كانت شهادتي حاسمة في إدانته، وصدر الحكم بسجنه ثلاث سنوات. هو جاري. يسكن الشقة التي تعلوني مباشرة، رأيته يضرب امرأته ضرباً مبرحاً. نزف أنفها، وكدمة زرقاء فوق عينها، وآثار أظافر حول رقبتها. دفعني بعنف إلى خارج الشقة حين حاولت مع بعض الجيران أن نفصل بينهما. كان شرساً. صاح بعنف في وجهي: خليك في حالك. التفت نحوي مرة أخرى مهدداً بقبضته: مالك بينا؟ طلب مني محاميه أن أسحب شهادتي وأقول إنني لم أره يضربها إنما سمعت صراخها. قلت: بس أنا شوفته بيضربها. ما أنا عارف أنك شوفته. حاتقول كده عشان ما ياخدش حكم. رفضتُ. قلتُ إن هذا كلام لا أفهمه. حصلت امرأته على الطلاق، وأقامت وابنتها في الشقة. هدأ البيت. كنت ألتقي بها أثناء خروجي أو رجوعي. تجيبني بهزة من رأسها. وتظهر على وجهها مشاعر العرفان بالجميل. * كانت المرة الثانية التي يضربها. في المرة الأولى صعدتُ السلم جرياً على صراخها. باب شقتها موارب وجيران يقفون في الردهة الخارجية. اندفعتُ داخلاً. فوجئت به يقذفني إلى الخارج. تلقاني الجيران وأنا أتعثر في خطواتي. يومها طلبت الشرطة بعد أن ازداد صراخ الزوجة وراحت تستغيث بالواقفين. جاء شرطيان وخرجا به. تلفت حوله حتى أبصرني. ظل يحدق بي حتى سحبه الشرطيان. استطاع أولاد الحلال أن يصلحوا بينه وبين امرأته. وتعهد في القسم بأن لا يتعرض لها بالضرب بعد ذلك. عاد من القسم مع اثنين من أصحابه. كنت واقفاً أمام شقتي، تمهل وهو يرمقني بنظرة مشتعلة: فاعل خير. طيب! * جيران كانوا يزورونه في السجن. يسألهم عن امرأته. يقولون: بخير. ويسأل عني؟ ويقولون: آهو. موجود. أنا موش فاهم ده حاشر نفسه بينا ليه؟ آه صحيح. واحد ومراته. يضربها، يكسر دماغها. ماله هو؟ آه صحيح. كل خناقة معاها ألاقيه جاي يفصل بينا. طب ليه؟ يمكن فيه حاجة بينه وبينها؟ مراتي لأ. ما تعملهاش. لسانها طويل آه. إنما الحاجة التانية دي لأ. مراتي وعارفها. وقال لهم إنه رغم طلاقها غير غاضب منها: تعمل اللي يريحها. إنما أخونا ده. سكت، ثم قال: بتشوفوه؟ آه. كل يوم بنشوفه. بيطلع لها فوق؟ ما شوفنهش طالع. ولا هي بتنزل له؟ ولا هي بتنزل له. طيب. أنا برضه قلت كده. سكت، ثم قال: أنا باقي لي سنة ونص. تقولوا له.. لكم كلام معاه؟ آه بنكلمه. تقولوا له يشوف له سكن تاني. لو خرجت وشوفته موش حايحصل له طيب. سكت مرة أخرى. ثم قال: لأ. سيبوه. خليه ساكن في البيت. أخرج وأملأ عيني منه. الجدع ده أنا بكرهه بشكل. وناوي له على حاجة. ويستاهل. بعض من الجيران الذين يزورونه أبلغني بما يقول. وبحثت عن سكن آخر لأبتعد. وطال ولم أجد. قبل خروجه بيومين كان هناك من أخبرني. واكتشفت أنني لا أعرف مكان إقامته. وفيم حاجتي لمعرفته. هو سيبحث عني. في كل مرة أخرج من البيت أتمهل على السلم الخارجي. أتلفت هنا وهناك. وأعبر الشارع في حذر مبتعداً عن العربات المسرعة، أتأمل الوجوه المقتربة مني. أمشي على الرصيف بعيداً من الزحام. أتفادى السير أمام المقهى الذي يرتاده أصحابه، أحياناً يلمحونني، وأسمع ضحكاتهم الساخرة، وشتائمهم تلاحقني. كانوا على ما يبدو يتحرشون بي. لا أخرج من البيت – بعد عودتي من العمل – إلا نادراً. أغلق الباب الخارجي بالمزلاج، وباب الحجرة، وشيش النافذة. أتمدد في الفراش ووجهي للحائط وإصبعي تحفر في الثقوب القديمة. لا أفكر في شيء، أسترخي محدقاً في السقف، أرى الفراشات الصغيرة تحوم حول اللمبة، يسقط بعضها محترقاً.