بدأ السيد عمرو موسى عمله أميناً عاماً لجامعة الدول العربية الاربعاء الماضي، فدعا وزراء لجنة المتابعة العربية الخميس الى اجتماع. ووصلوا الى القاهرة الجمعة. وقرروا السبت وقف جميع الاتصالات مع اسرائيل. ثمة عبارة بالانكليزية تقول ما ترجمته بتصرف "داس الارض وهو يركض"، والمقصود انسان يعمل من دون توقف. وقد تذكرت العبارة وانا اتابع انتقال السيد موسى من وزارة الخارجية المصرية الى مقر الجامعة العربية. سألت الأمين العام عن الهدف من القرار العربي، فقال ان رئىس وزراء اسرائىل آرييل شارون يقول انه لن يفاوض حتى يتوقف العنف الفلسطيني، ونحن قلنا رداً عليه اننا لن نفاوض حتى يتوقف العنف الاسرائىلي ضد الفلسطينيين. السيد موسى حمل الى الجامعة العربية ثوابت السياسة المصرية معه. ولم يكن من قبيل المصادفة ان اول تصريح لوزير الخارجية المصري الجديد السيد احمد ماهر انتقد اسرائىل، وان اول اجراء للأمين العام الجديد كان ضد اسرائىل او في مواجهتها. وفي حين ان الاوضاع العربية محزنة، فقد وجدت السيد عمرو موسى ومعنوياته مرتفعة في شكل ظاهر. وهو قال انه جاء الى الجامعة متطلعاً لا يائساً. وكان يوم رأيته تلقى وشاح النيل من الرئىس مبارك وسمع منه كلاماً مشجعاً ودعماً جعلاه اكثر ثقة بامكان توجيه العمل العربي المشترك في الاتجاه الصحيح. السيد عمرو موسى يتحدث عن اعادة هيكلة جهاز الجامعة واحياء آليات العمل العربي المشترك. وهو يقول ان المهمة ممكنة وليست مستحيلة، ويتحدث عن مواضيع او ملفات عربية مهمة لم تطرق او تطرأ، مثل عرب المهجر، والمجتمعات المدنية العربية، ودور دول الجوار العربي، وغير ذلك. ومثلاً، فلا بد من ان ثمة طرقاً ممكنة للافادة من عرب المهجر وافادتهم، ومع هذا جعلهم كتلة واحدة فلا يهتم اللبناني بقضايا لبنانية فقط، والمصري بقضايا مصرية، وانما يهتم الجميع بقضايا مشتركة. وربما لا يمضي اسبوع حتى يعرض الأمين العام الجديد افكاره في شكل عام، فهو عرضها على الرئىس مبارك ووجد منه قبولاً ودعماً. وكذلك فعل الملك عبدالله وولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ورؤساء دول الخليج والمغرب العربي واليمن والسودان. وقال السيد موسى: "لقد وجدت تشجيعاً بالغاً منهم جميعاً، والمصلحة واحدة، والكل يريد ان تحيا الجامعة العربية. هناك نظام اقليمي سيقوم بنا او من دوننا، والقادة العرب يريدون ان يكون لنا دور وان يكون دوراً فاعلاً". وأعرب السيد موسى عن تقديره الكبير لثقة الرئىس مبارك به ودعمه له، كما شكر القادة العرب في قمة عمان على ما اعطوه من حرية الحركة في قراراتهم. هناك مشاريع عاجلة وأخرى طويلة الأمد غير انه قبل هذا كله هناك التصدي لمشروع شارون، فرئىس وزراء اسرائىل يعتقد ان الظرف الاقليمي والأوضاع الدولية والدعم الأميركي، تمكنه من سحق الفلسطينيين وفرض ارادته عليهم، قبل ان يتحول الى العرب الآخرين، بدءاً بمصر، فتفرض اسرائىل هيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على المنطقة الى اجيال قادمة. شارون يستطيع ان يحلم احلاماً مريضة، وان يستعمل شمعون بيريز كرجل علاقات عامة يحاول بالكذب والخداع ان يغطي على الممارسات الوحشية للحكومة الاسرائىلية. غير ان احلامه ستظل، كما هي احلاماً، طالما ان هناك ارادة عربية لمواجهة المشروع الاسرائىلي. والأمين العام الجديد للجامعة العربية يقول ببساطة: لا نقبل الاستسلام، ولا ننفض ايدينا من الانتفاضة. رأيت السيد عمرو موسى في مكتبه في مقر الجامعة، وهذا مثل العمل العربي المشترك، ينطوي على مظاهر عز غابر، ويحتاج الى تجديد، ثم رأيته في اليوم التالي. وبين هذا وذاك، تحدثت هاتفياً مع الصديق جبريل رجوب في رام الله لتهنئته بالسلامة من القذائف الاسرائيلية، ومع الصديق محمد دحلان في غزة لسؤاله عن آخر اخبار الحرب الاسرائىلية القذرة. وهاتفني الأخ احمد الطيبي عضو الكنيست، في موضوع منفصل. وقلت في كل اتصال انني في القاهرة، من دون ان اقول انني والسيد عمرو موسى على موعد، وطلب كل منهم ان اسلم له على الأمين العام الجديد الذي اعتبروه دائماً وزير خارجية كل العرب. في وزارة الخارجية المصرية كسب السيد عمرو موسى شعبية عربية عامة لأنه مارس سياسة قومية رسمها الرئيس مبارك. وهو سيحافظ على هذه الشعبية ويزيد عليها بدعم الحكم المصري له في عمله الجديد، وقد قال لي انه واثق من وجود هذا الدعم. والسيد عمرو موسى بحاجة الى دعم الدول العربية كلها له في عمله، فحديثي مع السيد الطيبي ذكرني مرة اخرى بالمواجهة الشرسة مع عدو لئيم يفيض احقاداً. كان السيد الطيبي قال من على منصة الكنيست ان رئيس الاركان شاؤول موفاز يقتل النساء والاطفال، فهجم عليه النواب اليمينيون لضربه او انزاله عن المنصة. وأصدر الكنيست بعد ذلك قانوناً عرف باسم "قانون الطيبي" يحرم من الترشح للكنيست كل من يؤيد الارهاب والارهابيين، اي انه محاولة لمنع امثال احمد الطيبي من العودة الى الكنيست. وأيد الرئىس موشي كاتساف وشارون موفاز، وقال وزير الدفاع بنيامين فؤاد بن اليعازر ان تصريحات الطيبي عن موفاز "جريمة ما بعدها جريمة". وهكذا فقتل النساء والاطفال ليس جريمة، ولكن الحديث عنه "جريمة ما بعدها جريمة". هذه هي الجريمة الاسرائىلية التي سيحاول الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية التصدي لها وفضحها، وهي مهمة لن ينجح فيها من دون دعم الدول العربية كلها لعمله.