أبدأ بآرييل شارون، وأعد القارئ بأن أكمل بغيره. فقد أصر زميل على أن أقرأ مقالين عنه كتبهما الصحافي الأميركي الليكودي الميول وليام سافاير. فالزميل يعرف انني كنت قررت قبل سنوات أن أتوقف عن قراءة "ا. م. روزنتال" الذي طرد من "نيويورك تايمز" بعد ذلك، وسافاير الذي آمل أن يتبع روزنتال. حمل المقال عنوان "شارون الموحّد"، وفي حين انني واثق من أن سافاير يقول إنه سيوحد إسرائيل، فإنني أرجو ان يتحد العرب في وجه تطرف مجرم الحرب هذا. أما المقال الثاني فحمل عنوان "شارون الجديد"، وتوقفت بعد قراءة الفقرة الأولى منه. فهو وجد غريباً أن زعماء محافظين مثل تشرتشل وديغول ونكسون وآرييل شارون يقضون سنوات في التيه السياسي، ثم يدعوهم وطنهم الى العودة. شارون ليس مثل تشرتشل وديغول ونكسون قطعاً، ولكن الكاتب اليهودي الأميركي الموالي لإسرائيل لا يخجل من أن يضع مجرم حرب في مصاف قادة دول عظمى. وبالطبع فإسرائيل ليست وطناً كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لأنه مسروق من أهله الأصليين الذين لا يزالون موجودين، ويصرخون "حرامي...". على الأقل الصحافيون الأميركيون ليسوا كلهم سافاير وأمثاله، فقد كتب جيمس رون في "لوس انجليس تايمز" مقالاً عنوانه: "هل آرييل شارون ميلوشيفيتش إسرائيل؟". شارون يشبه ميلوشيفيتش، كما ان إسرائيل تشبه يوغوسلافيا. وأكمل بملاحظات متفرقة: عطفاً على ما بدأت به، هناك تقليد صحافي هو المقارنة بين زعيم وآخر، وهو تقليد يغري بالخطأ، وإذا كانت مقارنة سافاير بين شارون وتشرتشل وديغول ونكسون خطأ مقصوداً، فإن اكثر الخطأ ليس كذلك، وقد قرأنا مرة بعد مرة ان شارون من نوع يورغ هايدر، الزعيم النمسوي اليميني، إلا أن هذه المقارنة ظالمة، فهايدر ليس مجرم حرب ولم يقتل النساء والأطفال. أيضاً كنا سمعنا ان ميلوشيفيتش مثل صدام حسين، وهناك أوجه شبه حقيقية، إلا أن ثمة اختلافاً كبيراً بين الرجلين، ففي يوغوسلافيا بقيت هناك معارضة أطاحت الرئيس في النهاية، أما في العراق فالمعارضة مستحيلة ورموزها مطاردون في الخارج. قبل أسبوعين كتبت عن عادة انكليزية غريبة، هي ان كل انكليزي أو انكليزية، يعتقل في بلد اجنبي هو بريء لمجرد انه انكليزي. وأرى في هذه العادة شيئاً من إرث الاستعمار وغطرسته، فالإنكليزي يضبط وهو يحمل كيلوغرامين من الكوكايين في المطار في تايلاندا، وتهب الصحافة البريطانية للدفاع عنه والإصرار على براءته مع أن له سجلاً في تعاطي المخدرات في بلده. وكنت كتبت قبل أسبوعين عن هذه الظاهرة عندما انتصرت الصحافة البريطانية لإنكليزي وإنكليزية حكم عليهما بالسجن في الإمارات العربية المتحدة بعد أن ضبطا ومعهما مخدرات. واليوم القضية هي المملكة العربية السعودية، بعد اعتقال عدد من البريطانيين فيها بتهمة قتل انكليزي آخر وصنع الخمور. لا أقول إن البريطانيين في السعودية مذنبون حتى يصدر حكم عليهم، ولكن أسأل كيف عرفت الصحافة البريطانية انهم أبرياء؟ عادة ما يتبع الحكم على انكليزي في الخارج تحقيقات عن قسوة السجون الأجنبية وكأنه يفترض ان يسجن الإنكليزي في الهلتون. الصحافة البريطانية انتصرت أيضاً للإنكليزي جيمس مودسلي بعد سجنه في بورما حيث اعتقل بتهمة الاحتجاج على النظام العسكري فيها، وحكم عليه بالسجن 17 سنة، أمضى 14 شهراً منها في السجن ثم خرج ليستقبل استقبال الأبطال في بلاده. لماذا يتدخل شاب بريطاني في شؤون بلد بعيد؟ أشعر هنا أيضاً بأن وراء التدخل نوعاً من بقايا الغطرسة الاستعمارية القديمة. والإنكليز خربوا كل بلد كانوا فيه، فتركوا مشكلات في بورما وشبه القارة الهندية وأوغندا وقبرص وفلسطين وغيرها، والمطلوب ان يخففوا من تدخلهم، لا أن يواصلوه تحت غطاء إنساني. اختتم بشيء خفيف، فهناك قضايا من الشرق الى الغرب، ولكن ما هي قضية الإنكليزي فنسنت بيثل؟ قضيته العري، وقد ربح الشهر الماضي قضية في المحكمة العليا البريطانية التي اعتبرت ان من حقه العري في الأماكن العامة، وأنا أنتظر اليوم أن أراه في السوبر ماركت، أو إلى جانبي في السينما. والجنون فنون.