يدل فوز زعيم ليكود اليميني المتطرف ارييل شارون في الانتخابات الإسرائيلية على أن العقلية الإسرائيلية الجماعية يصعب تغييرها أو التأثير فيها أو زحزحتها عن "مسلّمات" العقيدة الصهيونية إلا بعد صدامات دموية. ويبدو أن غطرسة القوة سرعان ما تنسي الإسرائيليين أي دروس يتعلمونها من خلال صراعهم الطويل مع العرب، وان زعماءهم سيواصلون تجاهل الامكانية الحقيقية لتسوية الصراع وانهائه على أسس قرارات الشرعية الدولية لمصلحة أحلام امبراطورية تزين لهم أن بوسعهم المضي في احتلال شعب آخر ونهب أراضيه والبطش به بحجة الحفاظ على أمن إسرائيل. في عهد اسحق رابين اقترب الإسرائيليون من رؤية الحقيقة، وكان الأمل معقوداً على تنفيذ اتفاقات أوسلو، لكن تحريض اليمين الإسرائيلي أدى إلى اغتياله. ولم يكن رابين سوى ذلك الجنرال السابق الذي تولى في حكومة اسحق شامير منصب وزير الدفاع، وأباح لجنوده "كسر عظام الفلسطينيين" المشاركين في الانتفاضة الأولى. وخلال تلك الانتفاضة بدأ بعض الإسرائيليين يتساءل: ما الذي نفعله هنا في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ إلى متى نستمر في السيطرة على شعب آخر؟ ألا يمكننا العيش مع الفلسطينيين في سلام؟ بعد رابين جاء بنيامين نتانياهو وأخر عملية السلام وأوقفها في النهاية وهزمه الجنرال السابق ايهود باراك الذي وصل إلى الحكم على أساس برنامج نصفه شعارات عن السلام مع سورية والفلسطينيين واللبنانيين، ونصفه الآخر خطوط حمر تجعل ذلك السلام مستحيل المنال. وتقلّب باراك في تصرفاته وحمل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون على الدعوة إلى كامب ديفيد الثانية، وتبيّن أنه لم يأت بجديد يتفق مع قرارات الشرعية الدولية أو أدنى مطالب الفلسطينيين. وخلال ذلك كله كان "موزاييك" البرلمان الإسرائيلي يجعل باراك يمضي خطوة إلى أمام في عملية السلام ويتراجع خطوة أو اثنتين. وخلال ذلك كله أيضاً رفض الإسرائيليون أن يصدقوا أن الفلسطينيين سيتمردون، للمرة الثانية، على الاحتلال العسكري الكولونيالي، وافترضوا أن تلك الانتفاضة مجرد "عنف" محبة ل"العنف" وليس إصراراً على تصفية الاحتلال والانتقال إلى الاستقلال. إن الإسرائيليين يجلبون "العنف" لأنفسهم لأنهم ما زالوا يمارسونه في شكل ارهاب دولة منظم منذ أن كانت لهم دولة. ولا يبالغ الفلسطينيون مطلقاً عندما يطالبون بمحاكمة عدد من قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وما شارون الذي فاز الآن برئاسة الحكومة الإسرائيلية سوى واحد من مجرمي الحرب هؤلاء. ولن تنمحي جرائمه من الذاكرة الوطنية الفلسطينية. ولكن كيف سيكون التعامل مع شارون؟ كثيرون من كبار ساسة العالم، ومن بينهم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قالوا إنهم "يحترمون" قرار الشعب الإسرائيلي، في معرض تعليقهم على فوز شارون. وقد سارع الاتحاد الأوروبي وعدد من أبرز زعماء دوله إلى حض شارون على مواصلة عملية السلام والتزام مبادئ مؤتمر مدريد وقراري مجلس الأمن 242 و338. وأعلن الفلسطينيون أنهم سيتعاملون مع شارون "رئيس وزراء إسرائيل" وذكروه بالتزامات إسرائيل بموجب القرارات الدولية والاتفاقات الموقعة معها. يبقى أن غالبية كبرى من الشعب الإسرائيلي اختارت شارون رئيساً للحكومة ل"يحقق الأمن" للإسرائيليين. وسرعان ما سيكتشف شارون ومن انتخبوه أن ذلك الأمن لن يتحقق إلا من خلال تسوية سلمية شاملة عادلة يقبل بها الفلسطينيون. وعسى أن يعي الدرس مبكراً ويختصر طريق الدم والآلام إذا كتب له أن يستمر في الحكم أكثر من سنة أو اثنتين.