خلفت هزيمة فريق الترجي، نادي تونس الاول، امام سان دوانز الجنوب افريقي بهدفين، مرارة شديدة في صفوف احبائه، اذ انها قللت من حظوظه لبلوغ الدور النهائي من دوري ابطال افريقيا لكرة القدم. وبجردة حساب بسيطة فان هذه الهزيمة تعني ان الترجي يمر بمرحلة انتقالية صعبة من السيطرة المحلية والافريقية في عقد التسعينات التي توجت ب7 القاب وقرابة ثلاث سنوات من دون هزيمة محلياً، كما تعني انه، وبعدما كان يمثل العمود الفقري لمنتخبات تونس وكذلك فخرها وصورتها الجميلة امام العالم، في طريقه ليصبح ذلك النادي الذي فقد الكثير من صلابته النفسية وتوهجه الابداعي على العشب الاخضر. بل ان هزيمته الاخيرة والاخرى في نصف نهائي كأس تونس امام الصفاقسي حطمت اسطورته كفريق لا يقهر وزعزعت ثقة لاعبيه على مواصلة مشوارهم مع الانتصار. وجاءت هزيمته الافريقية لترسم شعوراً بالكآبة والاسى على وجوه الآلاف من احباء شعار "الدم والذهب" اذ ان خروجه من البطولة الافريقية عنت ان ناديهم المفضل لم يرتق بعد الى مصاف الاندية العالمية. واذا كان امين سر النادي يتحسر على تبخر 5 ملايين دينار صرفت على استقدام لاعبين جدد، فان سليم شيبوب رئىس النادي وصانع امجاده والرجل القوي لكرة القدم التونسية خسر رهاناً شخصياً لأنه صرح قبل بداية الموسم الحالي ان النادي سيفرش العشب بالدم والدموع من اجل ان يصل الى نهائي دوري ابطال افريقيا. ويرى بعض المراقبين في تونس ان هذه الهزيمة القارية ستؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ النادي، وان رياح التغيير ربما ستطال مستويات عليا في إدارته. ويعتقد البعض ان التوانسة ربما كانوا "نرجسيين" نوعاً ما في محليتهم، وهذا شعور عززه لديهم اول رئيس للجمهورية واب الاستقلال الراحل الحبيب بورقيبة. لكن ذلك لم يمنعهم من تمسكهم بانتمائهم العربي والاسلامي وإدراكهم لأهمية الجغرافيا في حياة الامم، فتجد الحضور الافريقي في ساحاتهم واسماء شوارعهم وفي المقررات المدرسية لطلابهم بالمعاهد، وفي نصرتهم لقضايا الحق والحرية ونضالات القارة الافريقية من اجل الاستقلال والكرامة. لكن ذلك لم يترجم عملياً في مستوى معاملاتهم الاقتصادية والمالية الذي بقي مرتبطاً اكثر بالضفاف الشمالية للمتوسط على رغم ان تونس حملت لوقت طويل اسم افريقية. وبدأت مغامرة الاندية التونسية قارياً في بداية السبعينات، لكن نادي الترجي التونسي غادر المسابقة منذ الادوار الاولى وانتظر التوانسة حتى عام 1988 ليحصد ابناء النادي البنزرتي التتويج القاري الاول، وأمام التشجيعات الكبيرة التي يحظى بها القطاع الرياضي في عهد الرئيس بن علي والدعم المالي الذي تجاوز امكانات بعض الدول العربية الغنية وموسم الهجرة الى البطولات الاوروبية للاعبين الافارقة في التسعينات، تمكن التوانسة من حسن استغلال هذا الفراغ الذي عززه تراجع حضور الاندية المصرية وتربعوا على عرش التتويجات الافريقية فكان نصيب تونس من الألقاب والكؤوس الافريقية 13 لقباً تقاسمها كل من البنزرتي والصفاقسي والنجم الساحلي والافريقي والترجي. لكن هزيمة الافريقي في نهائي كأس الكؤوس الاخيرة ثم عجز النجم الساحلي هذا الموسم في المحافظة على كأس الاتحاد، وخروجه من الادوار الاولى والهزيمة الترجية الاخيرة جاءت لتعلن نهاية الملحمة الافريقية التونسية وتلقي بظلال كثيرة على الواقع الحقيقي لكرة القدم في تونس التي يمكن فهم معادلتها كالآتي: من لا يتقدم يتأخر بالضرورة!