في كل ما كتبت، لم أتقصّد أحداً بالسلبيات العالقة به، ولكن تقصدت السلبيات نفسها، غير أنه ومع كل هذه التحفظات والسلبيات التي دفعتني لمغادرة الخرطوم في 26 تشرين الأول اكتوبر 2000 فإني أبقى على ما سبق أن أعلنه البشير مراراً وألزم به نفسه من جبهة وطنية وبرنامج استراتيجي وميثاق وطني واتخاذ السودانية إطاراً جامعاً لنا في الشمال والجنوب، أبقى ذلك في ذاكرتي ومخيلتي كبارقة أمل في ليل مدلهم وظلمات ثلاث، بعضها فوق بعض حتى إذا أخرج أحدنا يده لم يكد يراها. ظلمة متأتية من سلبيات الجيل الثاني، فوقها ظلمة أخرى متأتية من تفكك القوى الاجتماعية الحديثة ولجوء المغتربين الخلاص الفردي والعائلي، وظلمة التناوب بين الديكتاتوريات النيابية الطائفية و الحزبية في مقابل الديكتاتوريات العسكرية. فالواقع لا ينبئ ببدائل موضوعية في حين تعصف بالبلاد حرب الجنوب والحروب الأهلية في الغرب والمواجهات المسلحة في الشرق والمجاعات والأمراض والجهل. ولو كان النائب الأول لرئيس الجمهورية أعطانا على رغم نزعته الآحادية الشمولية إمكانات المعالجة الاستراتيجية لمشكلات السودان المزمنة لوقفنا الى جانبه، مثال ما سبق لي أن أعددته في مركز الدراسات الاستراتيجية في الخرطوم "حول المنازعات القبلية المسلحة في غرب السودان - الإشكاليات المزمنة والحلول الواقعية"- ثم الفراغ منه في 30 أيار مايو 1998 من 40 صفحة، أو ما كنت شرعت فيه في المركز نفسه حول "الاستراتيجية القومية الشاملة. ولكنها آحادية شمولية من دون أي أفق استراتيجي أو سياسي أو فكري أو ثقافي تتسع لمشكلات السودان، آحادية شمولية ثقافتها تنظيمية مغلقة وتكتيكها يرتبط بفن البقاء ومداراة الخصوم وبالذات خصومة الشيخ العنيد الذي يصل تصلبه الى تدمير كل شيء، حتى ما بناه إذا لم يستحوذ عليه، فلا يكون بعد ذلك إلا عليّ وعلى أعدائي يا رب. وبهذا المنطق هرع الشيخ العنيد الى جنيف حيث أوفد الأستاذين محبوب عبدالسلام وعمر الترابي ليوقعا باسم "المؤتمر الوطني الشعبي" مع كل من الأستاذ ياسر عرمان والقائد باغان آموم عن الحركة الشعبية لتحرير السودان "مذكرة تفاهم" بتاريخ 20 شباط فبراير 2001 الموافق 26 ذو القعدة 1421ه بعد يومين من الاجتماعات 17 الى 19 شباط 2001م تقضي بالتنسيق بينهما لإسقاط النظام، وكان لا بد من ديباجة يبرران بها هذا اللقاء بين علمانية قرنق ولاهوتية الترابي، وبين سودان قرنق الجديد بتوجهه الافريقي التعددي وسودان الترابي القديم بآحاديته ومشروعه الإسلامي الحضاري العالمي، فوفروا للديباجة لزوم ما يلزم من ديموقراطية حقيقية وهي ديموقراطية لم يمارسها قرنق ولا حتى بالمنطق الثوري مع زملائه في حركته حتى انشقوا عنه في نيروبي بعد اغتيال القائد وليم نون، ولم يمارسها الترابي طوال هيمنته على الإنقاذ، ولا حتى بروح الشورى الإسلامية، لا في المؤتمر الوطني - حزب النظام - حين كان قيّماً عليه، ولا في المجلس الوطني - برلمان النظام - حين كان رئيساً له. وما تم في جنيف هو تحالف متوقع، تكتيكياً وليس استراتيجياً، تحكمه ظرفية انتهازية ضيقة، في إطار مواجهة مجموعة الرئيس البشير، وتفاهم المجموعة مع مصر ضد