يُعد الدكتور زاهي حواس "الرجل الرقم واحد" في الإدارة المركزية لآثار القاهرة، وتحفل سيرته بتأليف عدد من الكتب والأبحاث باللغتين الانكليزية والعربية، ما يؤهله لامتهان الكتابة والتأليف. وعلى رغم أن اسمه ارتبط في أذهان كثيرين بكلمات ثلاث هي: خوفو وخفرع ومنقورع، إلا أن "وادي المومياوات" هو الكشف الأثري الأهم في ذهنه الآن، وقد أعلن مرحلته الأولى عام 1999، والثانية العام الماضي، ويتوقع أن يعلن الثالثة هذا العام، ما أضاف إلى اسمه كلمتين جديدتين. وفي كتابه الأحدث "وادي المومياوات الذهبية" - الذي صدر قبل أسابيع - وضع حواس خلاصة خبرة تزيد عن ثلاثة عقود لشرح الوادي وعرضه وتصويره، ويتوقع أن يحوي نحو عشرة آلاف مومياء تعود إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وتحديداً أثناء خضوع مصر للحكم الروماني. وأبلغ حواس "الحياة" أن الحفائر المصرية في الواحات البحرية كشفت عن وادٍ للمومياوات في الموسم الأول عام 1999، عُثر فيه على أربع مقابر. وفي الموسم الثاني، أيار مايو الماضي، عثر على سبع مقابر، وكان المجموع 207 مومياوات، أغلبها مغطى بالذهب وفي حال جيدة جداً، "وهي المرة الأولى التي يعثر على هذا العدد الضخم من المومياوات في مكان واحد". ويتحدث حواس عن هذا الكشف، وتلمع عيناه، كأنه يحكي عن أحب الناس وأعز الذكريات الى نفسه، ويقول: "عثرنا على عقود وأساور وأوان في المقابر، وعرفنا أن المقابر لأثرياء كانوا يتاجرون بالنبيذ، وهو ما مكنهم من طلاء المومياوات بالذهب الخالص". ويعرج على الكتاب الذي طبع في خمس لغات، وهو يترجم إلى العربية، فيقول: "كتبت في مقدمته عن اهتمامي بالآثار، والحفائر وضرورة تأسيس مدرسة مصرية في الحفائر، خصوصاً أن بعثات مصرية خالصة كشفت اثنين من أهم الاكتشافات الأثرية في العالم، الأول مقابر بناة الاهرام، والثاني وادي المومياوات". ويؤمن حواس، بقوة، بأن ما اكتشف من آثار في مصر لا يتعدى 30 في المئة من المدفون منها. ويقول: "الصحراء مملوءة بالآثار التي لم تكتشف بعد. في وادي المومياوات الذهبية، أخرجنا 207 مومياوات من مجموع عشرة آلاف، وقياساً الى هذا الكشف وغيره أؤكد أن 70 في المئة من الآثار المصرية ما زالت في باطن الأرض". اختيار جينات الفرعون القديم! ولكن ماذا عن أهم المومياوات وأشهرها على الإطلاق: توت عنخ آمون؟ تسأل "الحياة" حواس عما كتب عن خضوعها لاختبارات وفحوص جينية لمعرفة معلومات تتعلق بحقيقة جنسه وأصله الإثني، فماذا حدث في هذا الصدد؟ فيرد: "لم ينفذ ذلك، وكان الغرض إجراء اختبارات لمعرفة الحامض الوراثي ، إلا أن المومياء في حال ضعيفة". ويبدو من لهجته عدم رضاه شخصياً عن مثل تلك الاختبارات، وتفصح له "الحياة" عن هذا التكهن، فيقول: "أبعاد الاختبارات لم تعرف بعد على المومياوات". ولكن هل يعني توجساً أن خضوعها للاختبار قد يعرضها للضرر؟ ينفي حواس ذلك، ويقول: "في حال مومياء توت عنخ آمون الضعيفة لا يستحب خضوعها لاختبارات، وتلك المومياء تعرضت لتجريحات كثيرة، حتى أن عملية إخراجها من التابوت قد تعرضها للضرر". وتسأله "الحياة" عن الجدل القائم على بناة الأهرامات وادعاء اليهود المزمن أنهم من قام بهذا العمل، يجيب: "ليس هناك جدل، فالمسألة محسومة، لكن هناك لغطاً، والمؤسف أن قلة من المصريين تسهم في ذلك". ويذكر اسم أحدهم، وهو مقيم في لندن، ومن المساهمين في الترويج لهذه النظرية. ويضيف: "كلمة "هرم" ليست مشتقة من الكلمة العبرية "رام" كما يدعون، فهي تطلق على الرجل المسن، وفي اللغة المصرية القديمة كان البناء الهرمي يسمى "مر" ، ثم أن "هرم" لا تعني "صرحاً" لأن لكل منهما مفهوماً مختلفاً في العمارة المصرية القديمة. أما ما يتعلق ببناء اليهود صرح فرعون تحت إشراف هامان، فليس موجوداً في الآيتين الكريمتين: "وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين"، وكذلك: "ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون". إذاً لا ذكر لاشتراك اليهود في بناء هذا الصرح". ويمضي حواس في تفنيده ادعاءات اليهود بقوله: "إن الاهرامات في مصر القديمة كانت مدافن للملوك منذ الأسرة الثالثة إلى بدايات الدولة الحديثة، وهي بذلك ليست مباني تشيد لأغراض ظرفية، ومن غير الثابت أن طلب فرعون تشييد الصرح كان غرضه منازلة إله موسى". ويضيف: "ان علماء المصريات يؤمنون بأن المصري القديم لاحظ سقوط أشعة الشمس على شكل هرم يربط بين السماء والأرض، وهو ما دعاه إلى اتخاذ الشكل الهرمي لدفن الملك في أسفله، ووفقاً لما هو مدون في نصوص الأهرام، فإن الملك سيرتقي على درجات الشكل الهرمي ليصعد إلى السماء". اليهود ليسوا بناة الأهرام ويؤكد حواس "أن اليهود لم يكن لهم وجود في مصر إطلاقاً خلال الدولة القديمة، وهو تأكيد مبني على دلائل علمية قاطعة منها عدم وجود اسم واحد له صلة بالعبرانيين، ولا بين الاسماء التي ظهرت في مقابر العمال "بناة الأهرامات" في الجبانة السفلية الخاصة بهم، وجميعها اسماء مصرية خالصة". وترتفع نبرة الغضب في حديث حواس، وهو يشير إلى ما كتبه "أحدهم" في "صحيفة عربية" قبل أيام، وقوله إن أحد رؤساء هيئة الآثار السابقين لا يرى أن مقابر العمال "بناة الأهرامات" لها صلة بالعمال، إنما هي مقابر خاصة بحراس الأهرامات، ويضيف بنبرة أكثر غضباً: "لم يلق هذا الرأي صدى لدى المهتمين بالآثار، إذ عُرف عن هذا الشخص دأبه على نسب الحضارة الفرعونية ورموزها إلى العبرانيين. إنها ادعاءات مستمرة، وحين كشفت مقابر العمال بناة الأهرامات، كتبت صحيفة "هاأرتس" الإسرائيلية أن الكشف عن تلك المقابر أثبت أن اليهود ليسوا بناة الأهرامات، لكنهم ابتدعوا قصة جديدة هي أن المصريين الحاليين لا علاقة لهم بالفراعنة". ولكن ما علاقة المصريين الحاليين بالاكتشافات الأثرية؟ ولماذا تسيطر البعثات الأثرية الأجنبية على المساحة الكبرى من التنقيب في مصر؟ وما سر المعارك الجدلية التي تثار بين الحين والآخر في شأنها؟ وتجيء إجابة حواس هذه المرة هادئة، فيقول: "النظام يحل كل المشكلات. يجب أن تكون هناك قوانين منظمة لعمل البعثات الأجنبية. فهناك بعثات تنقب منذ عشر سنوات من دون نشر تقرير عن حفرياتها، والكثير منها اكثر حرصاً على آثارنا منا". وتسأل "الحياة": هل السماح لطوائف دينية معينة بإقامة شعائرها عند سفح الأهرامات أمر لا غبار عليه؟ فيرد حواس: "هذه ليست طوائف دينية". ويؤكد أن الإنسان، في العالم كله، في العصر الحديث يلجأ إلى "التأمل"، هرباً من ضجة الحياة الحديثة. و"أولئك الذين يحضرون إلينا يأخذون من سفح الأهرامات مكاناً للتأمل". وهناك طوائف مثل "الروزا كروشن" يعتقد أفرادها أنهم عاشوا في مصر قبل خمسة آلاف عام، وهناك إدغار كيسي الذي يعتقد أن بناة الأهرامات من قارة "أتلانتس". لكن هناك أقاويل تثار على أعمال غريبة تقوم بها مثل تلك الفئات عند الأهرامات، وهو ما يؤكده حواس: "نحن نفتح الأهرامات للجميع، ولكن في كانون الأول ديسمبر الماضي نمي إلينا أن جماعات معينة تخطط للانتحار من فوق الأهرامات، فأغلقناها. وقد وقعت حوادث مشابهة من قبل، إذ زارني شخص ألماني في مكتبي قبل سنوات، ثم توجه إلى برج الجزيرة وانتحر من فوقه لاعتقاده أن روحه ستدخل الهرم". وكان لا بد من التطرق إلى احتفال - أو بالأحرى "معركة" - مصر بالألفية الجديدة آخر عام 1999، وما أثير على وضع الهُريم الذهب على قمة الهرم، وما لذلك من دلالات ماسونية وغيرها، فيقول حواس: "إشاعات مغرضة أثارها البعض لزرع البلبلة، ولو كنا وضعنا الهريم لكانت دعاية مذهلة لمصر وللمصريين ولحضارتهم". ولما كان المصريون والعرب عموماً يأتون في ذيل قائمة المهتمين بالحضارة المصرية القديمة وآثارها، تسأل "الحياة" حواس عن السر، فيجيب: "بعض الجهلة يعتقد أن الآثار الفرعونية حرام، كيف تكون حراماً وأصحابها هم أول من توصل إلى فكرة الإله الواحد، وتلك الحضارة العظيمة، والسبب أن القائمين على التربية والتعليم والإعلام فشلوا في تعليم أبنائنا قيمة تلك الحضارة، حتى الأفلام التي تنتج عن الحضارة المصرية القديمة مملة على عكس الأفلام الأجنبية، وحين تسأل طفلاً أجنبياً في الثامنة من عمره عن مصر، سيسرد قائمة طويلة تشمل الأهرامات وأبا الهول والمومياوات". إلا أن حواس يعترف ببزوغ اهتمام بالحضارة المصرية القديمة في مصر خلال السنوات العشر الماضية، ويقول: "علينا تغيير المناهج الدراسية، وتشجيع العرب على زيارة آثارنا، وبناء دار عرض مجسمة لعرض الأفلام الأثرية المجسمة التي تُشعر المشاهد أنه في داخل الأثر فعلاً". - بطاقة تعريف ولد زاهي حواس في دمياط عام 1940. التحق بجامعة الاسكندرية لدراسة الحقوق، ثم تحول الى الآداب بهدف دراسة الآثار، وتخرج عام 1967. حاز "ماجستير" في الآثار من جامعة بنسلفانيا الاميركية 1983 ثم دكتوراه فلسفة في الآثار المصرية من الجامعة نفسها عام 1987. عمل مفتشاً للآثار ثم عين كبيراً لمفتشي آثار الاهرامات 1980 ومديراً عاماً لآثار الجيزة 1987 وأخيراً وكيل وزارة ورئيساً لآثار الجيزة. اشرف على عمل عدد من الحفريات والترميمات المهمة. الف مجموعة كبيرة من الكتب عن علم الآثار، وترجمت كتبه الى لغات عدة. يكتب في انتظام في عدد من المطبوعات بينها جريدة "الاهرام" اليومية. وعمل في سلك التدريس في عدد من الجامعات المصرية والاميركية. حاز مجموعة من المنح والتكريمات تقديراً لانجازاته، ولعل أبرزها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى من الرئيس حسني مبارك لإشرافه على ترميم تمثال أبو الهول لمدة عشر سنوات، وكان ذلك عام 1998.