أقالت رئاسة نادي الصفاقسيالتونسي المدرب اليوغوسلافي ميودراغ ياشا ومساعديه بعد الآداء الهزيل لفريق كرة القدم في بطولة النخبة العربية على كأس الأمير فيصل بن فهد السابعة في مدينة اللاذقية السورية، والتي دان لقبها للهلال السعودي، وشارك فيها الى جانبهما النصر السعودي والجيش السوري المضيف. وكُلف ابن النادي المدرب رياض الشرفي بالاشراف على الفريق موقتاً، بانتظار وضوح "المشهد" الصفاقسي في نهاية الموسم. وعمت حال من الاستياء أهالي مدينة صفاقس بعد الحصيلة "المذلة" لناديه في هذه التظاهرة العربية اذ خسر ثلاث مرات في المباريات الثلاث التي لعبها، كان امرّها واكثرها قساوة أمام الهلال. فالهزيمة بأربعة أهداف كانت "حارة" كما اطلق عليها التوانسة، هي الاقسى قاموس الصفاقسي الكروي والاكثر اذلالاً... وهي بالتأكيد دخلت التاريخ وستبقى دائماً نقطة سوداء في تاريخه، وسُتذكر مستقبلاً دائماً في مجالس الاحباء ونقاشات المتعصبين. وفي الحقيقة لم يكن الصفاقسية يحلمون باعادة "سيناريو" مدينة جدة الذي حدث في آب اغسطس عام 2000 حين خطفوا لقب بطولة العرب من الجيش السوري لكن آمالهم واحلامهم كانت تتعدى بكثير ما قدموه، وربما تمثلت في تشريف الكرة التونسية، واللعب "برجولية"، والذود عن راية النادي "البيضاء والسوداء"... لكن ما حصل أن السويح وزملاءه تحت قيادة ياشا خدعوهم وجعلوهم يتجرعون مرارة الهزيمة والاذلال. ويبدو انه قد كتب على الصفاقسية ان يعيشوا موسماً "أبيض" هذا العام، فهم خسروا في نهائي كأس رئيس الجمهورية امام الافريقي، وخسرت نساءهن لقبهن العربي في كرة السلة امام نادي شرطة المرور التونسي في مصر... بل ان مصدر فخر الصفاقسية وعزتهم دائماً فريق الكرة الطائرة فقد لقبه امام النجم الساحلي. كل هذا يطرح ذلك التساؤل الكبير حول واقع مدرسة كروية عريقة وراءها قوة اقتصادية مهمة واحباء متيمين من العاصمة الى أقصى الجنوب التونسي... وهو واقع يؤكد غياب المواهب واللاعبين الاكفاء فقط.. لكن الهزيمة الصفاقسية في كأس النخبة العربية، طرحت مؤشراً جديداً يدفع بالتساؤل عن حقيقة القدرة التنافسية لكرة القدم التونسية وأسباب تراجعها وامكانية تنميتها والارتقاء بها. فقبل النادي الصفاقسي خرج الترجي التونسي ولموسمين على التوالي من نهائي كأس ابطال افريقيا منهزماً، بل اضيفت الى هزيمته الأخيرة امام كانون ياوندي قضية طالت حارسه الأول وحارس منتخب تونس في عقد التسعينات شُكري الواعر. وأبرزت هذه الهزيمة انتكاسة التوانسة قارياً من بداية القرن الحالي بعد ان توجوا ب12 لقباً افريقياً منذ عام 1988 حين افتتح النادي البنزرتي الانجازات الافريقية. وجاءت مباراتا تونس ذهاباً واياباً مع المنتخب المغربي ومعهما الهزيمتان على ملعب المنزه وفي الدار البيضاء، فتأكدت حقيقة تقدم الكرة المغربية وارتقائها الى عالم الاحتراف الحقيقي في حين لا تزال كرة القدم التونسية، وعلى رغم انجازاتها السابقة، تراوح مكانها ما بين الهواية والاحتراف. ولعل التساؤل الذي حير المسؤولين التوانسة هو: كيف تحدث هذه الانتكاسة والنهضة الكروية التي شهدتها تونس في الأعوام الأخيرة ربما كانت الأبرز عربياً وافريقياً؟ فمن البنية التحتية من ملاعب معشبة من أعلى طراز ومركز للطب الرياضي هو الأول عربياً والثاني افريقياً الى الموازنة المحترمة جداً للشباب والرياضة والدعم اللامحدود للرياضيين من أعلى هرم السلطة ما جعلهم في وضعية يحسدون عليها اجتماعياً، وارتفاع موازنات الأندية الكبرى الى ما فوق ال5 ملايين دينار، واقامة مركبات رياضية خاصة بكل نادٍ تضاهي مركبات أعرق الأندية الأوروبية، وتوفير الدعم الكامل للبعثات الرياضية في الخارج واقامة المعسكرات في أفضل الظروف... تجعل الإجابة عن هذا التساؤل عسيرة نوعاً ما! الذي تبكي من اجله جل الأندية الأفريقية وبعض الفرق العربية موجود في تونس واكثر منه، لكن كما قال المدرب العجوز بيتشنزاك الذي عاد الى البلاد في بداية الموسم بعد ان كان درب الترجي في نهاية الثمانينات "كل شيء تغير في المشهد الرياضي التونسي والموهبة غابت عن سمائه". واذا كان غياب الموهبة يفسر جزئياً تراجع القدرة التنافسية افريقياً وعربياً ودولياً، فإن هذا المعطى يبدو شاملاً ولا يخص تونس فقط. ويعتبر الكثير من المراقبين أن توالي السنوات السمّان ثم العجاف من طبيعة مسيرة أي عمل بشري بما في ذلك كرة القدم، ويعتقدون أن المرحلة الانتقالية التي تعيشها اللعبة في تونس من نهاية عهد الهواية الى بدايات الاحتراف تفرز بطبيعتها نتائج متباينة ومتعثرة... في حين يؤكد البعض الآخر أن فقدان طابع التنافس في الدوري المحلي، والسيطرة المطلقة للترجي كان لهما الأثر السيئ على بقية الأندية، بل وعلى الترجي ذاته اذ دفع بالجماهير الى هجرة المدرجات مما ازاد الرتابة القاتلة. ربما فسرت هذه العوامل مجتمعة تراجع القدرة التنافسية لكرة القدم التونسية، لكن رد الفعل المحلي لا يزال ينحصر في اقالة المدربين بعد كل هزيمة، ورفض فتح حوار حقيقي وعام عن واقع ومستقبل اللعبة... وذلك هو التحدي الحقيقي ومخرج النجاة الوحيد.