الترابي وتجاوزها لحق تقرير المصير للجنوب بتوجيه مصري. وسبق لي أن قلت "إنه لا يمكن ان يكون هناك - تحالف - بين قرنق والترابي، كل القضية أن قرنق والقوى الأخرى يستثمرون صراعات الترابي ضد السلطة، والترابي ذكي جداً يريد حشد كل القوى المعارضة لهز السلطة ولكن بشرط ان يكون هو البديل، وأولئك متنبهون له جميعاً"، وهذا ما حدث في جنيف، وليس تحالفاً حديثي لصحيفة الخليج 5 كانون الأول ديسمبر 2000 إنه في سبيل الوطن وأمام كل تلك الظلمات الثلاث، نقبل بالديكتاتورية والآحادية، ونعرض جانباً عن التعددية والديموقراطية، والتي لم تمارس يوماً إلا على يد الطائفية، ولكن على أن تتسع هذه الآحادية والشمولية لمشكلات الوطن برؤية استراتيجية، مراهنين على إنقاذ الإنقاذ. ولجنا ثغرتهم في الحائط المسدود ضمن التوالي السياسي الذي كان يعني التناصر المتبادل كحد أدنى في أخلاقية العلاقات السياسية بيننا وبين النظام منذ مطلع 1999، ولكنهم أرادوه تناصراً من جانب واحد بمعنى الاستتباع، ولم يحدث ان عقد النظام جلسة تفاهم وتفاكر واحدة مع أحزاب التوالي المسجلة إلا حين دعوتهم لنا إلى "ورشة عمل" بتاريخ الرابع والخامس من أيلول سبتمبر 1999 حيث طلبوا الرأي في ما يختص بتعديلات الدستور والعلاقات الخارجية وقضايا السلام وأساليب العمل السياسي ومهددات الأمن الوطني والوفاق الوطني. وقلنا لهم قولاً "ثقيلاً" ولا نعرف بعد في أي من الدهاليز انتهت أوراقنا، تماماً كأوراق مركز الدراسات الاستراتيجية. بل ان من يعنيهم الأمر ويشملهم الاختصاصي في موضوعات مهمة يثيرها مركز الدراسات الاستراتيجية لا يحضرون حلقات بحثها ومناقشتها. إن مشكلات السودان كلها ليست مستعصية على الحلول الجذرية أبداً متى اتبع النهج العلمي في دراستها، ومتى تخلصنا من الفرضيات التقليدية في صوغ المشكلات وابتدعنا مداخل جديدة، والسودان زاخر بذوي الاختصاصات، وفي ملفات السودان الكثير مما يبنى عليه في مجال الاستراتيجية القومية الشاملة بداية من الأبحاث المتخصصة من مؤتمرات أركويت منذ أربعة عقود إضافة الى الكثير من الدراسات لو سردت ببلوغرافيتها كما كان يفعل الأساتذة عبد الرحمن النصري وأسماء ابراهيم وكيفما أصدرت جامعة الخرطوم لغطت أكثر من مجلد. بل إن المشكلات السياسية الراهنة التي تحول دون التوافق الجماعي على حلول متوازنة تجمع الأطراف عليها يمكن بحثها علمياً لإيجاد حلول عملية وواقعية لها وذلك بدراسة حول لماذا يستقصي الإنقاذ ولماذا يستقصي قرنق ولماذا يستقصي المهدي والميرغني، وما هي منعكسات المبادرات الخارجية علينا، سلباً وإيجاباً؟ كل هذا قابل للدرس والتمحيص وإيجاد الحلول العلمية والعملية والواقعية، ولكن: على من تقرأ مزاميرك يا داؤود؟ أو لأمر ما جدع قصير أنفه! إنني لا أخوض أي معركة ذاتية ضد أي كان في السودان، ولهذا حين كتبت أربع حلقات على صفحات الصحافي الدولي في الخرطوم حول: آليات الوفاق الوطني والقوى المستعصية - بتاريخ 29 تموز يوليو و31 تموز وأول آب اغسطس و3 آب من عام 2000 محللاً ما ظهر وما بطن من الأجندة التي يتحرك بموجبها الشيخ حسن الترابي والإنقاذ نفسه وأجندة قرنق والمهدي والميرغني وكذلك أجندة مصر وليبيا والإيغاد وشركائها ولم أستهدف سوى التعرية الكاملة لهذه الأجندة لوضع الجميع في صورة الوضوح الكامل ليعيد كل طرف منهم حساباته، وتحديد السقف الذي يمكن ان يصل إليه في "الحوار الجماعي"، من دون مناورات تستبطن خفايا وبواطن ما يُساوم عليه، فعمدت إلى كشفها. وبذات الكيفية التي تناولت بها جذاذ القوى السياسية السودانية وتفاعلات الانهيار والبدائل على صفحات "الحياة" والشيخ الترابي بين مركزية القرار وطموح قيادة الحركة الشعبية - عدد 13545- تاريخ 11/4/2000 وأوراق المهدي الثلاث لحل الأزمة - عدد 13548- تاريخ 15/4/2000. واجتهادات المهدي تفتقر الى إطار تنظيمي - عدد 13549 - تاريخ 16/4/2000 وا تملك المعارضة سوى خيار العودة للخرطوم - عدد 13550- تاريخ 17/4/2000م. صراعات القصر من طبع البعض ان يراهن على الصراعات، يعيشها ويتنفسها، مؤملاً أن تحقق هذه الصراعات أجندته وتطلعاته حيث يعجز هو عن تحقيقها بثقله الذاتي وقواه الموضوعية. ولدى البعض تصبح الصراعات حديث مجالس وسمر، وفي هذا الإطار يندرج ما يقال عن خلاف الرئيس البشير مع نائبه علي عثمان. فإذا سلمنا جدلاً بوجود هذا الخلاف - وهناك مؤشرات دالة عليه - أو حتى تطوره الى تناقض بينهما، وإذا سلمنا بوجود مراكز قوى داخل النظام كتلك التي أشير إليها في معرض الانتقادات المتبادلة بين نائب الرئيس وكل من الوزير المقال أمين بناني ووزير التجارة الخارجية مكي علي بلايل على مدى يومي الأربعاء والخميس 7 و8 شباط 2001 وبعد نقد الرئيس البشير نفسه لأداء حزبه المؤتمر الوطني الحاكم وقصوره. إذا سلمنا بكل ذلك فماذا يعني هذا بالنسبة الى شعبنا وقضاياه الرئيسية من التدهور الاقتصادي والاجتماعي وإلى حرب الجنوب والحروب القبلية في الغرب، فالبشير في صراعه مع الترابي ومنذ مذكرة العشرة في 10/12/1998 ومن بعد ذلك متغيرات رمضان في 12/12/1999 التي تضمنت حل المجلس الوطني وتحجيم الترابي، ثم الى رئاسته الثانية مطلع كانون الثاني يناير 2001 لم يقدم لنا سوى مبشرات لفظية. كذلك في صراعاته مع نائبه علي عثمان لم تكن الحصيلة سوى تكريس آحادية وشمولية المؤتمر الوطني الحزب الحاكم 30/9/2000 وإجهاض الملتقى التحضيري للوفاق الوطني 18/10/2000. فالرئيس لم يطرح في كل ذلك بديلاً أو جديداً، ثم ها هم الذين يؤيدون نقده لأداء حزبه الحاكم يتساقطون كوزير الدولة في وزارة العدل أمين بناني ولا يحرك الرئيس ساكناً، فهل هو التواطؤ مع نائبه مما يفقد الرئيس الصدقية؟ أو هو "الضعف"؟ إذاً كيف للشعب ان يراهن على مواقف الرئيس؟ فالشعب لا يعيش مع الرئيس داخل القصر ليطلع على بواطن تكتيكاته والشريعة تلزم بالظاهر. لذلك فإن الشعب يتعامل مع هذه الصراعات، لا برجاء البدائل الجذرية على يد الرئيس ولكن برجاء أن يخر السقف عليهم جميعاً، منصرفاً عنهم وعن صراعاتهم وبذات الكيفية التي انصرف بها عن انتخاباتهم الرئاسية والبرلمانية الآحادية التي جرت نهاية كانون الأول 2000 وظهرت نتائجها - المشكوك بها - مطلع كانون الثاني 2001، حيث أعلن أن البشير حصل على 743،570،7 صوتاً، أي ما يعادل 5،86 في المئة. وأن