تضم مصر خمس واحات رئيسية هي: الخارجة والداخلة والفرافرة تقع حالياً في محافظة الوادي الجديد وواحة سيوة تتبع محافظة مطروح، وأخيراً الواحات البحرية التي تقع في نطاق محافظة الجيزة. واهتم حكام مصر طوال التاريخ المصري القديم بهذه الواحات اهتماماً كبيراً، ولعل خير شاهد على ذلك هذا العدد الكبير من الآثار التي تضمها وتتراوح بين مدن سكنية وجبانات ومعابد وغيرها. كذلك استمر هذا الاهتمام طوال العصور اليونانية والرومانية والقبطية والاسلامية. وكلمة "واحة" كلمة مصرية قديمة هي "وحات" ومعناها "قِدر" أو "مرجل"، واستخدم اللفظ للدلالة على شيء أجوف يحتفظ بالسوائل، ويطلق على الواحة نظراً الى أن الواحات تقع عادة في سهل تتوافر فيه المياه. وقد يكون في هذا خير تفسير للفظ الإنكليزي OASIS والدال على أي منخفض من الأرض الصالحة للزراعة في منطقة صحراوية. وقد تكون كلمة واحة آتية من الكلمة المصرية القديمة "وحا" بمعنى "محجر" أو من كلمة أخرى هي "حيت" أي "مجمع سكني". وورد في نصوص معبد "إدفو" ذكر سبع واحات من بينها الواحات البحرية. وإذا رجعنا الى مصادر التاريخ المصري، نجد أن أقدم ذكر للواحات في النصوص المصرية القديمة يعود الى عصر الدولة القديمة وتحديداً عصر الأسرة السادسة 2345 - 2323 ق.م، إذ ذكر حاكم اسوان المدعو "حرخوف" في عهد الملكين "بيبي الثاني" و"مري إن رع" أنه سلك طريق الواحات. ونالت الواحات جميعها اهتماماً واضحاً في عصر الاسرة الثانية عشرة 1985 - 1795 ق. م حيث أوكل أمر الاشراف عليها الى موظفين كبار أمثال الوزير "منتوحتب" في عهد الملك "سنوسرت الأول" 1965 - 1920 ق. م، كما ظهر لقب المشرف على الصحراء الغربية. تقع الواحات البحرية على بعد حوالى 335 كم غرب الجيزة، وكانت تعرف في اللغة المصرية ونصوصها باسم "جسجس" وجاء ذكرها في المصادر العربية باسم "واح البهنسا" على اعتبار ان قرية البهنسا إحدى قرى محافظة المنيا في وسط الصعيد المصري كانت تقع على رأس الطريق الذي يربط الواحات البحرية بوادي النيل، وتبعد عن القاهرة حوالى 420 كيلومتراً. تضم الواحات البحرية العديد من المناطق الاثرية من العصر الفرعوني والعصور التالية، من أهمها منطقة "القصر" التي عثر فيها على معبد من عهد الملك "واح ايب رع" أحد ملوك الاسرة السادسة والعشرين، كما عُثر على آثار آخرى لملوك وافراد من عهد هذه الاسرة صاحبة عصر النهضة في مصر القديمة. ومن أهم آثار الواحات البحرية ايضاً اطلال معبد الاسكندر الأكبر الذي يقع في منطقة تعرف باسم "قصر المقيصبة"، وهو من المعابد الفريدة ومشيد من الحجر الرملي واضافات من الطوب اللبن، وتمثل نقوش المعبد الاسكندر الاكبر مقدماً القرابين للآلهة المصرية سوف يُفتح للزيارة قريباً. كذلك توجد في "عين المفتلا" قرب "القصر" مجموعة من المقاصير المكرسة لعدد من الآلهة المصرية القديمة مثل "آمون" و"موت" و"خنسو" ثالوث طيبة الشهير وغيرها، وأقامها أحد الكهنة في عهد الملك "احمس الثاني" أمازيس من عصر الاسرة السادسة والعشرين الصاوية 672 - 525 ق. م وتعد سجلاً مفتوحاً لعدد كبير من الآلهة والإلهات في عصر هذا الملك الذي