أسفرت أعمال البعثة الاثرية الوطنية في تل الورديات الواقع على بعد 10 كلم من مدينة مصياف السورية، بادارة المديرية العامة للآثار والمتاحف وبمشاركة عدد من طلاب قسمي الآثار والتاريخ في جامعة دمشق، عن الكشف على سويات حضارية أثرية عدة اهمها سوية عصر الحديد الثالث 554ق م - 333ق م التي ظهرت فيها بقايا معمارية لجدران حجرية مع الكثير من النماذج الفخارية وبعض الدمى الطينية التي تمثل الربة عشتار والفرسان الأخينيين. كما ظهرت فوق هذه السوية السوية الهيلنيستية 333 ق م - 64 ق م التي ترافقت مع جدران حجرية ذات نموذج معماري يختلف عن سوية عصر الحديد. نشطت في هذه الفترة عملية انشاء وتعمير المدن على الطريقة الهندسية الشطرنجية المعروفة اليوم بالمدرسة الانكليزية. وتميزت المدينة الهيلنيستية عموماً آنذاك بالشوارع المتوازية والمتعامدة، ذات الأزقة التي تحيط بجوانب الشوارع وبالساحات العامة الأجورا والمعابد والمسارح وأقواس النصر والحدائق والأسوار المنيعة. كما تميز العمران الهيلينستي بالأعمدة الحجرية والرخامية الرشيقة، التي تعلوها التيجان المنحوتة المزينة على الطريقة الكورونتية، او الأيونية او الدورية، كما علت بعضها عند الأبواب حجارة منضدة منحوتة مزخرفة ذات جائر وافريز وطنف، وفوقها واجهة ذات جبهة مثلثة تزينها الصور المنحوتة البارزة. كما ترافقت هذه السوية مع الكثير من النماذج الفخارية، كان اهمها اجزاء من جرار يونانية تحمل على عروتها اختاماً غائرة مستطيلة مكتوبة بالأحرف اليونانية تشير الى مكان صنع وتصدير هذه الجرار والتي مصدرها، على الغالب، جزيرتي كريت ورودس اليونانيتين، إضافة الى اقداح وأوان من الزجاج الفسيفسائي والمليفوري التي تعود للقرن الثالث قبل الميلاد. اما السوية الرومانية 64 ق م - 395م فظهرت عليها جدران حجرية سميكة وأرضيات طينية. تميز فن العمارة الروماني بأصول تراثه اليوناني والأتروسكي وتطوره علمياً وتقنياً على ايدي المهندسين الرومان، واستخدمت في ذلك مواد جديدة في المرحلة الامبراطورية، عندما سادت الدولة افكار التنافس المعماري، واستعان مشيدو هذه الاوابد بالحجارة الرملية المتوافرة بكثرة في اطراف جبلة وسوكاس، كما جلبوا من انحاء الامبراطورية المختلفة الرخام والغرانيت لتجميل هذه الابنية باكسائها خارجياً، وأضافوا اليها من منطقة اللاذقية الحجارة الكلسية الصلبة لتدعيمها. كما ترافقت مع الكثير من الفخار الأحمر الشرقي وقطع من النقود البرونزية، التي تشير بمجملها الى ازدهار كبير اصاب منطقة التل ابتداء من القرن الأول قبل الميلاد واستمر حتى نهاية الفترة البيزنطية 395م - 636م، حيث شغلت هذه السوية الاخيرة معظم السوية الرومانية. وبنيت فيها كنيسة ودير وظهرت اجزاء مهمة شملت القسم الشرقي من الكنيسة بأكمله وترافقت مع كسر لصحون من الرخام وأجزاء من تيجان اعمدة. وتشير هذه المكتشفات الى ان علاقات تجارية واسعة شملت وسط سورية مع عالم البحر المتوسط وشكلت فيه منطقة مصياف نقطة عبور مهمة بين شمال سورية وجنوبها منذ العصر الحجري وحتى نهاية العصر البيزنطي 636م.