تثير عودة التنظيمات التقليدية البربرية "التاجماعت" إلى الساحة السياسية كمرجعية أساسية لإدارة الحركة الاحتجاجية للشباب البربري تساؤلات كثيرة في ظل تصاعد محاولات "الاستقطاب" من القوى الحزبية البربرية التي تقلص نفوذها خلال الأحداث التي شهدتها منطقة القبائل، حتى أن مقرات لها تعرضت للحرق والتخريب على أيدي الشبان المتظاهرين. وفيما تحاول التنسيقيات الولائية في بجاية وتيزي وزو، تصدر قيادة الحركة البربرية، برز دور فاعل ل"التاجماعت"، خصوصاً لجهة التركيز على التظاهر السلمي والابتعاد عن العنف. وتجد الحكومة صعوبة كبيرة في التفاوض مع تنظيمات "التاجماعت" لأسباب عدة، أبرزها أنه في كل قرية يوجد تنظيم "التاجماعت" التي لم تتفق على مفاوض واحد من شأنه التعبير باستقلالية عن أفكار عن التنظيمات والالتزام باسمهم. و"التاجماعت" تعبير عن تنظيم اجتماعي رمزي في كل قرية من قرى منطقة القبائل، مما يجعل من الصعب اعتبارها جسماً واحداً ينطق بصوت واحد. على رغم ذلك، رفض أعيان هذه التنظيمات، منذ بدء أحداث القبائل، أي تدخل للمنتخبين المحليين، مهما كانت انتماءاتهم السياسية، وأنصار القوى السياسية المحلية، وذلك بهدف المحافظة على دورها التقليدي. ينتخب رئيس "التاجماعت" على أساس نفوذه المحلي ومستواه التعليمي وإمكاناته المالية، وتعقد "التاجماعت" لقاءاتها سنوياً في فصل الصيف، أي أثناء العطلة، حيث يلتقي سكان العاصمة والمغتربين الذين يتحدرون من هذه المناطق مع أقربائهم إلى مأدبة كبيرة تعرف باسم "الزردة" أو "التويزة" تمجيداً للإمام الروحي للمنطقة، علماً أن لكل منطقة شخصية تعرف باسم الوالي الصالح. ويعتبر السيد حسين آيت أحمد، زعيم جبهة القوى الاشتراكية المعارض، بين الشخصيات البربرية التي لها سلطة دينية رمزية تعرف باسم "المرابطين"، إذ أنه على صلة قرابة من أحد الأولياء الصالحين في المنطقة، فهو حفيد الشيخ محند الحوسين، الولي الصالح في منطقة عين الحمام. وربما شكلت هذه القرية لزيادة النفوذ السياسي لزعيم القوى الاشتراكية في منطقة القبائل. وكان لتنظيمات "التاجماعت" دور كبير في إدارة شؤون البربر خلال الاستعمار الفرنسي، لكن هذا الدور تقلص مع ارساء الحكومة الجزائرية أجهزتها الإدارية مع الاستقلال العام 1962، لكنه يعود إلى البروز مع تعقد الوضع الاجتماعي، خصوصاً في المناطق النائية. وخلال المواجهات بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب أخيراً، لم تجد الحكومة من مفاوض محلي إلا هذه التنظيمات التي لعبت دوراً أساسياً في تحويل المواجهات وأعمال التخريب حركة احتجاجية سلمية جابت شوارع المنطقة والعاصمة، وهو الاسلوب الذي تلقفته الأحزاب للتفاوض مع الحكومة باسم مطالب سكان المنطقة. لكن ثمة علامات استفهام كبيرة تطرحها قيادة جبهة القوى الاشتراكية عن الجهات التي دفعت بالتنظيمات التقليدية للبربر إلى إدارة الحركة الاحتجاجية. وتتهم الجبهة أوساط الرئاسة، خصوصاً مسؤول خلية الأزمة السيد رشيد عيسات بكونه المدبر الأساسي لهذه التنظيمات، بهدف اقصاء الأحزاب عن التداول في شؤون قضايا البربر. وفضل الحزبان البربريان في المنطقة، جبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، البحث عن طرق جديدة لاستقطاب هذه التنظيمات التي نجحت في شحذ الرأي العام البربري. وفيما لجأت الجبهة إلى شيوخ هذه التنظيمات وأعيانها لتمرير بعض أفكارها ومطالبها، عمد التجمع إلى الاستفادة من رجال المال وأصحاب المستوى الثقافي العالي.