نشرت جريدتنا هذه يوم السبت خبراً عنوانه: 8 دول من بين 15 في مجلس الأمن تؤيد طلب عضوية فلسطين، مصدره كان، وكتبته الزميلة رندة تقي الدين وقالت فيه إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال للرئيس باراك أوباما «إن أمله خاب في رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو لأنه كاذب ولا ثقة بما يقوله». يوم الأربعاء التالي كنت أراجع أخبار الجرائد الأميركية الكبرى على الإنترنت وقرأت في «لوس أنجليس تايمز» خبراً عنوانه «ساركوزي سُمع وهو يقول لأوباما إن نتانياهو كذاب»، وجاء في الخبر أن موقعاً إلكترونياً فرنسياً اسمه «ارى سير ايماج» كان أول من وزع الخبر يوم الاثنين. وتحمست للرد، دفاعاً عن السبق الصحافي الذي سجلته رندة، وأرسلت إلى الجريدة تعليقاً على الخبر قلت فيه إن زميلتنا سبقت الموقع بيومين وصحف العالم بأربعة أيام مع أن السبق الصحافي يحسب عادة بالدقيقة والساعة. وللقارئ أقول إن رندة صديقة عزيزة أعرفها من أيام الثانوية في الكلية الفرنسية القريبة من بيتي في رأس بيروت، مع أنني أكبرها بعقود. غير أن النهار لم يمض حتى كنت أدرك أنني لن أستطيع تصحيح صحف العالم كافة، فالجرائد الإنكليزية اللغة التي أقرأها كل يوم نقلت الخبر، وأختار بعض العناوين: - ساركوزي يقول إن نتانياهو كذاب والميكروفون مفتوح - أوباما وساركوزي محرجان بعد زلة لسان عن نتانياهو - ساركو: لا أستطيع تحمل نتانياهو. إنه كذاب. أوباما: أنت قرفان منه، غير أنني مضطر للتعامل معه كل يوم - أوباما وساركو يضبطان وهما يهاجمان صديقاً وحليفاً - كذابون، وكذابون ملعونون، ونتانياهو. زلة لسان مؤسفة لساركوزي. العنوان الاخير كان في «الاندبندنت» التي نشرت صورة للرئيسين الأميركي والفرنسي، وكل منهما يبدي رأيه في نتانياهو غير مدرك أن الميكروفون مفتوح. وجريدة «الديلي ميرور» نشرت صورة أخرى للرئيسين وكل منهما يبدي رأيه في نتانياهو تحت عنوان يقول: «هذا ليس ديبلوماسية يا سادة». لوبي إسرائيل في أميركا والجمهوريون المتطرفون الذين يخدمون إسرائيل لا بلادهم اعتبروا كلمات أوباما المحدودة جداً والمتحفظة دليلاً على أنه لا يحب إسرائيل، ولا أدري إذا كان هناك أحد في العالم يحبها. أحاول أن أرفع الحرج عن الرئيسين الأميركي والفرنسي وأقول إن بنيامين نتانياهو لا يكذب فقط، فربما كان الكذب أهون عيوبه لأنه مفضوح ولا يخدع أحداً، وإنما هو مجرم حرب، عدو السلام والإنسانية، ومستوطن حقير يكفيه عاراً أنه يرأس حزب ليكود الذي لم يتحمل مجرم الحرب الآخر أرييل شارون تطرفه فتركه ليؤسس كديما. أزعم أن نتانياهو مسؤول وحده، أو قبل أي فدائي فلسطيني أو إرهابي إسرائيلي، عن دماء جميع اليهود والفلسطينيين الذين قتلوا من 1996 عندما رأس حكومته الأولى وحتى اليوم، فهو في السنوات تلك، وتحديداً عندما كان رئيس الوزراء حتى 1999 عطل جهود بيل كلينتون في ولايته الثانية، فلم يخسر نتانياهو الانتخابات الإسرائيلية حتى كان الوقت المتبقي لا يسمح بإكمال عملية السلام. ولعل من القراء من يذكر اتفاق الأطر الذي وافق عليه أبو عمار في اللحظة الأخيرة، وقبل أسبوعين فقط من ترك كلينتون البيت الأبيض ليخلفه جورج بوش الابن الأحمق الجاهل الذي ترك السياسة الخارجية لمتطرفين من المحافظين الجدد والليكوديين، وأزيد أن نتانياهو يلعب اليوم الدور المجرم نفسه الذي لعبه في التسعينات لتدمير السلام. ختاماً، أقول إن كلام الرئيس ساركوزي أهم كثيراً من حملتي على نتانياهو، فهو في الواقع قال عن رئيس وزراء إسرائيل كلمة أساسية واحدة هي كذاب، وهو ما سجلت في زاويتي هذه مرة بعد مرة. غير أن الرئيس ساركوزي خدع طويلاً بمجرم الحرب الإسرائيلي، وحاول أن يساعده ويروج له، ثم اكتشف بنفسه مدى حقارة الرجل فقال الحقيقة، والرجوع عن الخطأ فضيلة. مبروك لرندة تقي الدين ول «الحياة» السبق الصحافي على صحف العالم. [email protected]