تقول الباحثة منى فياض في معرض التعريف الموجز بكتابها الذي صدر حديثاً عن دار رياض الريس "فخ الجسد" أن "الجسد هو حصيلة آلاف السنين من الأشياء الصغيرة، ولذلك يجب علينا أن نصل الى معرفة جسدنا". وعن تعريفها بالجسد الأنثوي في زماننا الحالي تقول: "الجسد يعتبر سلعة في عالمنا الحالي، وهذا الأمر موجود في الغرب. أما في بلادنا فلا يزال الاحتشام موجوداً". بحث منى فياض يمكن قياسه بالحال الأوروبية إذ انها ومنذ أن انتهت المجتمعات الأوروبية التقليدية من الأفكار والعادات المتحفظة التي ادت وسيطرت على طبيعة العقل الأوروبي في القرنين الثامن والتاسع عشر وتخلصت منها، دخلت الى القرن العشرين بأفكار اجتماعية جديدة عبر عنها الانفتاح الحضاري والثقافي. دخلت هذه المجتمعات الى شكل جديد وثوري من أشكال المعرفة ودراستها، وخصوصاً ما يتعلق بالذات ومحتوياتها ومنها الجسد، وقد تغير النمط التقليدي "الريفي" الذي كان يتحكم بالعلوم المعرفية التي تعتبر الانسان الأداة أو الحقل المعرفي الوحيد لنموها وتطورها، وهي العلوم الانثروبولوجية التي دخلت الى باطن الانسان من بوابته التي تمثلت بالجسد، وقد نجحت هذه العلوم في تفكيك أو تجزئ الجسد وتحديد وظائف اعطائه جميعها ووصفت نفسها في خدمة هذه الوظائف المتعددة التي تعني في ما تعني تحركاتها وانسجامها مع نفسها ومع هذا الجسد الذي فسرت لنا الانثروبولوجيا السبل التي تتيح لنا معرفته بكل ما فيها من تعقيدات وارتباطه - أي الجسد - بالحضارة والثقافة الشمولية التي لا تختلف مع المعنى الاسطوري الذي رافق الجسد منذ تشكله وبداياته. في العالم العربي بقي الاعتماد على أدوات المعرفة الغربية والتفاسير الغربية عن الجسد، وتلك المفاهيم التي تناقلتها الأساطير عنه. ولم يخرج الجسد في العالم العربي من حيز الدراسات الأكاديمية وهذا ربما جزء من الحفاظ على التقاليد التي تعيشها المجتمعات العربية في واقعها القليل التحولات والثورات. حتى كتاب فياض تمت كتابته على أسس اكاديمية، وهي أعطت في كتابها صورة مستوردة عن الجسد فلم تدخل في الجسد الشرقي ومكانته في المجتمعات العربية التي تحكمها مجموعة من الأفكار المتحفظة والمتزمتة التي تمنع الاقتراب من الجسد على أساس أن الحديث عنه وعن خصائصه يعتبر كلاماً بالغ الحساسية ويجب أن يتم بحذر. في مقابل هذا التحفظ الذي اخترعته الايديولوجيات الدينية نجد أن هذه الايديولوجيات سلكت مساراً خاصاً في تعريف الجسد والحفاظ عليه وتهذيبه. فقد ورد في السنّة النبوية "لجسدك عليك حق" وتجلت الحكمة والفلسفة الدينية في الدعوة الى احترام الجسد، والحفاظ عليه نظيفاً، بالوضوء والنظافة الدائمة، والحفاظ على الجسد جزء من الإيمان حين يتم بهذا الشكل ولا ينفصل هذا الواجب عن بقية الواجبات بل هو يعتبر ركيزة لها. وتعاملت العقائد السماوية جميعها مع الجسد باحترام مما يفرض أن للجسد مكانة خاصة، ولكنها ركزت على نظافته ولم تلتفت كثيراً الى النواحي الحساسة فيه، وتقول فياض "صحيح أن الوضوء جسدي ونظافة للجسد واحترام له، لكنه حال طقسية جداً، وهو ليس كل النظافة، الطهارة مقدسة ولكنها ليست ماء وصابوناً فقط". والرسائل السماوية أدخلت في مفاهيمها حول الجسد عناصر الاروسية بينما تعاملت بقية الأديان مع الجسدي في شكل مختلف لا تدخل فيه الاروسية أبداً. وفي هذا الجانب الحساس من ناحية طرحه في عالمنا العربي، تشير فياض الى أن الاروسية موجودة في شكل شرعي في الزواج لأنه زواج مبنيٌ على التمتع. وتجد في النصوص مثلاً التسميات المباشرة للأعضاء الجسدية ذات الوظائف الجنسية. ومفهوم الزواج يختلف بين دين وآخر. بعض الأديان تفضل عدم استخدام الاروسية سوى للانجاب فقط، بينما في الأخرى فإن من واجب الزوجة امتاع الزوج. هذا ما تقوله الكاتبة وهذا ما لم تكتبه وتدونه وتبحث في تفاصيله داخل كتابها. فالكتابة في تجليات الجسد عند فياض لم تكن كافية ولم تستوف الشروط المجتمعية العربية إذ أنه غيبت في بحثها حول الجسد الجزء الأهم الذي يحكمنا في هذه المنطقة من العالم، حيث النقاش كان يجب أن يكون حول موضوع الجسد في عالمنا العربي وتجلياته شاملاً الجوانب الدينية والاجتماعية التي أقصتها الكاتبة جانباً ولم تدخل في تفاصيلها أبداً، وهي دور الدين في تعريف الجسد، وربما خوفاً من منع الكتاب أو إقامة حملات ضده. ولو أن منى فياض أدخلت في مضمون كتابها هذا الاشكاليات التي نعيشها حالياً في عالمنا العربي وأعطت لمحة تاريخية وتراثية جعلت مراجعها أمهات الكتب العربية وهي كثيرة لكانت أعطت كتابها بعداً آخر ونتائج ايجابية أكثر تتوافق مع عقل أو ذهن القارئ العربي الذي توجهت اليه في كتابها. ولكنها فضلت أن يكون كتابها غربياً بمعنى أنها نهلت معارفها حول الجسد ممّا كتب ودوّن في الغرب قبل مئة عام تقريباً وهي معارف حتى لو كانت متداولة اليوم لا تعطي سوى اساسيات حول الجسد والتنظير حوله فيما التعامل مع الجسد اليوم في الغرب أخذ بعداً آخر ومختلفاً بعيداً من المفاهيم الأولى التي اعتمدتها في كتابها.