يبدو ارييل شارون أحياناً أسلس من الحرير وأكثر وداعة من الحملان عندما يقارن بعدد من أعضاء حكومته مثل افيغدور ليبرمان وناتان شارانسكي. فهذان السياسيان يقودان حزبين للوافدين من روسيا وسائر جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ويدعوان الى قصف مصر وتدمير سورية واحراق الفلسطينيين. واختار شارانسكي موسكو ليعلن فيها ان اسرائيل مصممة على غزو الأراضي الفلسطينية وهدم البيوت على رؤوس سكانها من دون الالتفات الى "تمنيات الأصدقاء أو حتى انتقاداتهم". ولمزيد من الوضوح قال ان "الزجر" الأميركي لم تعد له قيمة لأن القوات الاسرائيلية ستواصل دخول الأراضي الفلسطينية من دون اقامة اعتبار لحروف الهجاء وتصنيف "أ" و"ب". و"الأصدقاء" في موسكو لم يوجهوا أي انتقاد للضيف الذي تجاوز الحدود وتحدث في ما تعتبره الديبلوماسية الروسية من المحرمات، وتعارضه في المحافل الدولية ابتداءً من الاصرار على مواصلة الاحتلال وانتهاءً بإشهار سياسة العقاب الجماعي. بل ان شارانسكي، وهو نائب لرئيس الوزراء الاسرائيلي لكنه قام بزيارة "شخصية" الى موسكو، حظي بترحيب في الكرملين حيث قابله الرئيس فلاديمير بوتين. وأحيط هذا اللقاء بهالة من الغموض والسرية، إذ لم يعلن عنه الروس رسمياً فيما قال شارانسكي في حديث خاص لوكالة "ايتار تاس" الحكومية ان المقابلة كانت ودية وبناءة. وبثت الوكالة الحديث بعدد من اللغات الأجنبية، ومنها العربية، لكنها سحبت نصه من النشرة الروسية. وقال الوزير الاسرائيلي لاحقاً انه كان في زيارة الى مدير الديوان الرئاسي الكسندر فولوشين حينما دخل بوتين "بالصدفة". وشاءت الصدف اياها ان يتم تبادل حديث ذي شجون عن "الارهاب". وإذا صدق شارانسكي ولم يكذبه أي طرف رسمي روسي فإن بوتين أكد رغبة روسيا في توسيع التعاون مع اسرائيل في "مكافحة الارهاب الدولي". وخوفاً من ان يقع القارئ في التباس عن "الارهابيين" أوضح شارانسكي ان الرئيس الروسي سأل تحديداً عن مصير جنود اسرائيليين اختطفهم... ارهابيون بالطبع. ومعروف ان الاسرائيليين، يؤيدهم عدد من الساسة الروس، يتحدثون باصرار عن "أصولية اسلامية ارهابية" يمتد نفوذها من افغانستان الى البلقان ومن الفيليبين الى فلسطين مروراً بالقوقاز. وبالتالي يجري الترويج لدعوات عن "تلاقي" المصالح الاسرائيلية والروسية في التصدي ل"أصولية" اسلامية. واللافت ان وصول شارانسكي تزامن مع ظهور مواد في الصحافة الروسية تؤكد ان اسرائيل زودت اجهزة الأمن الروسية معلومات استخبارية عن "تورط" عربي في دعم الشيشانيين والتحريض ضد موسكو. ولئن كان الهدف من هذا التسريب اسناد الاطروحة الداعية الى تقارب موسكو وتل أبيب، فإن الغرض تم بلوغه. فقد صرح شارانسكي ومرة أخرى نؤكد ان أحداً لم ينف تصريحاته بأن بوتين شدد على ضرورة تعاون اسرائيل وروسيا في "مكافحة الارهاب" وابلغ المسؤول الاسرائيلي كلاماً جعل الأخير يهتف جذلاً "موسكو تفهم اسرائيل أفضل من أي عاصمة أخرى". فهل لنا ان نفهم ان هذا "الفهم" يشمل حديث شارانسكي عن عمليات تقوم بها اسرائيل ولا تعلن عنها ومنها هدم عمارات كاملة على رؤوس سكانها لمجرد الشك في أن بينهم "مخربين"؟ أم ان المسؤول الاسرائيلي أراد اظهار أحلامه على أنها واقع وتقويل الرئيس الروسي ما لم يشأ قوله؟ الاحتمال الأخير وارد خصوصاً في ضوء الانزعاج الاسرائيلي من زيارات رؤساء ومسؤولين عرب الى موسكو وما أحيته من آمال في ربيع جديد للعلاقات العربية - الروسية. وان صح هذا الافتراض فإن أقوال شارانسكي تغدو محاولة سافرة للافتراء على روسيا وإعادة السحب الى سماء علاقاتها مع العرب. ولذا فإن السكوت على الافتراءات لا يصلح دلالة على الاستياء، اذ انه قد يفسر على انه صمت الرضا.