"انظر هناك... أنظر" قال جورج، السائق الهندي، وأنا أرى على وجهه علامات مختلطة: قليل من الذعر، وبعض السخرية، والعجب. قلت مأخوذاً: - "ماذا؟". قال وهو يقود السيارة بسرعة أكبر: - "هذا الرجل الكبير ذو العوينات!". قلت: - "أين؟". قال: - "إنه هناك في تلك السيارة". واقترب. - "في هذه السيارة الدودج القديمة!". ورأيته. كان رجلاً عجوزاً ذا عوينات سميكة، لكنه يمتلك بنية عريضة تنبئ بأنه كان في شبابه قوياً، لكنه الآن كان يقود عربته بهدوء، ورأيت منه: جاكتته الرمادية الحائلة، وربطة عنقه البنية، لكنني لم أرَ سوى جانب وجهه. انفجر جورج بالضحك وهو يشير الى الرجل الذي لم يكن ينظر تجاهنا، لكنه ينظر الى الأمام لحظات، ثم ينظر إلى الرصيف المجاور له على اليمين. كان سائق العربة المرسيدس خلفنا منزعجاً من طريقة قيادة جورج الباردة، فأخذ يقلب الضوء في مرآته، فاضطر الى أن يسرع حتى تجاوز الرجل الكبير صاحب العربة الدودج القديمة. قال جورج وهو يحاول أن يهدأ: - "إنه معلم الموسيقى". قلت: - "معلم الموسيقى؟". قال: - "آه، كان معلماً للموسيقى لمدة تزيد على خمسة وأربعين عاماً قضاها في مدارس الكويت يعلم الأولاد والبنات الموسيقى، وهو الآن محال على المعاش، وتحول إلى اصلاح الآلات، آلات الموسيقى، لكنه رجل غريب جداً". قلت: - "ولمَ هو غريب جداً؟". قال: - "ما يفعله، إنه يلف ويدور طوال اليوم، يلتقط الخادمات من على الارصفة". قلت: "آه". قال: - "لا ليس كما تظن، إنه لا يلتقطهن لنفسه، لكنه يأخذهن إلى غرف العزاب من معارفه في خيطان 1، أولئك العاطلين من العمل". قلت: - "آه". قال: - "إنه يقوم بهذا العمل ليسرّي عن اصدقائه العزاب، يأخذ الخادمات اليهم، وهو الذي يدفع". - "يدفع لمن؟" - "يدفع للخادمات ليسرّي عن اصدقائه". قلت: - "آه". قال: - أنت لا تصدقني؟ ألا تصدقني، لقد فعل هذا معي أنا نفسي حين كنت عازباً، جاءني بأكثر من خادمة و... إلى آخره". قلت: - "آه". صمت جورج قليلاً، ثم أوقف السيارة بجوار الرصيف حيث من المفترض أن أنزل، لكنه قال: - "هل أنت غاضب مني؟". قلت: - "ولمَ أكون غاضباً منك؟" قال: - "ظننت ذلك، لكن الذي يجب أن تعرفه في نهاية القصة، اقصد معناها، أن مدرِّس الموسيقى هذا كان يستمتع وهو يستمع الى أصوات الرجال والنساء وهم في الفراش داخل الغرفة، هذا كل ما في الأمر. إنه رجل طيب". قلت: - "لا بد أنه كذلك". وضعت قدمي على الرصيف، خرجت من السيارة، أغلقت الباب خلفي وفكرت: لا بد من أنه رجل طيب، طيب بالفعل. 1 خيطان: منطقة شعبية في الكويت، يسكنها العمال الوافدون. * كاتب مصري.