مرة أخرى تقع أفغانستان ومنطقتها تحت الأضواء الكاشفة، إثر القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي باقتراح أميركي - روسي من أجل فرض عقوبات جديدة على حركة طالبان. وذلك لرفضها تسليم الثري العربي أسامة بن لادن المتهم أميركياً بالوقوف وراء تفجير سفارتيها في أفريقيا الوسطى قبل عامين. لكن المراقبين يرون أن هذه العقوبات التي طبقت على طالبان موجهة بالأصل الى باكستان التي تعد الحليف الأساسي للحركة الافغانية، كما تعترف بها رسمياً. وهذه العقوبات التي تحدّ من سفر مسؤولي الحركة سيكون عسيراً على باكستان تطبيقها إذ يتحتم عليها يومياً التدقيق في هوية عشرات الآلاف من الأفغان العابرين لحدود يصل طولها إلى 2500 كم سبق لبريطانيا في أوج قوتها ان عجزت عن التحكم بها. ويأتي منع توريد السلاح إلى طالبان ليتيح الفرصة للمعارضة الأفغانية بزعامة أحمد شاه مسعود والمولية لأعداء باكستان الهنود بتلقي مساعدات سخية، الأمر الذي قد يهدد بتراجع الحركة أمام هجماتها. وكان وزير الخارجية الباكستاني عبد الستار تحدث عن تلقي مسعود مساعدات عسكرية ضخمة من دولة لم يسمّها مشيراً بذلك إلى روسيا. وأضاف الوزير الباكستاني أن هذا سيزيد من لهيب الحرب الأفغانية ويدفع بعشرات آلاف الأفغان إلى الهجرة إلى باكستان . و يرى مراقبون أفغان أن مثل هذه العقوبات ستفيد بكل تأكيد المعارضة الأفغانية لجهة السيطرة على مزيد من الأرض، وربما على العاصمة كابول. لكنها قد تفقدها شعبيتها ومصداقيتها أمام الشارع الأفغاني فيما قد تكسب الطالبان الشارع الباكستاني بسبب حب الأفغاني للتحدي والمغامرة. والحال ان هذه هي المرة الأولى التي تعطي فيها الأممالمتحدة شرعية و غطاء دولياً لموسكو بالتدخل في الشأن الأفغاني من خلال دعمها المعارضة بعد أن حرمت طالبان من ذلك. وكانت باكستان طرحت فكرة حظر مشترك على توريد الأسلحة والذخائر على كل من المعارضة و طالبان، بغية دفع جهود السلام الدولية. ويعتق الآن على نطاق واسع أن جهود السلام ستنهار، وهو ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان و أعلنته طالبان بكل وضوح حين أعلنت مقاطعتها للجهود السلمية التي تبذلها الأممالمتحدة واصفةً اياها بأنها "منظمة غير محايدة ولا نزيهة". وتشخص الأبصار الآن إلى حركة طالبان لمعرفة ردة فعلها إزاء هذه العقوبات. فالحركة لديها قاعدة شعبية واسعة في باكستان ممثلة بالمدارس الدينية التي تضم أكثر من أربعة ملايين طالب. ورغم تأكيد السفير الأفغاني في إسلام آباد عبد السلام ضعيف أن الحركة ستواصل سياسة الحد من نشاطات أسامة بن لادن والإبقاء على الحظر المفروض عليه، غير أن المراقبين السياسيين يعتقدون أنها ربما سمحت له بالتحرك وإصدار التصريحات المعادية للسياسة الأميركية. و كانت معلومات رشحت عن تهديدات طالبانية لمسؤولين في المخابرات المركزية الأميركية خلال لقاءات ضمت الطرفين. ويتوقع العديد من المصادر أن تقدم واشنطن وموسكو على توجيه ضربة لمواقع طالبانية ربما دامت شهراً ومهّدت الطريق لتقدم قوات المعارضة بزعامة أحمد شاه مسعود. والبعض يرى ان ذلك قد يمهّد ايضاً لعودة الملك السابق ظاهر شاه المقيم في روما منذ 1973. وفي الحالات كافة، يتخوف المراقبون من تداعيات خطيرة تلي العقوبات الدولية على طالبان وقد تتمثل في تدفق أكثر من مليون مهاجر أفغاني: إذ أن مصادر المفوضية العليا للمهاجرين الأفغان في إسلام آباد أكدت ل "الحياة" أن عدد المهاجرين الذين عبروا الحدود الباكستانية - الأفغانية خلال الأشهر الأربعة الماضية يتجاوزون المائة ألف مهاجر. كما يتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى المليون خلال الأشهر المقبلة. وتقف المؤسسات الدولية المانحة والإغاثية عاجزة عن التخفيف عن آلام الشعب الأفغاني بسبب لامبالاة المانحين وفقدانهم الاهتمام بالشأن الأفغاني. كما يبدو أن المأساة تضاعفت، بحسب التقارير التي تواترت عن مجاعة تضرب كل المناطق الأفغانية بسبب القحط وقلة المطر. ووفقاً لتوصيف مصادر في الأممالمتحدة فإن الوضع الإنساني تحول من "القحط إلى المجاعة الحقيقية".