علمت "الحياة" من مصادر تركية ان انقرة قررت من جانب واحد خفض معدل ما تتركه من مياه نهر الفرات لسورية من 500 متر مكعب في الثانية الى 400 فقط، وذلك بحجّة موجة الجفاف التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين. ويأتي ذلك رغم موسم أمطار جيد شهدته تركيا هذا العام، ورغم ان الارقام الرسمية تشير الى ان بحيرات السدود التركية المُقامة على نهر الفرات تخزّن حالياً ما يزيد على 70 بليون متر مكعب من المياه، اي اكثر من ضعفي حجم وارد نهر الفرات السنوي والذي يُقدّر ب28 بليون متر مكعب. ومع ان انقرة تذرعت ب"موجة الجفاف" لخرق بروتوكول عام 1987 الذي وقعته مع دمشق، الا ان الدافع الحقيقي الى تقنين تركيا مياه الفرات واقتطاع مئة متر مكعب من حصة سورية والعراق، هو حالة العجز الكبير الذي يشهده قطاع الطاقة التركي، والذي يجعل تركيا تعتمد على سدود نهر الفرات والطاقة التي تولّدها اكثر من اي وقت مضى لسد هذا العجز. وكانت تركيا جدّدت منذ العام 1993 استراتيجيتها في مجال الطاقة بما وعدتها به واشنطن من بترول وغاز بحر قزوين من خلال انشاء مشروع "باكو جيهان" الذي لم يبدأ العمل به بعد ولا يبدو انه سيدخل حيّز التنفيذ قريباً. وانصاعت انقرة للتوجيهات الاميركية فقاطعت الغاز الايراني وعطّلت مشروع شراء الغاز من طهران الذي وضعه نجم الدين أربكان. ولأسباب سياسية ايضاً امتنعت تركيا عن شراء الغاز من العراق وسورية فأصبحت تعتمد على الغاز الروسي بشكل رئيسي، وهو يشكّل حالياً حوالى 70 في المئة من الغاز الذي تستورده. الا ان مؤشرات وزارة الطاقة أظهرت ان تركيا ستواجه عجزاً بمقدار 10 في المئة من احتياجاتها للطاقة خلال الشتاء المقبل، ما قد يؤدي الى عملية تقنين للكهرباء وقطعها طوال الشتاء لمدة اربع ساعات يومياً عن كبرى المحافظات التركية. لذلك تسعى انقرة الى زيادة اعتمادها على الطاقة التي تولّدها السدود على الفرات وتعمل لملء الفراغ الباقي خلف سدودها، والذي يصل مجموعه الى 20 بليون متر مكعب للحصول على الفائدة القصوى الممكنة من مياه السدود. ومن المعروف ان ثلث حجم المياه المخزونة في بحيرات السدود يعتبر حجماً ميتاً لا يولّد طاقة كهربائية لانخفاض مستواه. وكانت تركيا تركت ما معدله 2000 م/3ث من مياه الفرات الشتاء الماضي لسورية، وهي المياه الناتجة عن توليد الطاقة في تلك السدود، الا ان سورية والعراق لم يستفيدا من تلك الكميات لأنها توفرت لهما خلال الشتاء. فيما تخطط انقرة لتقنين مياه الفرات المتروكة صيفاً وتعويض ذلك شتاءً، فإن هذه السياسة حسبما يشير الخبراء تضرّ بمصالح سورية والعراق المائية والزراعية. يذكر ان تركيا ترفض توقيع اتفاقية دولية لتقاسم مياه الفرات ودجلة مع سورية والعراق، كما ترفض التنسيق معهما حول سياسات بناء السدود على النهرين.