اتسعت دائرة المواجهات في منطقة القبائل الجزائرية أمس لليوم الثالث بين قوات الشرطة ومتظاهرين معظمهم من الشباب البربر. وقتل خلال الأيام الثلاثة الماضية 37 شخصاً وأصيب أكثر من 600 آخرين بجروح. وكانت آخر حصيلة لضحايا يوم أمس فقط وحتى وقت متقدم من الليل، 21 قتيلاً و300 جريح. فيما بدا ان الحكومة والمعارضة فشلتا في تهدئة الوضع في المنطقة. قتل ثلاثون شاباً بينهم رضيع وأصيب أكثر من 600 آخرين غالبيتهم من قوات مكافحة الشغب في حصيلة جديدة للأيام الثلاثة الماضية بعد المواجهات التي استمرت أمس بين الشباب البربري وقوات الأمن في مناطق متفرقة داخل خمس ولايات أساسية ينتشر فيها البربر بكثافة. ولم تعلن رئاسة الجمهورية موقفها في شأن مطالب الشباب البربري. وأفيد من ولايات البربر أن رضيعاً توفي اختناقاً إثر انتشار الغازات المسيلة للدموع التي ألقتها قوات الأمن على المتظاهرين، مساء الجمعة. وأفادت شهادات متطابقة أن الحركة الاحتجاجية والمواجهات الشديدة توسعت أمس لتشمل مناطق أخرى في بعض الولايات التي لم تشهد حوادث عنف من قبل. وذكر بيان لوزارة الداخلية مساء الجمعة، أن عدد القتلى حتى مساء الجمعة بلغ 15 قتيلاً من الشباب الغاضب وجرح أكثر من 284 عنصراً من قوات الأمن أصيبوا خلال المواجهات. وقدرت مصادر شبه رسمية الخسائر في الأملاك الحكومية بأكثر من 300 بليون سنتيم في أحدث تقرير غير رسمي. وكانت الحكومة أكدت قبل سنتين أن خسائر الاضطرابات العنيفة التي جرت سنة 1998 بلغت مائتي بليون سنتيم. وعلى رغم قرار جبهة القوى الاشتراكية حزب بربري تأجيل التظاهرتين اللتين كانت دعت إلى تنظيمهما أمس في كل من تيزى وزو و بجاية لكن المتظاهرين فضلوا الخروج إلى الشارع في المسيرة التي سرعان ما تحولت إلى صدامات مع قوات مكافحة الشغب في عدد من الولايات. وعلمت "الحياة"، في اتصالات هاتفية أجرتها بعدد من الولايات، أن أعمال العنف والتخريب اشتدت أمس وخلفت المزيد من القتلى والجرحى. ففي ولاية بجاية تجمع عشرات الألاف من المتظاهرين الذين توافدوا من مختلف مناطق الولاية وقراها وسط شارع أول نوفمبر وسط المدينة في مسيرة سلمية سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة بعد قيام بعض الشباب بحرق شاحنة أمام مقر الولاية حيث تدخلت قوات مكافحة الشغب للرد بعنف على المتظاهرين الذين ردوا بالحجارة. وعمد الكثير من الشباب الغاضب إلى استعمال قماش مبلل بالخل لتفادي التأثر بمفعول القنابل المسيلة للدموع التي كانت تنطلق بكثافة صوب المتظاهرين. تيزي وزو وفي ولاية تيزي وزو 100 كلم شرق تشابك مئات الشباب البربري مع قوات الأمن في مواجهات عنيفة في عدد من مناطق الولاية التي تحولت إلى ما يشبه مدينة في حرب بفعل تدمير الشباب لمختلف اللافتات والنوافذ ومقرات الهيئات الحكومية وبفعل السيارات والشاحنات التي أحرقها المتظاهرون. البويرة وفي ولاية البويرة 100 كلم شرق شهد مقر الولاية مواجهات عنيفة بين الشباب الذين خرجوا في مسيرات سلمية وقوات الأمن التي ردت بقوة مباشرة بعد لجوء الشباب إلى حرق الشاحنات والسيارات التي كانت متوقفة في المنطقة. وأفاد شهود أن المواجهات بين المتظاهرين والشباب اشتدت بعنف وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى من دون معرفة العدد وانتابت حال في الرعب سكان المدنية الذين تعودوا خلال الأيام الماضية على المسيرات السلمية التضامنية. سطيف وفي قرية بني ورتيلان بولاية سطيف 300 كلم شرق تجمع عشرات الشباب منذ الساعات الأولى من الصباح وانهالوا بالحجارة على المباني الحكومية التي دمرت بعضها قبل أن تطلق قوات الأمن النار على المتظاهرين لتقتل شاباً وتصيب عدداً كبيراً بجروح. وفي العاصمة، وعلى الرغم من إلغاء المسيرات الاحتجاجية التي كانت مقررة خشية من أن "تستغلها أوساط في الحكم لترتكب مجزرة في حق المتظاهرين"، إلا أن عشرات الشباب تجمعوا أمام ملحقات جامعة الجزائر في كل من بوزريعة وبن عكنون تضامناً مع الشباب البربري لكن قوات الأمن بادرت بقوة إلى منع المتظاهرين بشدة وفرقتهم رغم محاولات بعض هؤلاء الخروج من الجامعة إلى الشارع. جيجل ووهران وفي ولاية جيجل 360 كلم شرق تظاهر سكان مدينة زيامة منصورية الساحلية احتجاجا على سياسة الحكومة في قمع المتظاهرين البربر وتأييدا لمطالب الحركة البربرية في ترقية اللغة الأمازيغية إلى لغة وطنية ودستورية. وفي مدينة وهران 450 كلم غرب تظاهر، الجمعة، عشرات المؤيدين للقضية البربرية أمام إحدى الساحات قبل رفع شعارات تدين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وتفرق المتظاهرون مباشرة بعد وقوفهم أمام قنصلية المملكة المغربية. مطالب البربر وفي خطوة لتهدئة الوضع دعت المحافظة السامية للأمازيغية هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى "إعتماد مسعى سياسي شجاع تجاه قضية الهوية التى تقع فى صميم الأزمة المتعددة الأبعاد التى تمر بها البلاد" من خلال اعتماد اللغة الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب العربية. وأبدى رئيس المحافظة السامية للأمازيغية أسفه "لغياب مبادرات مسؤولة" مشيراً إلى ضرورة "التكفل بالطابع العاجل" للمطالب التي رفعها الشباب البربري بضرورة اعتماد الامازيغية ووضع حد للتهميش الذي تعانيه المنطقة منذ الإستقلال. لكنها دانت في مقابل ذلك اللجوء إلى العنف وأعمال التخريب لفرض هذه المطالب. تحقيق برلماني وأثارت التطورات التي شهدتها منطقة القبائل، يومي الخميس والجمعة، مخاوف أن تكون هذه الأحداث من تدبير جهات رسمية. وطالب مسؤول سابق في الحكومة رئيس البرلمان الجزائري بفتح تحقيق لمعرفة الجهات المتورطة في "الحوادث المأسوية" التي تشهدها منطقة القبائل منذ أيام. وقال السيد عبدالحق برارحي عضو الثلث الرئاسي في مجلس الامة أنه أبلغ رئيس البرلمان طلباً رسمياً في هذا الشأن مشيراً إلى أنه "رغم خطورة الأحداث فإن لا المسؤولين في الدولة لم يتخذوا اي إجراء" وزاد: "يتوجب على البرلمان أن يفتح نقاشاً عاجلاً لتدراك الوضع الخطير الذي تشهده المنطقة". خصوصاً وأن هذه الاضطرابات قد تستغل من المتشددين في كل جانب" البربر والإسلاميين". وتردد لدى أوساط قريبة من الحكومة أنه يجري التفكير بجدية لإيجاد حال دائم للمطالب الثقافية البربرية والتي ظلت تؤدي في كل مرة إلى خسائر مالية كبيرة وتهدد بشدة في ضرب "الوحدة الوطنية" رغم تنوع وسائل الحكومة في التعامل مع البربر بين الترغيب والتهديد.