الكتاب: فخ الجسد الكاتب: منى فياض الناشر: رياض الريس للكتب والنشر، بيروت. "فخ الجسد - تجليات، نزوات وأسرار" كتاب لمنى فياض يعبر عن المخزون التراكمي في ذات الكاتبة. مخزون يخرج الى الكلام ليؤسس أطروحة مفيدة - تفيد في تفسير معنى الجسد - جسد الانسان وقدرته على رسم واقامة كل أشكال الحياة. يشكل الكتاب اختراقاً للركود السائد في مجتمعنا، الركود الذي يعكس التفاصيل التقليدية التي نواجهها كل يوم ولا يلامس النواحي الحساسة - التي تخاطب الأعماق الجوانية للذات الانسانية. ويصف الكثير من الهواجس - التي هي في الأساس واقع حسي يعيشه الانسان، ولكنه، في أحيان كثيرة، لا يستطيع تفسيره أو شرحه، لأسباب منها الواقع الذي يفرض الممنوعات، والتربية. تقسّم فياض كتابها الى أقسام وفصول تبدأ بتفسير الجسد المتغير من خلال اطلالة على تفاصيل حياتية وتاريخية وثقافية رأت فيها ضرورة لتوسيع الشرح والمعنى. وفي كل فصل من فصول كتابها اعتمدت المؤلفة على منهجين تعريفي ومعرفي في آن للوصول الى المعنى وتكثيف الوصف والشرح، والاستشهاد بالكثير من الوقائع الحياتية والتاريخية والانسانية. وهذا التناسل الذي بدا واضحاً بين فصول الكتاب أعطى خطاً مستقيماً ثم تصاعدياً بمعنى أن تقسيم فصول الكتاب جاء متناغماً، تراتبياً، من أجل تحقيق غاية القول. ترى المؤلفة ان الجسد ما زال في مهب الاحتمالات التفسيرية إذ "لا شيء أكثر غموضاً بالنسبة الى الانسان من كثافة جسده نفسه. وكل مجتمع يحاول أن يعطي اجابته الخاصة على هذا اللغز الأصلي الذي يتجذر فيه الكائن. يبدو الجسد بديهة خالصة، لكن اليقين يكون أحياناً أقصر الطرق الى الغموض. فلكل ثقافة رؤيتها الخاصة للعالم ترتسم عبرها معرفة فريدة حول الجسد، تعطيه معنى وقيمة". ص 34 يمكن القول في هذا السياق، ان الابداع الانساني، بكل أشكاله وفنونه، والذي تناول الجسد كمادة جاذبة وتفسيرية يعطي الجواب الواضح على ما تقصّدت قوله الكاتبة. وتكاد تكون "لغة الجسد" في أغلب النصوص الابداعية، التي كُتبت في فترات زمنية مختلفة بمثابة الصور المتضاربة. فالمرض "ليس وحده الذي يثير احساسنا بالجسد، فالقلب والمعدة والرئتان وغيرها، تثير الانتباه بمعزل عن المرض. هناك وضعيات في حياتنا العادية تجعلنا نشعر بجسدنا بطريقة مشابهة". ص 144 و"الألم ليس عكس اللذة، بل هو كاللمس، فحتى السطحي منه يكون في موضع يقع تحت حافة سطح الجلد الظاهر". ص 145 و"الجسد اليومي المعتاد والطيع في الأوقات العادية بحيث لا نكاد نشعر بوجوده، يبرز فجأة غريباً عنا وفي الوقت نفسه أكثر قرباً منا من أي وقت مضى". ص 146 كل هذه الاستنتاجات قطفتها المؤلفة أثناء قراءتها للجسد المتألم. واذا اخذنا العلاقة بين رجل وامرأة نجد مصطلحات كثيرة حب، عاطفة، غرام، عشق تتعانق لتؤلف دلالة واضحة، نابعة من شعورين أي من جسدين. والمؤلفة دخلت الى هذه الدلالة من فصل "النساء والحب" واكتشفت "ان أكثر ما تشكو منه النساء هو غياب الدعم العاطفي لدى الرجل وكأنه يفضل ألا تكون المرأة مسموعة أو مرئية"... ص287، وتتساءل فياض "هل يمكن النظر والحال هذه الى ان عدم تحدث الرجل الى المرأة كندّ قد يكون بالنسبة الى الرجل وسيلة للهيمنة على العلاقة؟ لكن معظم الرجال لا يظهرون منفتحين مع زملائهم أو اصدقائهم الذكور أيضاً، ربما كان المقصود هنا الحفاظ على موازين القوى: ان تكشف عما في نفسك، يعني أن تجازف بإعطاء الآخر "تفوقاً" عليك، كما ان ابداء انفعالاتك قد يقنعه في الحكم عليكم بالضعف". ص 289 - 290 وتدعم المؤلفة اسئلتها واستنتاجاتها باستشهادات من بحوث تناولت الموضوع، اضافة الى أقوال لنساء تحدثن عن تجاربهن مع الزوج أو الشريك. وفي محصلة هذا البحث الذي يستند الى مفهوم الحب أو العلاقة بين رجل وامرأة، تتكشف أكثر مفاصل في نواحي الجسدين: الذكر والانثى. وخيراً فعلت فياض حين توقفت عند هذا الفصل وتبحّرت فيه لتعطي لموضوعها شمولية، وفي الأمر محاولة جادة لفهم طبيعة الجسد كهيكل ودلالة ومعنى عاطفي. لغة الجسد الصامتة، لغة أكثر حيوية، والانسان يتحسسها جيداً في أغلب أوقاته وظروفه. والعاشق هو الأقدر على فهم لغة الجسد الذي يعشقه. وتحاول الكاتبة الدخول الى هذه اللغة من خلال بعض التفاصيل - التي يعرفها غالبية البشر - لكن بعض الدلالات في هذه التفاصيل تبدو أكثر اتساعاً في "مجهر" البحث، وهذا ما يثير الانتباه أكثر الى فعل الجسد في مساحة العاطفة والحب والغرام. وتصل الى جواب: "الرأي الذي يؤكد ان الجاذبية الجنسية هي جوهرياً جسدية، صحيح، لكن يجب أن نضيف انه تم الوصول الى هذا الجسد لأنه يحمل معنى ذاتياً بالنسبة الينا. هذا الجسد يثير الجاذبية الجنسية لأنه يحمل كماً هائلاً من الاشارات المتوافقة مع الكود الخاص بنا. لا بد من الاشارة هنا الى ان هذا ما ذهب اليه ابن حزم". ص 319