صُور مقدماً القرابين لعدد كبير من هذه الآلهة المختلفة والمتنوعة. ويقع موقع الاكتشاف الاخير المثير، والذي عُرف ب"وادي المومياوات الذهبية"، على بعد ستة كيلومترات من منطقة الباويطي التي تعرف باسم "منطقة الكيلو 6" على طريق الواحات البحرية - الفرافرة، في مساحة لا تقل عن عشرة أفدنة، حيث اكتشفت جبانة رومانية ضخمة مليئة بالمومياوات. ويعد هذا الكشف الاهم منذ اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي "توت عنخ آمون" في العام 1922 على يد المكتشف الانكليزي هيوراد كارتر 1873 - 1939، ثم اكتشاف مقبرة "أبناء رمسيس الثاني" المقبرة رقم 5 في وادي الملوك في الاقصر على يد عالم الآثار الاميركي الدكتور كنت ويكس. واكتشاف "وادي المومياوات" حققته بعثة مصرية برئاسة الدكتور زاهي حواس. وأغلب مقابر "وادي المومياوات" منقورة في الصخر الطبيعي، وهو من الحجر الرملي الذي يميز تلك المنطقة من الناحية الجيولوجية، وتختلف من حيث حجمها واتجاه مدخلها وطرق الدفن العديدة التي اُتبعت فيها. ولعل اكبر المقابر المكتشفة الى الآن تلك المعروفة ب"مقبرة 5" وابعادها 75 متراً طولاًً و40 متراً عرضاً، ومدخلها عبارة عن درج هابط الى داخل المقبرة ووضعت المومياوات يميناً ويساراً فوق مصاطب يبلغ ارتفاعها حوالى 40 سم. وفي هذه المقبرة الكبيرة كُشف عن حوالى 52 مومياء لرجال ونساء واطفال. وعلى رغم اتساع هذه المقبرة، فإنها لم تكن على ما يبدو كافية لاحتواء هذا العدد الكبير من المومياوات، لذا وضعت فوق بعضها البعض، وأحياناً على أرضية المقبرة، ما يشير الى أن هذه المقبرة كانت جماعية تحوي مومياوات سرة واحدة أو سر عدة. ونتج هذا الازدحام بسبب تراكم الدفن فيها عبر العصور والأزمنة المتتابعة. ونظراً إلى تفتت الصخر الرملي في المنطقة، حدثت انهيارات لمعظم سقوف المقابر الموجودة في المنطقة، خصوصاً في العصور القديمة. وأدى هذا التفتت - أغلب الظن - إلى تحطم او تهشم بعض المومياوات بخاصة اقنعتها واغطيتها "والكارتوناج" الحافظ لها، وكذلك اللفائف الكتانية، إلا أن معظمها في حال جيدة تماماً. وخلال تلك الحقبة، وعلى رغم وقوع مصر تحت الحكم البطلمي ومن بعده الحكم الروماني، نجد أن البطالمة الاغريق في الاصل بدأوا الاقلاع عن حرق جثث موتاهم، وكذلك فعل الرومان من بعدهم، ما يظهر قوة تأثير المعتقد المصري والممارسة المصرية له، وقوة النموذج المصري وجاذبيته. فقد أُخذ بالتحنيط خلال العصر اليوناني - الروماني 323 - 395 ق. م من قبل جميع شرائح المجتمع آنذاك، وأدى هذا الى زيادة عدد المومياوات بسبب زيادة عدد السكان واقبالهم جميعاً على تحنيط جثثهم على الطريقة المصرية. والشيء الملاحظ على هذه المومياوات هو عادة تذهيب الجسد التي تبدو من خصائص العصر اليوناني - الروماني، وهي عادة كانت قاصرة على الاعيان ولم تكن وقفاً على البالغين فقط، إذ كثيراً ما كانت تتبع مع مومياوات الاطفال وفقاً لاعتقاد ديني. فالذهب هو "لحم الآلهة" إيوف نثرو ومن ثم فإنه يمنح المتوفي صفة إلهية تحميه من العقاب في مجمع الآلهة في العالم الآخر. ومن أهم ما يلفت النظر في تلك المومياوات