أياً كانت نتائج قمة شرم الشيخ فانها كرست نهاية صيغة الراعيين التي بلورها مؤتمر مدريد. وظلت روسيا حتى اللحظة الأخيرة تنتظر دعوة توجه الى "الراعي الثاني" بل انها أصدرت بياناً أعربت فيه عن استعداد الرئيس فلاديمير بوتين للتوجه الى مصر، إلا أن هذا "الاستعطاف" لم يجد آذاناً صاغية فظلت موسكو منكفئة على نفسها، بل ان رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان دميتري روغوزين توقع الانهيار الكامل للقمة، وقال ان موسكو تتنصل سلفاً من المسؤولية وتضعها على عاتق الأميركيين والاسرائيليين الذين أبعدوا روسيا عن اللقاء السباعي. وعلى رغم المرارة فإن الكرملين قد يجد في الوضع الجديد ملعقة سكر، فهو يوفر له الفرصة لعقد تحالف روسي - أوروبي للمطالبة بدور في رعاية عملية السلام. والى ذلك فإن موسكو التي يبدو أنها تراهن على فوز المرشح الجمهوري جورج بوش الابن تريد إبقاء موقفها غامضاً الى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة، وحتى ذلك الحين فإنها لا ترغب في تهيئة كرات اضافية يسددها الديموقراطيون في المرمى الجمهوري. هذا على الصعيد الشمولي، أما في ما يخص الشرق الأوسط تحديداً فإن المتابع للإعلام في روسيا يشعر وكأنه يراقب التلفزيون الاسرائيلي، بل ان الأخير ربما كان أرحم. فالمواطن الروسي لا يعلم كيف قتل محمد الدرّة في حضن أبيه، لكنه شاهد "القتلة" الفلسطينيين من رماة الحجارة، وعادت وسائل الإعلام في موسكو لتلصق بياسر عرفات صفة "الارهابي" وتنشر صوره موجهاً مسدسه الى رأس طفل يهودي، فيما تظهر هالة القديس على رأس ايهود باراك وارييل شارون. وغدا ناتان شارانسكي وافيغدور ليبرمان وغيرهما من "الصقور" الاسرائيليين ضيوفاً لا يغيبون عن شاشة التلفزيونات الروسية، مبشرين بفكرة "التحالف" بين روسيا واسرائيل في مكافحة "الارهاب الديني". وردد هذه النغمة عدد من كبار المسؤولين مثل سكرتير مجلس الأمن القومي سيرغي ايفانوف الذي تحدث عن "ترابط" بين ما يجري في الشرق الأوسط من جهة وبين احداث افغانستان وآسيا الوسطى والشيشان، مشيراً الى وجود "مصدر واحد" يحرك أعمال العنف والارهاب. ويشدد وزير الخارجية ايغور ايفانوف من جانبه على "البعد الديني" للصراع في الشرق الأوسط، من دون أن يتحدث عن وجود أرض محتلة تطالب قرارات دولية بتحريرها اسلامية كانت أم مسيحية أم يهودية. وفي أحاديث ليست للنشر يشير أكثر من مسؤول في روسيا الى ان اسرائيل تحارب "التطرف" الاسلامي "نيابة" عن روسيا أيضاً، وبالتالي فإن على موسكو ان لا تقف حجر عثرة في طريقها، هذا إذا لم تقرر مساعدتها بصورة أو بأخرى. وليس واضحاً ما إذا كان هذا الطرح قد أصبح استراتيجية رسمية، ولكن الأكيد ان كلا من العرب والروس بحاجة الى "وقفة مع صديق" للتكاشف والمحاسبة ودفع ما هو أعظم.