز التوقيت أبرز أدلة فعلية على ذلك. وقالت ان كانيسترارو لفت الى أن هذه التطورات جاءت بعد مغادرته التحقيق وانه ليس على معرفة مباشرة بالبعد الليبي. الا ان هذا التأكيد يتناقض مع كتاب ديفيد ليبارد "اقتفاء أثر الارهاب" الذي أعدّه خلال الفترة نفسها تقريباً. اذ وصف الفصل الأخيرة من الكتاب، الذي يخلو الى حد كبير من نظرة نقدية الى التحقيقات في قضية لوكربي، واستقاه المؤلف من مصادر استخباراتية سخية بالمعلومات، كيفية اكتشاف الصلة الليبية صيف 1990. وأورد ليبارد ان تحليل بقايا الدائرة الكهربائية الذي قام به خبير الفحوص الدكتور توماس هيز ربطها بشركة "ميبو" السويسرية. وذكر ان كانيسترارو أبلغ شرطة اسكتلندا ان المحللين التابعين له مقتنعون بتشابه الجهاز مع اجهزة التوقيت التي صودرت في السنغال. وأضاف ليبارد أن كانيسترارو نفسه اعتقد في شكل أولي أن الشخصين اللذين اعتقلا في السنغال مع الاجهزة كانا عميلين ليبيين. لكن اذا صح هذا لماذا قالت "اندبندنت" اولاً ان كانيسترارو لا يملك معلومات مباشرة عن العلاقة الليبية؟ لم ينتبه احد في وسائل الاعلام الى التناقض، واستمر المراسلون في قبول أقوال كانيسترارو من دون تمحيص. وكما ذكرنا فإنه اعلن في حزيران يونيو 1991 أن محققي لوكربي اعتقدوا ان ايران، بعد عملية "اوراق الخريف" الألمانية في تشرين الأول اكتوبر 1988، نقلت مهمة التفجير من "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" الى الليبيين. ونقل عنه قوله: "لا اعتقد ان في الامكان ادانة سورية بما فعله الليبيون". بعد شهور قليلة صدرت الاتهامات الرسمية بحق الشخصين الليبيين، ونطق جورج بوش بتعليقه الذي قال فيه ان سورية تعرضت "لاشتباه خاطىء"، وان وزارة الخارجية أوضحت ان لوكربي كانت "من أولها الى آخرها من تدبير الحكومة الليبية". وخلال أسبوع اطلق جميع الرهائن الغربيين من جانب محتجزيهم الخاضعين لسيطرة سورية، ما زاد الشكوك بأن هناك صفقة لتبرئة سورية وازالة آخر عائق امام اقامة النظام العالمي الجديد الذي أراده بوش. بعد أيام قابل بعض أقارب ضحايا لوكربي الأميركيين مسؤولين في وزارة الخارجية في واشنطن، وكان الهدف، في جزء منه، الضغط لفرض عقوبات على ليبيا، ولكن أيضاً للمطالبة بالكشف الكامل عن قصة الرحلة 103. وقالت تقارير صحافية لاحقاً ان كثيرين من أقارب الضحايا عبّروا عن الغضب لتبرئة سورية بتلك السهولة، وأن واحداً منهم على الأقل اتهم الرئيس بوش بالكذب. في اليوم التالي عاد كانيسترارو للهجوم على الادارة، واصفاً التبرئة الرسمية لسورية وايران بأنها "مثيرة لأشد الغضب". وعلى رغم ان تعليقه ناقض مقولته السابقة بعدم ادانة سورية في عمل قامت به ايران، فقد اظهره في الوقت نفسه مسانداً لأقارب الضحايا. نال كانيسترارو بالتأكيد اعجاب دانيال وسوزان كوهين، اللذين قُتلت ابنتهما ثيودورا في الكارثة. كان الزوجان الأعلى صوتاً من بين ذوي الضحايا في ادانة التعتيم الرسمي على التورط المزعوم لسورية وايران. لكنهما، مثل كانيسترارو، دانا بالمستوى نفسه من الشدة جميع الذين حاولوا تبرئة الليبيين ورجحوا ان المفجّرين استغلّوا عملية لتهريب المخدرات تحميها "سي آي أي". وكان دانيال وسوزان تعرّفا الى كانيسترارو واستلطفاه تماماً، واطلق عليه دانيال اسم "فيني الجاسوس". وقال ان "هيئته لا توحي بأنه كاتم اسرار، لأنه مولع بالمزاح والحديث، بل يمكن القول انه ثرثار. لكنك تدرك بعد قليل انه قال أقل بكثير مما كنت تعتقد". واكد لهما صحة نظرية كون الليبيين هم المتعهد الثانوي للقيام بالعملية، وان "سي آي أي" علمت بحفلة شمبانيا اقامها أحمد جبريل في مقره في دمشق بعد وقت قصير على