عاش المثقف العربي الهزيمة، وتجرع مرارتها وعانى انعكاساتها النفسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وحاصره هذا الواقع المأسوي، وأدخله في دوامة من الصراع في كيفية التعامل مع هذا الواقع من جوانبه المختلفة، وخرج المثقف العربي من ذلك الصراع منقسماً. ولست هنا بصدد التحدث عن تنوع وانقسامات وتباينات المثقفين العرب في تعاطيهم مع هذه القضية القضية المركزية. بل أود التعرض لقسم منهم وهم من يحملون في رؤوسهم ثقافة الانهزام، ويسمون انفسهم بالواقعيين. وأقول لهم إن ما حدث منذ النكبة وحتى النكسة الهزيمة من تراكمات وخسائر فادحة لا يعني ان لا جدوى من مقاومة الاحتلال، وأن علينا ان نقبل بما يعرض علينا مهما كان مجحفاً لكي لا نضيع الفرصة التي قد لا تتكرر. إن رغبتكم في كسب أي شيء، وبأي طريقة بسبب عقدة تضييع الفرص، التي رسخها في عقولكم الإعلام الصهيوني جعلتكم تتبنون فكراً انهزامياً شعاره الواقعية والتعايش والسلام، مصورين الآخرين أنهم أعداء السلام، متناسين عنصرية الصهاينة وعدم رغبتهم في السلام الحقيقي. فهم يريدون أمنهم وسلامهم في مقابل استسلامنا وتخلصهم من بعض المناطق والأراضي التي لا يشعرون فيها بالأمن. فهل تعني الواقعية التنازل عن الحقوق العربية المشروعة من الأراضي والمقدسات واللاجئين؟ فعندها يقولون نعم لمبادرة كلينتون قبل فوات الأوان، ما يعني التنازل عن القدس واللاجئين بثمن بخس لا يقبله عقل ولا دين ولا ضمير! وأي سلام هذا الذي يبشرون به بعد التنازل عن جوهر القضية. إنه سلام زائف غير قابل للاستمرار. ولا أدري لماذا يطلبون منا الاستسلام والذل والهوان؟ وكأن الشعب الفلسطيني شعب عاجز ويختلف عن الشعوب التي ناضلت حتى نالت حريتها! أبحجة الواقعية نضيّع الحقوق؟ وإذا تحدثنا بمنطق الواقعية المقبولة وسألنا انفسنا: كيف نهزم هذا الكيان المغتصب؟ فسنجد ان إسرائيل دولة محتلة غريبة عن المنطقة وتتمتع بقوة عسكرية واقتصاد متين، تدعمها اكبر قوة في العالم، وتتبع سياسة الاستيطان لتكريس احتلالها، ولجعل خروجها من المناطق المحتلة امراً صعباً. هذا صحيح. ولكن الواقعيين أغفلوا ان نقاط القوة تلك هي نفسها تتحول الى نقاط ضعف تحت ضربات المقاومة، بشرط أن تستمر المقاومة والانتفاضة، وتحظى بدعم عربي وإسلامي. وسنرى الدعم الأميركي والأوروبي يتراجع. فها نحن نسمع اصواتاً تطالب بخفض المساعدات الأميركية لإسرائيل. كما سمعنا ان فرنسا منعت بيع الغازات المسيلة للدموع لإسرائيل. فعندما تشعر الولاياتالمتحدة أن إسرائيل عبء عليها، ولا تؤمن مصالحها في المنطقة، فستغير سياستها مجبرة تجاه إسرائيل. وسنجد ان اقتصادها القوي بدأ ينهار. وأن جيشها القوي المهزوم معنوياً، والمطرود من لبنان لا يستطيع مواجهة الحجر الفلسطيني، وان المستوطنات بدت خالية كما حدث ذلك فعلاً في بعض المستوطنات. وذكرت ذلك بعض الصحف الإسرائيلية. كما ذكرت هذه الصحف أن هنالك من ينادي بإخلاء المستوطنات، بل والتخلي عن القدس. كل ذلك لم يأت بجهود جماعات السلام ولكن بجهود أطفال الانتفاضة. نعم بالمقاومة والانتفاضة المستمرة نتغلب على هذا الكيان، ونستطيع انتزاع كل حقوقنا. والمطلوب ان ينتقل خطاب الكتّاب والمثقفين العرب من مرحلة الانهزام النفسي الى مرحلة المقاومة ودعم الانتفاضة. عبدالله منصور العبيدي - كاتب سعودي