رخصت وزارة الداخلية الجزائرية للمسيرة التي تنظمها اليوم في العاصمة "التاجماعت" التي تضم التنظيمات البربرية التقليدية. وفيما يتوقع أن تشهد المسيرة أكبر تجمع قبائلي لدعم مطالب البربر، عادت المواجهات إلى ولايات بجابة في منطقة القبائل وخنشلة وأم البواقي والمسيلة في الشرق. اندلعت أعمال العنف من جديد في ولاية بجاية 300 كلم شرق العاصمة الجزائرية، في أعقاب مسيرة سلمية نظمها عمال مؤسسة "ايجيو" الحكومية احتجاجاً على عدم تلقيهم رواتبهم منذ ثمانية أشهر. وأفادت مصادر محلية أن عشرات الشباب بادروا إلى قطع الطرقات بالمتاريس وحرق العجلات المطاطية لمنع قوات الأمن من التقدم نحوهم، ورشقوا قوات مكافحة الشغب بالحجارة مرددين شعارات مناوئة للحكم "أولاش السماح أولاش السماح" لن نتسامح معكم لن نتسامح، وأخرى تعبر عن وضعهم الاجتماعي وتدين "الحقرة" والاقصاء والبطالة. وقرر تجار الولاية اغلاق محلاتهم في مدينة بجاية والقرى المجاورة لها تضامناً مع العمال. وفي ولاية خنشلة 450 كلم شرق العاصمة، أفاد شهود أن مواجهات شديدة وقعت بين متظاهرين وقوات مكافحة الشغب، إثر قيام الشباب بتخريب عدد من المنشآت الحكومية في بلديات كل من نسيغة وبغاي وششار. وأفيد أن مقرات حكومية أحرقت مثل مقر البلدية ومصلحة الضرائب وبعض المصارف. وذكر الشهود أن اصابات سجلت في صفوف المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، خلال اشتباكات حصلت مباشرة بعد تحول تجمعات الشباب إلى مسيرة فرقتها قوات الأمن. وعلى رغم تدخل أعيان الولاية وتنقلهم بين أحياء هذه البلديات بمكبرات صوت دعوا خلالها إلى التعقل وتجنب أعمال التخريب، استمرت المواجهات من دون أن ينجح المسؤولون في وقفها. وكانت مصادر رسمية أعلنت صباحاً "عودة الحياة إلى مجاريها الطبيعية"، وذكرت أن الولاية "استعادت هدوءها المعهود واستؤنفت الحركة التجارية وباشرت المؤسسات العمومية عملها المعتاد وكان أعوان النظافة التابعون لحظيرة البلدية قاموا بتنظيف الساحات العمومية والشوارع وإزالة بقايا الحواجز والمتاريس التي نصبها الشباب المتظاهر". وفي خطوة جديدة لإنهاء التوتر، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني إقالة كل من رئيس أمن الولاية بسبب "تهاون خطير في تسيير الأحداث التي عرفتها المدينة". ولاحظت "غياب المبادرة والسرعة و النجاعة سواء في تقويم الوضع أو في التحقيق عقب وفاة مواطنة برصاصة وإصابة ابنتها بجروح". وكانت قوات الأمن بادرت مساء الثلثاء إلى إطلاق سراح المعتقلين من الشباب في هذه الأحداث، تنفيذاً لتعليمات أصدرها وزير الداخلية السيد يزيد زرهوني. وفي ولاية أم البواقي 450 كلم شرقاً، أفاد شهود أن مواجهات شديدة اندلعت بين شباب متظاهرين وقوات مكافحة الشغب في بلدية الضلعة التي تجمع شبابها أمام مداخل بعض الأحياء، قبل أن يهاجموا المنشآت الحكومية التي تعرضت غالبيتها إلى الحرق والتدمير. وفي حصيلة رسمية أفادت "وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية" أن مدينة عين فكرون 6 كلم شمال غربي مدينة أم البواقي شهدت "استئناف الحركة العادية للمواصلات، إذافتتحت السوق الأسبوعية واستأنفت كل المحلات التجارية نشاطها المعتاد وكذلك الشأن