في حين تحمل الصحافة الإسرائيلية كل يوم على وزير الخارجية اريل شارون بسبب موقفه من النزاع في كوسوفو، ينهض وليام سافاير، وهو كاتب أميركي ليكودي النفس للدفاع عنه بشكل لئيم يظهر أنهما من طينة واحدة، فالأول يقتل المدنيين من قِبْية إلى صبرا وشاتيلا وحتى اليوم، والآخر يتستر على أفعاله فلا يرى فيه سوى "جنرال سابق مهيب المنظر". بدأ مقال سافاير في "نيويورك تايمز" قبل يومين بنقل كلام لشارون خلاصته "يجب إنهاء القتل والطرد في كوسوفو. إن عذاب الأبرياء غير مقبول ويجب وقفه فوراً، أو قبل ذلك، ويجب عودة الناس بأمان تحت حكم ذاتي كامل وخروج الجيش الصربي". سافاير يلمع صورة شارون وهو ذاهب لمقابلة وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت في واشنطن، إلا أن الصحف الإسرائيلية، في اليوم نفسه، واصلت الحملة على شارون بسبب موقفه من كوسوفو، وتبّرأ أكثر الإسرائيليين منه. روني شاكيد وأورلي ازولاي - كاتز كتبا في "يديعوت أخرونوت" الخميس ان شارون بلغ مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى في نيويورك أنه يعارض استقلال كوسوفو، ويخشى على المدى الطويل أن تتحد مع ألبانيا فتقوم قاعدة "للارهاب الإسلامي الاصولي". وزاد الكاتبان اللذان يبدوان أقل إسرائيلية من سافاير ان رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو سارع إلى ابداء تحفظ على موقف شارون، بعد أن أبدى الأميركيون غضباً عليه، وأضافا حرفياً "ان تصريحات شارون أثارت ضجة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وانتقد حزب إسرائيل الواحدة تصريحات وزير الخارجية وأشار موظفو العلاقات العامة في مكتب زعيم المعارضة ايهود باراك بأصبع الاتهام إلى نتانياهو... المشكلة ليست شارون وإنما نتانياهو الذي يرفض تحمل المسؤولية عن تصريحاته ويهملها". كان هذا الخميس، وأمس الجمعة ذكر راديو إسرائيل ان نتانياهو وشارون تحدثا على الهاتف مطولاً واتفقا على عدم اتخاذ موقف ازاء مستقبل كوسوفو. وإذا كان لنا ان نزيد إلى ما سبق رأياً محايداً، فقد نجده في جريدة "كريستيان ساينس مونيتور" التي قالت قبل يومين أيضاً ان مواقف السياسيين الإسرائيليين لم تكن واضحة، والحكومة الإسرائيلية رفضت تأييد القصف، ورفضت في الوقت نفسه إدانة حكومة سلوبودان ميلوشيفيتش. الواقع أن سفالة موقف شارون تخرج عن نطاق الفهم، حتى وصاحبها مجرم حرب معروف، فما يجري في كوسوفو هو تطهير عرقي كان يهود أوروبا أبرز ضحاياه، وقد شهد العالم كله القطارات والباصات تحمل اللاجئين من كوسوفو، كما شهد في السابق قطارات الموت النازية تنقل يهود أوروبا إلى المعتقلات. بل ان العالم هذه المرة سمع عن تلطيخ بيوت الألبان في كوسوفو باشارات تمهيداً لطردهم القسري، تماماً كما حدث لليهود في بيوتهم على أيدي النازيين قبل نصف قرن. والنتيجة ان الرأي العام الإسرائيلي ثار على حكومته وعلى شارون خصوصاً، وارسلت الحكومة تحت ضغط الرأي العام مستشفى ميدانياً يضم مئة سرير، كما أعلنت استعدادها لاستقبال مئة لاجئ كوسوفي مسلم. وأهم من هذا ان الإسرائيليين العاديين عبّروا عن رفضهم التطهير العرقي، فتظاهر ألوف منهم في ميدان اسحق رابين دفاعاً عن الألبان في كوسوفو. في مقابل وحشية موقف شارون، وإدانة الإسرائيليين له، يقدمه وليام سافاير كوزير خارجية "إنسان" آخر، ويمازحه، فعندما ينفي شارون نقل تكنولوجيا أميركية إلى أي بلد ثالث، مثل روسيا والصين، وهي تهمة ثابتة، لا ينتصر سافاير لموقف بلاده، وإنما يهاذر شارون رداً على نفيه فيخاطبه باسم الدلع قائلاً "تعال، يا اريل. هذا يبدو سيئاً". في اليوم التالي لهذه المداعبة أكدت الصحف الإسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية تحقق في تهم أميركية خلاصتها أن عالماً إسرائيلياً في شركة أميركية خبرته إطلاق الأقمار الفضائية حاول تسريب معلومات حساسة إلى شركات روسية. قبل سنتين كتبت في هذه الزاوية انني قررت أن أتوقف عن قراءة ما يكتب أ. م. روزنتال في "نيويورك تايمز" بسبب سفالة أفكاره المؤيدة لإسرائيل على حساب الحق والإنسانية ومصالح "بلاده" أميركا. وكنت بقيت أقرأ لسافاير بسبب مقالاته عن اللغة الانكليزية التي جذبتني إليه قبل سنوات. غير انني قررت بعد قراءة مقاله الأخير ان أضمه إلى روزنتال فأتوقف عن قراءة ما يكتب أيضاً، فأرتاح وأريح، وانتظر يوماً تفيق فيه "نيويورك تايمز"، وهي أهم جريدة عالمية، إلى أفكار هذين الكاتبين الليكوديين اللذين يسممان بأفكارهما جو السلام المرجو في الشرق الأوسط.