Farid el-Khazen. The Breakdown of the State in Lebanon, 1967-1976. انهيار الدولة في لبنان: 1967-1976. Harvard University Press. 2000. 432 pages. Gladya Mouro. An American Nurse amidst Chaos, 1975-1988. ممرضة اميركية وسط الفوضى: 1975-1998. American University of Beirut. 1999. 217 pages. Carole H. Dagher. Bring down the Walls. حطّموا الأسوار. St. Martin Press, New York. 2000. 248 pages. كانت الحرب الاهلية في لبنان، التي استمرت اكثر من 15 سنة، نذيراً بنزاعات اثنية و اثنية - دينية اخرى شابت النصف الثاني من القرن العشرين. وتتعدد التفسيرات بشأن جذور واسباب الحرب اللبنانية. فقد عُزي النزاع الى اسباب اقليمية وعالمية. وعُرف ب "حرب الآخرين" حسب تعبير غسان تويني ابرز المعلقين على الشؤون العامة في لبنان. وقيل ان لبنان استُخدم كميدان قتال للمواجهات المتواصلة في الشرق الاوسط ولتنافس القوى العظمى الناجم عن الحرب الباردة. والقت تفسيرات اخرى، في الاغلب من منظور يساري وماركسي، المسؤولية كليةً على اللبنانيين وبدرجة اساسية على الجماعات السنية والمارونية. ويمثل كتاب فريد الخازن التقويم الاكثر شمولية وعلمية للسنوات التي سبقت الحرب الاهلية و"انهيار" الجمهورية اللبنانية. وهناك خمسة اسباب وراء قرار المؤلف ان ينهي بحثه في 1976. اولاً، كانت المواجهات العسكرية في الفترة 1975-76 تتويجاً للنزاعات السياسية والعسكرية التي بدأت اواخر الستينات. ثانياً، كانت المواجهات العسكرية في الفترة نفسها اكثر عفوية بالمقارنة مع المعارك العنيفة المنظمة للسبعينات والثمانينات. ثالثاً، بعد 1976، اصبحت سورية متورطة في المستنقع اللبناني واصبحت الحرب الاهلية اقليمية بالنيابة. رابعاً، ووفقاً للخازن، ان المشهد السياسي تغير كلياً بعد 1976 اثر اغتيال كمال جنبلاط، ابرز قائد للائتلاف اليساري - الاسلامي في لبنان وحليف منظمة التحرير الفلسطينية. واخيراً وليس آخراً، هناك المشهد العسكري في لبنان في فترة ما بعد 1982 الذي تغير كلياً بفعل الغزو الاسرائيلي لأرييل شارون. يضع الخازن دراسته ضمن منظور مقارن. وهو يقول ان انهيار الدولة يرجع الى عوامل داخلية وخارجية محددة. كما يقول ان النظام الطائفي في فترة ما قبل الحرب استطاع ان يلعب دوره بصورة جيدة نسبياً على رغم نواقصه. واحدى النقاط البالغة الاهمية التي يثيرها ان مشاكل لبنان الداخلية، سواءً كانت سياسية او اجتماعية - اقتصادية، قبل وبعد 1975، لم تكن تختلف كثيراً عن التحديات المؤثرة على بلدان اخرى عانت اختلالاً في التطور. ويضيف الخازن ان "نقطة الاختلاف فعلاً بالنسبة الى مشاكل لبنان تكمن في طبيعة ومدى المشاكل الناجمة عن عوامل خارجية والتي تنبع بشكل اساسي من نظامه الاقليمي، وعلى وجه التحديد من منظومة الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية في مرحلة ما بعد 1967". وتقوم وجهة نظره الاساسية على ان النظام الطائفي في لبنان هو ضمان واعتراف بالتنوع والمعارضة، وهما شرطان رئيسيان لاقامة نظام ديموقراطي. لكن المشكلة الجوهرية ان نظام الحكم لم يستطع ان يتحمل الضغوط الناجمة عن النزاع العربي-الاسرائيلي-الفلسطيني، والصراعات الداخلية العربية، وتدخل منظمة التحرير في شؤون لبنان الداخلية، وضغوط اسرائيل المستمرة على دولة ضعيفة ذات مجتمع متشظٍّ. الفصول الاكثر تنويراً في الكتاب