في صيف 2012، نشر الباحث جايمس فلين نتائج دراسة تناولت مؤشر ذكاء البنات في سن 14-18، في 5 دول غربية. وفي 4 من هذه الدول، تقدمت البنات الشبانَ، وفاق مؤشر ذكائهن نظيره عند الذكور. وفي مجال قريب، هو التعليم الجامعي، يفوق عدد الطالبات عدد زملائهن الطلاب، فعند تخرجهن، تتقدم حظوظهن حظوظ المتخرجين في الحصول على عمل أو وظيفة، ويتصدرن إعالة الأسرة والإنفاق عليها. وبناء على هذه القرائن، لم تعد المساواة بين الجنسين هي المشكلة، ولم يفت الأمر بوريس جونسون، عمدة مدينة لندن، فقال إن «ساعة» المرأة أزفت أو هي قريبة. ويرى الأميركيون إن تفوق النساء على الرجال، ذكاءً وعملاً ودخلاً، قد يؤدي إلى إرساء العلاقات الاجتماعية على أسس جديدة. ولا يفتقر الأميركيون إلى تراث ذكوري. وثقافة «الكاوبوي» (راعي البقر) شاهد على هذا التراث. لكن المجتمع البريطاني أشد محافظة من مجتمع الولاياتالمتحدة، وسيطرة الأخلاق الفروسية عليه أوضح وأمتن. ويتوقع أن يلقى نظام المعايير والموازين الجديد مقاومة تحول دون الرضوخ له، وأن يسبب لدى الرجال تنازعاً وقلقاً جادّين، فلا يعرف الرجل أو المرأة على أي مثال يستقر (أو تستقر) وأي نهج ينهج. ويلاحظ أن البريطانيين والأميركيين، على حد سواء، يستقبلون الآتي «الأعظم» بالسخرية والمزاح، ولا سبيل لهم إلا الإقرار برجحان كفة المرأة في ميزان إعالة الأسرة، تألفت هذه من زوجين، أو من أب فرد أو أم، أو من «أم عازبة». وتعم المجتمعات الغنية ظاهرةُ زواج نساء مستوى تعليمهن يفوق مستوى تعليم الزوج أو القرين. ففي الولاياتالمتحدة، تبلغ هذه الزيجات 28 في المئة، نظير 19 في المئة للزيجات التي يفوق فيها مستوى تعليم الرجل مستوى تعليم النساء (إحصاء 2007). ويحاول الرجال، في اليابان وكوريا الجنوبية، التملص من هذا التفاوت، ويشترطون على وكالات التزويج اختيار زوجات لا يتفوقن عليهم. وتبحث الوكالات عن الزوجات المرغوبات في بلدان آسيوية فقيرة. ولاحظ دارس السكانيات الإسباني ألبيرت إستيف، أن شطراً من مواطنيه يتعاظم ميله إلى الزواج بامرأة مهاجرة من أميركا اللاتينية أو من شرق أوروبا، فالمرأة الكولومبية هي، في نظرهم، إسبانية تعود إلى ما قبل 50 سنة. ويغير انقلاب مراتب السلطة عاداتنا الظاهرة والخفية الحميمة. وبعض النساء، اللواتي يتمتعن بالاستقلال والكفاية الماليين، يعزفن عن الزواج، ويخترن العزوبية أو المساكنة. ومنذ اليوم، يشهد السكن الطالبي الجامعي مبادرة الطالبات الشابات إلى التعارف والمواعدة وإعلان الرأي في القرين المحتمل، تماماً على خلاف حالهن السابقة، وانتظارهن مبادرة الشبان. وقد ينتبه الرجال، في وقت قريب، إلى حاجتهم إلى الزواج. وقد يصيبهم الخوف أو الهلع إذا فاتهم قطار «العثور» على المرأة المناسبة، في السن المناسبة. ولن تعدم الحال أثراً في عمارة منزل السكن الزوجي، وهندسته الداخلية: فلا يبقى مبرر لانفراد الرجل بملاذه الخاص، أو مشغله ودوره السفلي ومرآبه، ويدعى إلى اتخاذ المطبخ موئلاً أو ديرة، و تجهيزه بآلات طهو، مناسبة مثل سكاكين «السوتشي» اليابانية. وحرص الذكور، في عهود سيطرتهم الطويلة، على احتساب موارد «إناثهم» في ثروتهم، التي وصفوها بالمشتركة، وأدرجوا هوية النساء في هوية الرجال. وعرّفت افتتاحية صحيفة «التايمز» اللندنية قبل قرن ونصف القرن تقريباً (1868)، الزواج فقالت إنه «سلطة من جهة، وانقياد من جهة أخرى». وسألت الصحيفة المحافظة: «إذا امتلكت الزوجة ثروة استطاعت التصرف بها، فما الذي يحول دون أن تذهب حيث تشاء، وأن تفعل ما يحلو لها؟». ولاحظت سيمون دي بوفوار، شأن فيرجينيا وولف قبلها، أن الرجال توسلوا زمناً مديداً بسلطتهم الاقتصادية إلى شراء الخدمة لنسائهم، ومراقبة التزامهن الواجبات الزوجية، ومنعهن من التعليم ومن الاضطلاع بدور في الحياة العامة. وسمت دي بوفوار هذه الحال «العَقْد»، ورأت أنه يعود على النساء بالفقر، على