بالنسبة إلى المؤسسات العمومية التي فتحت أبوابها واستؤنفت كذلك امتحانات نهاية السنة الدراسية في ظروف جيدة". وكانت أحداث الشغب التي شهدتها هذه المدينة التي تقع عند مفترق طرق مهم يربط ولاية أم البواقي بولايات قسنطينة وخنشلة وتبسة سجلت قيام عدد من الشبان بإشعال النار في مراكز الضرائب المحلية وحرق وثائق وتجهيزات للإعلام الآلي تابعة لمؤسسة "سونلغاز" ورشق مقر البلدية بالحجارة، إضافة إلى تخريب واجهات المنشآت الحكومية الأخرى، "وأخمدت أعمال الشغب اثر تدخل أعيان المدينة ووجهائها والسلطات المحلية". وفي دائرة سيدي عيسى ولاية المسيلة 250 كلم جنوب شرقي العاصمة تفجرت الأوضاع عقب حركة احتجاجية من شباب المنطقة على وضعهم الاجتماعي سرعان ما تحولت حركة تخريب للمنشآت الحكومية التي تعرض الكثير منها إلى الحرق. وحطم المتظاهرون الإشارات الضوئية وعلامات المرور التي استعملت كمتاريس لغلق الطريق الوطني الرقم 8 بين ولاية الجزائر وولاية الشرق والجنوبالجزائري عبر محور المسيلة وبوسعادة. ولم ترد تفاصيل إضافية عن حصيلة المواجهات التي كانت لا تزال متواصلة حتى مساء أمس. وجاءت هذه المواجهات بعد يومين فقط من أحداث شغب عرفتها بلدة ديرة التابعة لدائرة سور الغزلان الحدودية بين ولايات البويرة والمسيلة. وفي تطور مرتبط بهذه الأحداث أعلن عضو مجلس الأمة والوزير السابق السيد عبدالحق برارحي، أمس، استقالته احتجاجاً على "أسلوب تعامل الحكومة مع سكان منطقة خنشلة" التي ينتمي إليها. وقال برارحي إن قراره جاء رداً على رفض البرلمان "تشكيل لجنة تحقيق ومساءلة الحكومة عن الأوضاع الخطيرة التي يعرفها عدد من مناطق البلاد"، ودان أسلوب الحكم الذي قال "إنه فضل ككل مرة انتهاج أسلوب القمع لمواجهة تطلعات المواطنين". وكان برارحي الذي يرأس تنظيم لجنة المواطنين من أجل الجمهورية قد منع الأسبوع المقبل من إجراء مسيرة سلمية بالجزائر العاصمة. إلى ذلك، قررت وزارة الداخلية الترخيص لتنظيمات "التاجماعت" لتنظيم المسيرة الوطنية التي كانت دعت إليها قبل أسابيع. وجاء في بيان للداخلية: "أخطرت مجموعة من الأشخاص وزارة الداخلية بشأن تنظيم مسيرة بالجزائر العاصمة يوم الخميس 14 حزيران يونيو 2001. وخلال هذه الاتصالات تم تذكير منظمي هذه التظاهرة على وجه الخصوص بمسؤولياتهم عن السير الحسن للمسيرة وضرورة الحرص على احترام النظام العام، وكذا المسلك المحدد من ساحة أول ماي إلى ساحة الشهداء". وكانت التنظيمات التقليدية البربرية التي تضم ممثلي أعيان الأعراش والقرى والمداشر أعلنت عن تنظيم المسيرة نحو رئاسة الجمهورية. وهددت بعدم العودة إلى منطقة القبائل في حال عدم استجابة مطالبها ال14، والتي بينها إبعاد الدرك من المنطقة ووضع قانون خاص ب"شهداء منطقة القبائل وضحايا المواجهات". وأفاد شهود أن عشرات الشباب القبائلي وصل إلى الجزائر مساء الثلثاء وطوال نهار أمس لتفادي الحواجز التي قد تضعها قوات الأمن اليوم لمنع التوافد من منطقة القبائل إلى العاصمة. وأعلنت تنظيمات سياسية عدة، من بينها التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية والحركة الديموقراطية الاجتماعية ولجنة المواطنين للدفاع عن الجمهورية مشاركتها في مسيرة اليوم.