جعفر نميري حصل على 068،786 صوتاً، أي 6،9 في المئة. وأن الدكتور مالك حسين حصل على 840،129 صوتاً أي 6،1 في المئة، والسموأل على 649.103 صوتاً أي 3،1 في المئة. ومحمود جحا على 676،75 صوتاً، أي 1 في المئة. توقفت كثيراً لدى تلك السبعة ملايين ونصف المليون التي نالها الرئيس البشير، وفي ظل انقسام حزب النظام المؤتمر الوطني على نفسه، بين مؤتمر وطني حاكم للشق المتبقي من الإنقاذ، ومؤتمر وطني شعبي معارض ذهب مع الشيخ الترابي. وفي ظل انصرافية الشعب السوداني عن الانتخابات أصلاً. وفي ظل غيبة الجنوب، وفي ظل التدهور الأمني والصراعات القبلية المسلحة في الغرب. كيف إذاً حصل البشير على هذه الملايين السبعة والنصف في حين ان انتخابات السودان حيث كانت برلمانية نزيهة وتنافسية جادة حشدت لها الأحزاب كل قواها بتاريخ 1 الى 12 نيسان ابريل 1986 لم يتجاوز العدد 642،413،5 مصوتاً. بلغت انصرافية الشعب السوداني عنهم حداً انعكس على مستوى قراءة الصحف اليومية ومتابعة نشرات الأخبار، ومع أني لا أملك إحصائية بحجم توزيع الصحف والمرتجع منها فإن معايشتي في الخرطوم لكيفية إقبال الناس على الصحف ونشرات الأخبار، بالذات في الفترة الأخيرة التي قضيتها هناك 22 أيار الى 26 تشرين الأول 2000 أي خمسة أشهر، أقنعتني تماماً بأن نسبة قراء الصحف ومتابعي نشرات الأخبار تقارب العدم على رغم وجود بعض الأقلام المعتبرة، بل - وهذا ما يؤسف له - ان الشعب وصل به اليأس الى عدم متابعة ما يجري للمعتقلين السياسيين. صراعات مركبة وفي موازاة صراعات القصر مع بعضه، هناك ملحمات السيد الصادق المهدي من تهتدون الى تفلحون حيث يريد الرجل استرداد بضاعته التي سلبت منه بانقلاب الإنقاذ في 1989. وهناك مواجهات الشيخ العنيد حسن الترابي الذي يريد هو الآخر استرداد بضاعته التي أخذت منه عنوة أو صودرت إثر متغيرات رمضان 12/12/1999. فمشكلة الصادق المهدي مع "كل الإنقاذ"، ومشكلة الشيخ الترابي مع "نصف الإنقاذ". أما مشكلة قرنق فهي مع "الجميع" ليس في شمال السودان فقط ولكن في الجنوب أيضاً. فجميع هؤلاء يشكلون خصماً على استمرارية النظام ويريدون تفكيكه، قرنق لمصلحة سودانه الجديد، والترابي لاستعادة مرجعيته الدستورية مجلس الشعب والسياسية المؤتمر الوطني، والصادق لاستعادة شرعيته أما السيد الميرغني فهو تائه بين كل هؤلاء، يتمسك بقرنق في إطار التجمع الوطني الديموقراطي المعارض ليؤهل نفسه لزعامة وطنية، وينظر بعين أخرى الى مصر وليبيا. ثم ها هو قرنق حليف الميرغني يوقع مذكرة تفاهم في جنيف مع الترابي 20 شباط 2001 الموافق 16 ذو القعدة 1421ه من دون أن تتسع مذكرة التفاهم هذه بين قرنق والترابي للسيد الميرغني فيكون ثالثهما، ولكن كيف للسيد الميرغني ان يكون ثاني اثنين مع قرنق بمعية الترابي ليكون ثالثهما في حين ان مصر وليبيا ترفعان البطاقة الحمراء بوجه الترابي؟ وكيف لقرنق ان يتفاهم مع الترابي وهو حليف للميرغني من دون الميرغني؟ أمام كل هذه التعقيدات، سواء صراعات القصر الذاتية، أو محيط الصراعات من حول القصر كله، الى أين يمضي الرئيس البشير؟ فالبعض يعتقد ان دور الرئيس مغيب عبر نائبه علي عثمان، كما سبق أن غيّب عبر سطوة الشيخ من قبل. وهذه دلالة ضعف لا يعوّل عليه. والبعض يعتقد بتواطؤ الرئيس مع نائبه في كل المواقف تمويهاً على الشعب كما موهوا من قبل حين اعتقلوا الترابي في مطلع انقلابهم عام 1989، وما بين مظنة "الضعف والتغيب" أو مظنة التمويه لينصرف الشعب ويمضي في حيرته الى أن يثبت الرئيس العكس تماماً. إذا أراد الرئيس أن يثبت العكس فليس أمامه سوى أن يلتزم فعلاً وليس قولاً بما تعهد به منذ متغيرات رمضان 12/12/1999 وإلى ما بعد رئاسته الثانية كانون الثاني 2001. فدعا الى جبهة وطنية عريضة وميثاق وطني وبرنامج استراتيجي واتخاذ السودانية إطاراً جامعاً للشماليين والجنوبيين على حد سواء. فإن أخلص الرئيس القول بالفعل فإن آليات التفصيل لهذه الدعاوى لن تكون مستعصية، إذ يلزم للجبهة الوطنية المتحدة ان يسبقها مؤتمر وطني وفاقي جامع، ويلزم لهذا المؤتمر الوفاقي هيئة تحضيرية وطنية مقبولة من كل الأطراف، ويلزم لهذه الهيئة التحضيرية مقراً محايداً لا هو مصر ولا ليبيا ولا نيروبي حيث الإيغاد، وتعذر التنسيق بين المبادرتين. ولهذا اقترحت الجزائر وهي مرحبة بذلك. ولتتأكد جدية الحوار لا بد من التوافق على نوعية الموضوعات التي ستطرح، فبعضها سيتناول حتماً البنية الدستورية والسياسية في راهن النظام لتعديلها بكيفية تحقق اهداف الوفاق تبعاً لما يقرره الميثاق الوطني وما سيتضمنه، إضافة الى البرنامج الاستراتيجي الذي سيطرح الحلول الجذرية لمشكلات الوطن الداخلية والخارجية، من الاقتصاد السوداني في عصر العولمة، إلى حل إشكاليات التخالف، وتأهيل واستثمار الإمكانات الطبيعية والقدرات البشرية ووضع نهج للسياسات الخارجية والأمن الوطني. بالطبع حين أطرح كافة هذه اللزوميات المرتبطة ببعضها والمتراكبة فإنه لا يغيب عن بالي قط أحد أهم موطنين للخلاف: أولاً: تعدد وتضارب أجندة القوى المدعوة للحوار كافة في ما بينها من ناحية، وفي ما بينها وبين الإنقاذ من ناحية أخرى. فالاتجاه العام هو رغبة هذه القوى في تفكيك الإنقاذ والتأكيد على مرحلة انتقالية تعبر بها الى السلطة البديلة، ولكن من دون اتفاق فعلي بين هذه القوى نفسها على شكل السلطة البديلة، فالسودان الجديد لقرنق هو غير ما يتوافق عليه الميرغني أو المهدي أو الترابي أو حتى الإنقاذ. ثانياً: إن الإنقاذ نفسه لن يسلم امره بسهولة، وفيه ما فيه من منظمة بداخله. مع ذلك فإن إدارة الحوار بموضوعية وبرؤية استراتيجية أمر ممكن وغير مستعص في حال إدراك مختلف هذه الأجندة وكيفية التعامل معها، واضعين في اعتبارنا كل سلبيات الجيل الثاني وهشاشة القوى الاجتماعية الحديثة. اما كيفية معالجة هذه الاستقصاءات، فذاك تحد ماثل أمامنا ولكنه ليس بالتحدي المستصعب على الحلول متى أعدنا النظر في طبيعة الآليات لحل النزاع في السودان، الداخلية والخارجية، التي صارت جزءاً من صراعات استراتيجية، كما أوضح المهدي الحياة - من تهتدون الى تفلحون - 23 تشرين الثاني 2000 نوفمبر الموافق 27 شعبان 1421ه - العدد 13770. وهذا قول حكيم وثاقب يجب أن نبدأ به... وبالله دائماً التوفيق. * سياسي ومفكر سوداني مقيم في لبنان.