سواء ثبت وقف اطلاق النار أو سقط فهناك حرب على الفلسطينيين، وكما "الكفر ملّة واحدة" كذلك دناءة حكومة آرييل شارون وأنصارها من اليهود الاميركيين. وأترك اليوم وقف اطلاق النار لأتابع الحرب الأخرى، فالسفاح شارون وهو قاتل مدان وكذاب محترف، قال عن السيد ياسر عرفات انه "قاتل وكذاب"، وتبعه وزير الدفاع بنيامين بن أليعازر فقال ان ابو عمار "أكمل دوره التاريخي". وبما ان هناك توارد خواطر ومصادر، فإن ادوارد لوتفاك، في "لوس انجليس تايمز" كتب في الوقت نفسه تقريباً مقالاً عنوانه: "مع السلامة عرفات، وداعاً". لوتفاك، وهو يهودي اميركي ليكودي النفس وباحث كبير في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، ذكرني بقول زبغنيو بريجنسكي عندما كان مستشاراً للأمن القومي: "باي باي منظمة التحرير". بريجنسكي ذهب وسيذهب شارون ولوتفاك، وسيذهب أبو عمار معهم، غير ان القضية باقية ما بقي الشعب الفلسطيني. ويستطيع لوتفاك أن يتمنى، ولكن الشيء الوحيد الأكيد اليوم هو أن شارون قاتل يجب أن يحاكم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. النقطة الأهم في ما سبق هي أن شارون وبن أليعازر ورئيس الأركان شاؤول موفاز وغيرهم، يعدون أجواء تبرر اجتياح الأراضي الفلسطينية وطرد أبو عمار أو قتله، وسحق الفلسطينيين. وشخصياً، أعتبر كل من يدافع عن الحكومة الاسرائيلية اليوم شريكاً في الجريمة، ومتهماً بإبادة الجنس، تماماً مثل شارون وبقية عصابته. إذا ذهب شارون فهناك بنيامين نتانياهو الذي يتآمر كل يوم للعودة رئيساً للوزراء. وهو كتب مقالاً في "لوس انجليس تايمز" قبل يومين، خلاصته أنه جاء الى الحكم سنة 1996 وترك اسرائيل "هادئة" بعد ثلاث سنوات. وخلاصة المقال رأيه "يقال انه لا يمكن وقف الارهاب الفلسطيني، وان لا حل عسكرياً للنزاع الدائر. أنا أخالف هذا الرأي بقوة، فالارهاب الفلسطيني يمكن وقفه اذا استردت اسرائيل قوة الردع واستعملتها وقت الحاجة...". وأولاً، فالارهاب الاسرائيلي، وثانياً فاسرائيل لم تكن هادئة، بل خسر عسكرها في يوم واحد، خلال مواجهة النفق بمحاذاة الحرم الشريف، ما لم يخسروا مثله من قبل أو بعد، وثالثاً، فهو اشترى "رأسه" بتوقيع اتفاق الخليل، ورابعاً، فاسرائيل ملكت دائماً قوة هائلة في مقابل حجارة الفلسطينيين، إلا أنها لن تخضعهم بالقوة المسلحة مهما حاولت. نتانياهو كتب مقالاً بالمعنى نفسه في "معاريف"، وقال ان اسرائيل أوقفت الارهاب من مصر والاردن بالوسائل العسكرية، وانه خلال سنواته في رئاسة الوزارة، أوقف "الارهاب" الفلسطيني بعد أن اقتنع ياسر عرفات بأنه مستعد لاستخدام القوة العسكرية للجيش الاسرائيلي، وان وزراءه يؤيدونه. القارئ العربي لا يحتاج الى ان يسمع رداً مني على نتانياهو، فهو متطرف عنصري آخر، هدفه الوحيد العودة الى الحكم لاستئناف جرائمه، فأكمل بقراءات اخرى. وليام سافاير كاتب يهودي اميركي ليكودي النفس، لا أعرف سبب بقائه في جريدة محترمة مثل "نيويورك تايمز"، وكنت توقفت عن قراءة ما يكتب قبل سنوات، بسبب حقارة مواقفه، وسجلت ذلك في هذه الزاوية، غير ان هذا لم يمنعني أن أقرأ عنوان مقال له هو "ترسانة صواريخ عرفات"، ولا أعرف اذا كان اتهم مصر بمساعدة الفلسطينيين، غير انني واثق من انه اتهم سورية وايران والعراق، وكل بلد يناسب اسرائيل أن يتهم، فأمثال سافاير صدى للسياسة الاسرائيلية المتطرفة، ومن أسباب اطالة المواجهة بتشجيع التطرف. على كل حال، ليس كل ما ينشر في حقارة ما سبق، وجيم هوغلاند الذي عرفته منذ كان مراسلاً لجريدة "واشنطن بوست" في بيروت في السبعينات، كتب مقالاً ذكياً يقول ان ياسر عرفات كان يربح عندما يخسر، كما حدث في الاردن ولبنان، الا انه هذه المرة سيخسر اذا خسر. ويرى هوغلاند ان ابو عمار خسر معركة الرأي العام، وهو كلام نصف صحيح، فالأوروبيون بدأوا يتحولون نحو الموقف الفلسطيني، كما رأينا في الأيام الأخيرة، بعد ان ثبت لهم كذب شارون المتواصل، وزعمه ضبط النفس، فيما هو يمارس الاغتيال السياسي كل يوم. وقد دفع أبو عمار ثمن استرضائهم بقبول وقف اطلاق النار كما طلبوا. في مقابل أبواق اسرائيل من اليهود الاميركيين العنصريين، هناك يوسي بيلين الذي كان دائماً أكثر اعتدالاً من أنصار اسرائيل في الولاياتالمتحدة. وهو رد على اسئلة من ناثان فاردلز، محرر صفحة الرأي في "لوس انجليس تايمز"، فقال انه اذا كان هدف شارون سحق عرفات فهذا سهل وخاطئ، لأنه لا يوجد زعيم للفلسطينيين غير عرفات. وتوقفت عند المقابلة لأن بيلين قال ان خطاب أبو عمار في دافوس كان كارثة، وهذا وصف معقول، غير ان بيلين أضاف بعد ذلك أن أبو عمار هاجم شمعون بيريز في خطابه، الواقع ان ابو عمار لم يفعل فهو قال عن بيريز مرة بعد مرة انه "شريكه" في طلب السلام، وقال عن اسحاق رابين الكلام نفسه، وركز حملته على ايهود باراك وحده، إذ يبدو انه كان مقتنعاً بأن فرصة السلام معه ضاعت، وانه سيخسر الانتخابات المقبلة. وقد سمعت الخطاب في القاعة ذلك اليوم، وهو مسجل. اليوم يبدو ان الكل سيخسر اذا استمرت حكومة السفاح شارون في محاولتها سحق الفلسطينيين بالقوة العسكرية، لأن وقف اطلاق النار لن يستمر.