معاني اللفظة كلها. وهذا «العقد» يوشك أن ينهار. فاليوم 58 في المئة من الحائزين على شهادة جامعية في نهاية المرحلة الأولى من التعليم الجامعي هم من الجامعيات. وهن يبلغن نصف المتدربين في مكاتب المحاماة، و56 في المئة من طلاب الطب، وكن 25 في المئة من هؤلاء في ستينات القرن الماضي. وحين تزوجت ديانا الأمير تشارلز كانت في العشرين، ولم يرَ أحد أنها فتية جداً. وتزوجت كايت ميدلتون وهي في ال29، بعد أن سخر منها كثيرون ولقبوها ب «كايت المنقوعة». ومتوسط سن الإناث حين يتزوجن اليوم هو ال30 سنة، نظير 23 حين تزوجت ديانا. فهن لا يتعجلن أمرهن، ويقضين الوقت الذي يحتجنه لتأهيل أنفسهن والتمكن من مهنتهن ثم اختيار قرينهن. وكانت ديانا أقل تعليماً من زوجها، وأما دوقة كايمبردج، فقد تكون أول ملكة جامعية في تاريخ العرش البريطاني. وتسبق البنات الشبان في امتحانات نهاية المرحلة الثانوية منذ منتصف الثمانينات، ويتقدمن عليهم في جميع الفئات الاجتماعية. وحملتهن حبة منع الحمل على التفكر في مستقبلهن والتخطيط له، على نحو مختلف. وأبرزت دراسات اقتصادية متفقةُ النتائج طموحَ النساء العاملات وذوات المؤهلات الدراسية العالية، إلى ارتقاء مكانة مهنية نافذة وحيازة دخل كبير. واقتصاد المعرفة ينيط الدخل بالتأهيل ومستواه. والنساء أعددن العدة لهذا الصنف من الاقتصاد خيراً من إعداد الرجال، فالإنكليزيات يبلغن 46 في المئة من اليد العاملة، نظير 37 في المئة قبل 40 سنة. وكان 9 في المئة من الرجال، في 1979، من غير عمل، ولا يبحثون عن وظيفة، وهم اليوم 16 في المئة. وعلى رغم هذا، لا يزال الفرق بين دخل الرجل العامل ودخل المرأة العاملة يبلغ 10 في المئة، وفحص مداخيل العاملين (من الجنسين) البالغين نحو 20 سنة اليوم ينبئ بحال المداخيل في المستقبل. وتميل كفتها ميلاً قليلاً لجهة النساء ومصلحتهن. وكان معنى زيادة دخل المرأة وتقدمه على دخل الزوج، أن الزوج إما مريض أو أنه لا يصلح للعمل. وبطل هذا المعنى. وفي كل الجماعات المهنية ثمة نساء يُعِلْنَ أسرهن، ويساهمن في الإعالة فوق حصة الرجل. وتدل الإحصاءات الأميركية في 2010، على أن النساء العازبات واللواتي لم ينجبن أولاداً ويبلغن 22 إلى 30 سنة، يساوي دخلهن دخل زملائهن الرجال البيض. ويفوق دخل النساء دخل الرجال اللاتينيين. وفي الأحوال كلها، لم يبق فرق بين النساء وبين الرجال في فئة السن هذه. ويقتصر فرق المداخيل في هذه الفئة بين الرجال والنساء، على 2 في المئة في فرنسا. وخلص مكتب إحصاءات العمل في الولاياتالمتحدة إلى أن مداخيل النساء في سن 22-30 تتقدم مداخيل الرجال في 39 مدينة كبيرة من المدن الأميركية الخمسين، ويزيد متوسط دخل الإيرلنديات اللواتي لم ينجبن بعد، عن دخل الإيرلنديين من غير أولاد، 17 في المئة. وفي سيدني بأستراليا، يزيد دخل امرأة من 6 نساء عن دخل قرينها... ويلاحظ الأزواج الجدد في أحوال كثيرة أن الزوجات يتوقعن مستقبلاً مهنياً يعود عليهن بدخل أوفر من دخل الزوج، وهم يخططون لمستقبلهم في ضوء هذا التوقع. وبعض هذه الاستطلاعات تكشف عن وقائع غير مألوفة، فثمة نساء عازبات يكذبن في شأن دخلهن، على خلاف كذب الرجال، فهؤلاء يبالغن في الزيادة، بينما تبالغ النساء في التنقيص. وإحدى الطبيبات الشابات أخبرتني أنها تزعم، حين يسألها عن مهنتها رجال تلتقيهم في محال عامة، أنها تعتني بالمرضى، وتريد إيهامهم أنها ليست «أكثر من ممرضة». وتزعم مساعدة مديرة جامعية أنها تتولى العناية بطلبات القبول لتبعد عنها شبهة المكانة العالية. ولكن شطراً متعاظماً من الرجال بدأ يدرك أن امرأة تضطلع بحصتها من مسؤوليات البيت المشترك وتبعاته ليست ديْناً ينوء به كاهل الرجل، بل هي مكسب ومربح. * صحافية من «واشنطن بوست» وصاحبة كتاب «ميشيل أوباما السيدة الاولى» (2009) و «الجنس الثري» (2012)، عن «سبكتايتُر» البريطانية، 8/9/2012، إعداد منال نحاس