هي التي تتناول وجود الفلسطينيين في لبنان ومكائد منظمة التحرير. وهو يفترض ان مبرر عرفات للثورة اصطدم بمبرر وجود الحكومة اللبنانية. فالاثنان لم يكونا قادرين على التعايش. ودُفع لبنان الى حمل عبء يفوق قدرة نظامه الطائفي على التعامل معه. ويقول المؤلف انه بخلاف غيره من الانظمة العربية التي كانت في الاغلب استبدادية وقمعية بطبيعتها النظامين البعثيين في العراق وسورية، مثلا، كان لبنان يتمتع بمجتمع مفتوح اكثر حرية الى حد ما. وكان هذا كعب اخيل لبنان. وفي تناوله اتفاق القاهرة بين لبنان ومنظمة التحرير 1969 - الذي اطلق الحرب الاهلية - يقول الخازن انه "كان وثيقة فريدة لا توجد سابقة لها في سجلات تاريخ الاتفاقات الثنائية. فهو لم يكن اتفاقاً بين قوتين متخاصمتين، ولا اتفاقاً واضحاً حول التعاون بين طرفين صديقين. كما انه لم يكن اتفاقاً بين دولتين... لقد اصبح اتفاق القاهرة ذا اهمية رمزية الى حد كبير: تاريخاً يؤشّر اول اختراق سياسي وعسكري كبير لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان". وفي نهاية كتابه المتميز يثبت الخازن رأياً يتوصل اليه مصادفة بان لبنان ومنظمة التحرير صورتان تعكس احداهما الاخرى. فالنخب الحاكمة في لبنان، خصوصاً في الطائفة السنية، التي اعتُبرت "طائفية" و "انعزالية" من قبل التنظيمات المتطرفة في منظمة التحرير، كانت تنظر الى قوات عرفات كحليف مناسب لاطاحة هيمنة الموارنة على السلطة. ومن جهة اخرى، وجدت الجماعات اليسارية والماركسية في منظمة التحرير، خصوصاً تنظيماتها المتطرفة، حليفاً متعاطفاً. ويختم الخازن بأن "ما قدمه لبنان لمنظمة التحرير، بشكل خاص في ما يتعلق بالتنوع السياسي والايديولوجي، لم يكن بالامكان العثور عليه في غيره من البلدان العربية". لقد برزت خلال الحرب الاهلية امثلة قوية على مشاعر الرأفة والالتزام المتبادلة بين البشر. ففي خضم حرب هوبزية "بهيمية" ظهر "ملاك رحمة في جحيم دانتي" على شاكلة فلورنس نايتنغيل. ففي 1974 جاءت الى لبنان غلاديس مورو، وهي ممرضة اميركية من اصل لبناني ولدت في جزيرة رودوس، لتصبح في 1983 مديرة خدمات التمريض في المركز الطبي التابع للجامعة الاميركية في بيروت. ويروي كتاب مورو قصة مثيرة للاهتمام عن الويلات والآمال ومشاعر الاحباط والخيبات التي أثّرت على حياتها في بيروت. وبفضل ارادتها القوية وصبرها استطاعت ان تتحمل فظاعات مستنقع الحرب. وهي تعرض بتفصيل قصصاً عن مدنيين جرحى نقلوا الى مستشفى الجامعة الاميركية لتلقّي علاج عاجل. فهناك رجال الميليشيات يلوحون بأسلحتهم ويطالبون المؤلفة والطاقم الطبي، تحت طائلة التهديد، بالتحرك فوراً لانقاذ احد رفاقهم المصابين. وتوضح احدى الحوادث ما واجهته مورو من تحديات. فاثناء جولة برفقة احدى الممرضات "طالب مريض كان مضى عليه حوالي ثلاثة اشهر في المستشفى باعطائه حقنة ديميرول. وعندما ابلغناه انه تلقّى للتوّ حقنة منه ولا يُفترض ان يُعطى جرعة اخرى، قذفنا بصينية الطعام واخرج بسرعة مسدساً من تحت وسادته. ولحسن الحظ وثب اصدقاؤه عليه وانتزعوا المسدس. للحظة خُيّل اليّ ان حياتي انتهت". الفصل الاكثر إثارة للمشاعر في الكتاب يتناول عمليات الخطف والقتل العشوائي التي تفشّت منتصف الثمانينات. وكان احد الاهداف الجامعة الاميركية وموظفيها. وتعرض المؤلفة في هذا الفصل لمحنة اولئك المواطنين الاميركيين الذين عملوا في