طريقة لفها بالكتان بعد انتهاء عملية التحنيط، والتي بلغت شأناً عظيماً خلال هذا العصر، فكانت اللفائف ضيقة جداً في الغالب يبلغ عرضها سنتيمترين فقط وكانت تنسج خصيصاً لهذا الغرض، الامر الذي سمح بتكوين نماذج هندسية معقدة كالمعين أو المربعات أو "السلالم"، ويزيد من جمالها الزخرفي استخدام ألوان متنوعة لا سيما الابيض والاسود والاحمر، وفي وسط هذه النماذج توضع في الغالب رصائع من الجص المذهب. وتغطي وجوه بعض هذه المومياوات اقنعة جصية مذهبة، ويهبط هذا القناع الجصي حتى الصدر وقد صورت عليه المناظر الدينية التي تمثل آلهة العالم الآخر وطقوس تقديم القرابين. وعلى هذا لم تختف التوابيت الخشبية التي شكلت في هيئة آدمية، مع الوضع في الاعتبار تناقصها خلال هذا العصر. وهي عموماً على هيئة صندوق وذات غطاء مسطح او مستدير او جمالوني، ويمكن أن يكون التابوت مزخرفاً او غير مزخرف من الداخل أو من الخارج. ومن ضمن المناظر المصورة على التوابيت الخشبية التي عثر عليها في هذه الجبانة، مناظر محاكمة المتوفي أمام آلهة العالم الآخر. ومن الملاحظ أن الفنان اعتاد التمييز بين مومياء الرجل ومومياء المرأة بتمثيل الثديين على الصدر من الجص ببروز واضح، وذلك في حال ما إذا كانت المومياء مزخرفة وملونة. فقد عُثر على عدد كبير من المومياوات التي تخلو تماماً من عنصري الزخرفة والتلوين حسب طبقة المتوفي الاجتماعية. وتم دفن المومياوات بطرق مختلفة. الطريقة الاولى هي وضع المومياء على مصطبة حجرية، والثانية دفنها داخل تابوت خشبي غُطي سطحه الخارجي بالجص الملون باللون الاصفر، وعلى هذه الأرضية الصفراء تم تنفيذ الزخارف الجنائزية والدينية ومنها هيئة الإله "انوبيس" حامي الجبانة. وهناك طريقة ثالثة تتمثل في الدفن داخل توابيت من الفخار الملون، وتأخذ هذه التوابيت الشكل الآدمي خصوصاً عند منطقة الرأس، وتمثل على الغطاء الفخاري ملامح رأس ووجه المتوفي، وهي توابيت اسطوانية وآدمية الشكل، ويعتبر النموذج الذي تم الكشف عنه من أجمل هذه التوابيت وأرقاها. والى جانب المومياوات، عُثر على العديد من الآثار المرتبطة بعملية الدفن مثل أواني القرابين الفخارية والخاصة بالنبيذ والعقود المصنوعة من الفيانس الازرق القاشاني والفخار والاحجار نصف الكريمة، فضلاً عن عدد كبير من التمائم وأغلبها يحمل رموزاً وشارات تمائمية حامية للمتوفى في رحلته الى العالم الآخر. ولعل افضل ما عُثر عليه الى جانب المومياوات الذهبية بالطبع هذا العدد الكبير من العملات البرونزية الجميلة، وهي التي أعطت الجبانة تاريخها بنهاية العصر البطلمي في مصر، اي اواخر القرن الاول قبل الميلاد وبداية العصور الرومانية في مصر الى نهاية القرن الثاني الميلادي، ما يعطي الجبانة عمراً مقترحاً لا يزيد على آلفي عام من تاريخنا الحالي ولا يقل بأية حال من الأحوال عن ألف وثمانمئة عام من التاريخ المعيش أيضاً. وسيستمر العمل في الموقع سنوات طويلة ومواسم عدة حتى يمكن الكشف عنه كاملاً. ومن المتوقع أن يصل عدد المومياوات في هذه الجبانة إلى حوالى عشرة آلاف مومياء لتصبح بذلك اضخم جبانة أثرية في مصر إلى الآن.