وافقت السلطة الوطنية الفلسطينية على مشروع اسرائىل - تينيت لوقف اطلاق النار. فعلت ذلك تحت وطأة الضغط المتصاعد عليها منذ عملية تل ابيب. تراجعت خطوة لتأمين حماية سياسية تمنع اسرائىل من رد شامل. غير ان الفخ اطبق عليها نتيجة اصطفاف اوروبي مع الاميركيين وامتناع عربي عن المساعدة. لا داعي للتذكير بأن اتفاق وقف النار هو واحد من مئات سبق لياسر عرفات ان تعاطى معها في حياته السياسية والعسكرية. وغالباً ما كان الامر بمثابة "وقت مستقطع" ينقضي سريعاً خصوصاً اذا اصطدم بموجبات ميدانية تجعل استمراره مستحيلاً. ولا داعي، ربما، للاشارة الى ان الوضع في الارض الفلسطينية المحتلة يحمل السمات كلها التي توحي بمواجهات مقبلة. ولعل الاصوات التي ارتفعت، على الجانب الفلسطيني، رافضة الاتفاق، ادركت ذلك فاكتفت بالرفض من دون التنديد. وساعدها سلوك السلطة على ذلك في موضوع الاعتقالات حين تحفظت عن اي مفعول رجعي وأصرت على اقامة توازن ما مع افعال المستوطنين. هذا الاتفاق محطة توصل الى لا مكان ولذا فهو سيفشل. لم يعد جزءاً من حل شامل وعادل ينال الفلسطينيون عبره الحد الادنى من حقوقهم وهي، بالتأكيد، اكثر مما عرضه عليهم رئىس الوزراء الاسرائىلي السابق ايهود باراك. وهو، ايضاً، ليس جزءاً من حل امني مترابط الحلقات يبدأ بوقف النار، ويمر بفترة تبريد، تمهيداً لاستئناف التعاون، واجراءات بناء الثقة، وصولاً الى الوقف الكامل للاستيطان وفق ما يطالب به تقرير ميتشل. ولنا في التقرير المذكور ما يفيد ان الهدوء ليس ممكناً من دون وقف الاستيطان والتعاون الامني ليس وارداً من دون مفاوضات سياسية جدية مفتوحة على افق تسوية معقولة. الاتفاق تقني الى حد بعيد ويرمي على الفلسطينيين مسؤوليات اكبر من تلك الملقاة على الاسرائىليين. لا بل يمكن القول انه مشروع اسرائىلي الى حد بعيد صيغ بلغة اميركية ولم يعد على الفلسطينيين سوى تحويله الى فرصة لالتقاط الانفاس من اجل اختيار المدخل الجديد للمواجهة وتأمين الاطار السياسي العربي والدولي الملائم لها. كل تقدير آخر خاطئ لأنه يفترض ان الفلسطينيين ألغوا المقاومة من طرف واحد، وارتضوا البقاء تحت احتلال ابدي، وألمحوا الى استعداد لقبول الحل الشاروني. ولا اساس، في الواقع، لمثل هذا التقدير لأن كل ما هو معروف عن الوضع الفلسطيني يؤكد العكس. لا يعني ذلك ان الفلسطينيين في احسن حال. ولا يعني ذلك ان اخطاء لم ترتكب من جانبهم بدءاً من التقصير في شرح ما جرى في المراحل الاخيرة من المفاوضات، وصولاً الى عسكرة مبالغ فيها للانتفاضة مروراً بتقصير ما في استنهاض الوضع العربي وهو تقصير يتحمل غيرهم المسؤولية الكبرى عنه. ولكن، على رغم ذلك، فإن ثبات وقف النار، بمعنى ثبات ضبط المقاومة، لا يقودهم الى حال احسن من التي يعيشونها اليوم. ولذلك لا خيار لهم، عملياً، سوى الاستمرار في نهج تعديل موازين القوى من اجل ايصال رسالة مؤداها ان لا حل عسكرياً للصراع وان القوة لن تفيد في كسر التصميم على نيل حقوق الحد الادنى. ان جولات جديدة من مقاومة الاحتلال تنتظر الفلسطينيين. وبما ان هناك من يطلق على سلوكهم اسم "حرب الاستقلال" فإن مقارنة تفرض نفسها بما يسمى "حرب استقلال" اسرائيل. ففي عام 1948 كانت الهدنات خير مساعد لاسرائىل على الانتصار!