الجامعة واماكن اخرى في البلاد والذين احتُجزوا كرهائن او قُتلوا: ديفيد جاكوبسن وجوزف سيسيبيو وبيتر كيلبورن وتوماس ساذرلاند وويليام باكلي وبنجامين وير والأب لورنس جينكو وتيري اندرسن والدكتور مالكولم كير الذي كان ولد، في واحدة من سخريات القدر، في 1931 في المركز الطبي التابع للجامعة الاميركية في بيروت! وتقديراً لانشدادها الى مهنتها ومشاعر العطف التي تكنّها للبنانيين، مُنحت غلاديس مورو وسام الصحة الفضي. كتاب كارول داغر يمثل محاولة لاعطاء لبنان مجدداً مبرر وجوده. فالمسيحيون في لبنان والمشرق العربي يجب ان يُنظر اليهم كبناة جسور في ما يُفترض انه "صدام حضارات". وتخشى المؤلفة ان يكون مسيحيو الشرق الاوسط قد أُحيلوا الى زاوية مهملة في التاريخ. كان يمكن لكتاب داغر ان يكون فرصة لتقويم اخطاء واغلاط القيادة المارونية، لكنها تخفق على نحو مُكرب في اداء هذه المهمة، على رغم نواياها الطيبة، للاسف! فعلى امتداد اكثر من 220 صفحة تصف المشهد السياسي منذ انتهاء الحرب في 1989، فلا تكرس سوى ثلاث صفحات لنقد ذاتي ماروني، وهو غير كافٍ اطلاقاً عندما يتفحص المرء التاريخ المفزع لسفك الدماء بين الموارنة الذي حدث بعضه في كنائس خلال مراسم القداس. وفي فصل حول البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان، تغفل داغر الاشارة الى التاريخ المضطرب للعلاقة بين بعض قادة الحرب ورجال الدين الموارنة والحبر الاعظم. ففي الوقت الذي كان الفاتيكان يريد ان ينقذ لبنان كي ينقذ المسيحيين كان قادة الحرب الموارنة وانصارهم وسط رجال الدين مصممين على توطيد هيمنتهم وتعزيزها. كانوا يريدون ان يكون البابا في روما ضامناً لما انتهى في وقت لاحق الى هزيمة كارثية ودموية. وتشير المؤلفة الى وثيقة بالغة الاهمية اصدرها في 1993 عدد من المثقفين الموارنة يقيمون في باريس، حيث يقولون ان الموارنة تخلوا بعد استقلال لبنان "عن خصوصيتهم الاساسية، اي "اختلافهم" الثقافي، لمصلحة وضع يقوم على القوة. وبذلك استعاضوا بنظام سياسي عن الاساس الثقافي للمجتمع اللبناني". وفي وقت لاحق، تكتب هذه المجموعة ذاتها ان السبيل الوحيد لملء فراغ القيادة الذي يشكل هاجساً بالنسبة لموارنة لبنان يكمن في استعادة الرسالة الاصلية للكنيسة: "فقد أُضفي على الدين طابع عشائري واختُزل الى هوية سياسية". وفي وقت لاحق، تقول المجموعة ان الموارنة "ينبغي ان يعودوا الى تقاليدهم الرهبانية، المتشابكة مع الصلاة والخشوع والتواضع". وباختصار، يُدعى الموارنة الى تعزيز علاقاتهم مع الكنائس المسيحية الشرقية والعربية الاخرى والعمل مع اشقائهم المسلمين لاقامة شرق اوسط اكثر انسانية وديموقراطية وتعددية. ان لبنان اليوم في مرحلة انتقالية. قيادته مفلسة ثقافياً واخلاقياً وغير ملهمة. شبابه يتطلعون بيأس الى قيادة يصعب العثور عليها او تخشى ان تُظهر نفسها. والخلاص لمواطني لبنان - مسيحيين ومسلمين - سيأتي من عملية موجعة لم تبدأ بعد مفادها "مراقبة الماضي وضبطه". ففي جنوب افريقيا بعد نظام الفصل العنصري، بدأت عملية لأم الجراح باطلاق نيلسون مانديلا وانشاء "لجنة الحقيقة والمصالحة". اما في لبنان، فالعملية لم تبدأ بعد. لقد لاحظ وليم فولكنر منذ وقت بعيد ان "الماضي لا ينتهي ابداً، حتى انه لا يصير ماضياً". هنا يكمن التحدي للبنانيين والفلسطينيين والاسرائيليين معاً، ولغيرهم من مجتمعات المشرق المعذّبة.