الكارثة، وقال فيها مفتخراً: "لن يعرف الأميركيون أبداً كيف نفذناها". وأضاف كانيسترارو: "لم نعرف ما كان يقصد وقتها. لكننا نعرف الآن". المذهل ان كانيسترارو، رغم تنديده المتكرر بنظرية تورط "سي آي أي" في عملية "مخدرات مقابل رهائن"، كان يجهل جانباً مهماً من الفضيحة السابقة الأشهر، أي صفقة "ايران - كونترا" السرية .... وكان المؤلفان مؤلفا كتاب لوكربي الفضيحة الخفية خلال الأبحاث التي قاما بها للكتاب أرسلا الى كانيسترارو قائمة أسئلة عن دوره في برنامج الحكومة الأميركية ضد القذافي في الثمانينات ثم دوره في التحقيقات في لوكربي بعد ذلك. وكان بين الأسئلة: 1 المعلن انك شاركت في صوغ السياسات الهادفة الى اطاحة القذافي. اذا صح هذا هل ترى انك كنت الشخص المناسب لقيادة التحقيقات المفترض لها الحياد من جانب الوكالة في عملية ارهاب رئيسية لا بد ان تكون ليبيا على قائمة المشتبه بهم فيها؟ 2 أخبرتَ صحيفة "اندبندنت" 16 كانون الأول 1990 أن الأدلة التي ربطت ليبيا بالهجوم أي بقايا الدائرة الكهربائية اكتشفت بعد مغادرتك "سي آي أي". قلت أيضاً ان الاختراقات الكبيرة في القضية جاءت من المحققين على الأرض. كيف توفق هذا مع: أ قول توم ثيرمان أنه ربط البقايا بليبيا في حزيران 1990، قبل ثلاثة أشهر من مغادرتك التحقيقات؟ وب قول ديفيد ليبارد في كتابه "اقتفاء أثر الارهاب" وتعاونتَ معه أن قيادة التحقيق في لوكربي كانت عملياً في يد "سي آي أي"، وأنك اخبرت الشرطة الاسكتلندية صيف 1990 بأن خبراءك أشاروا الى تشابهات ممكنة بين البقايا واجهزة التوقيت المصادرة في السنغال؟ ... جواب كانيسترارو كان: "أكثر ما جاء في رسالتكم مبني على أسس خاطئة، وهو ما يبرز خطر أخذ ما تنشره وسائل الاعلام على علاّته واعتباره سجلاً تاريخياً. قصة "اندبندنت" كانت خاطئة لأن المحققين توصلوا الى الربط بين الدائرة الكهربائية في موقع لوكربي وليبيا قبل مغادرتي "سي آي أي" في تشرين الثاني نوفمبر 1990. كما ان كتاب ديفيد ليبارد خاطىء في الأساس. انا لم "اتعاون" مع ليبارد بل أجبت عن بعض الاسئلة، وكما حصل من قبل فقد حرّف في اجاباتي. ولي خبرة معكما في تحريف اجاباتي، ولذا فالظاهرة هذه معروفة لدي". وأضاف كانيسترارو: "عملت في مجلس الأمن القومي من 1984 الى 1986 وساهمت في سياسة المجلس التي اعتبرت القذافي خطراً على الولاياتالمتحدة. كنت من مديري قسم سياسات الاستخبارات في المجلس، لكن لم تكن لي مشاركة عملية في برنامج "سي آي أي" السري لاضعاف نظام القذافي. وكما يجب ان تعرفوا فان الأب الروحي لذلك البرنامج كان ريتشارد كلارك، المسؤول الأعلى الحالي في الحكومة الأميركية عن مكافحة الأرهاب. كان كلارك - عضو مجلس الأمن القومي الآن - في 1986 نائب رئيس هيئة الاستخبارات والأبحاث وهو كتب الاقتراحات الشهيرة للتضليل وبرنامج العمل السري ضد ليبيا. بعد قول هذا علي ان اضيف انني كنت بالتأكيد مؤيداً لقصف طرابلس في 1986، وان السياسات التي ساعدت على صوغها ساهمت في قرار الرئيس بقصف طرابلس". وأضاف: "عندما بدأ التحقيق في قضية "بان آم - 103"، ثم لفترة امتدت الى ما لا يقل عن 18 شهراً على ذلك، لم يكن هناك ما يدل الى تورط ليبيا في التفجير. هل تعتقدون انه كان عليّ وقتها التنبؤ بالمستقبل والابتعاد عن المراحل الأولى من التحقيق؟ وكما تعلمون فإن التهم الجنائية لضابطي الاستخبارات الليبيين جاءت من وزارة العدل بعد سنة من مغادرتي الحكومة. وجاءت التهم بناء على تحريات مكتب التحقيق الفيديرالي، ذراع الحكومة لتنفيذ القانون. أما "سي آي أي" فليست لها بالطبع صلاحية تنفيذية. التحقيقات الجنائية وقرارات الاتهام تعود الى وزارة العدل".