بيروت - "الحياة" - تتابع مجلة "الفكر العربي المعاصر" تغطية منهجية عدداً تلو آخر، لمرجعيات الأصول الفلسفية المعاصرة والكلاسيكية للحداثة بعيداً من شائعاتها المتداولة. ويتناول عددها الأخير المزدوج 116 - 117 محورين: الأول فلسفي والثاني نقدي. الأول يدور حول سؤال الحداثة عن "المدنية الوطنية"، والثاني يلامس اشكالية الوعي النقدي والإبداع الأدبي. وفي العدد يتابع المفكر مطاع صفدي رئيس التحرير بحثه الثالث حول "عودة الفلسفي السياسي" وكان بدأه في عددين سابقين للمجلة. ويدور في اطار سؤال الحداثة السياسية عن "المدنية الوطنية". وكما يبدو من العنوان، فالمدنية الوطنية مصطلح جديد مشتق من راهنية التاريخ العالمي الباحث عن الصيغة الموضوعية لممارسة الكلي الكوني في طريقة المدنية المحايثة، المعبرة عن الشخصية المفهومية للأمة، أي الهوية الخاصة كتنويع على الهوية العامة للإنسانية، وليس كتصنيم مضخم لذاتية مفروضة من الأمركة تحت غطاء العولمة. ويقدم الباحث المغربي محمد سبيلا فصلاً جديداً من دراسته المتتابعة حول التأصيل الفلسفي للحداثة تحت عنوان "الوعي الفلسفي بالحداثة بين هيغل وهيدغر". ويضع الباحث يده على المفاصل الدقيقة بين الفيلسوفين في صدد مفهوم الحداثة. ويبرز في عدد المجلة الحالي بضعة أسماء جديدة واعدة الى جانب بعض المفكرين والمثقفين. ومنهم الباحث الشاب عبدالعزيز لبيب، تونس، يذهب بعيداً في الكشف عن جذور التنوير الأوروبي وعلاقته باليوتوبيا، وحمل مقاله عنوان: "آخر العصر الكلاسيكي أو تجربة الغيرية الممتنعة". وتدخل الباحثة الجزائرية ليلى كثيري عمق الجهاز التفكيكي لإشكالية القيم لدى نيتشه، مع ايضاح دقيق لمفهوم القوة عنده وبعيداً من الالتباسات الشائعة عن هذا الأقنوم المقترن بفلسفة نيتشه. والمحور الراهن للمجلة يُعرض في مقال موجز لجان هيبوليت، الشارح والمترجم الرئيسي لأعمال هيغل الى الفرنسية، ويهدف الى ايضاح "الإنسية الهيغلية"، ومدى تأثيرها كمرجعية ايجابية أو سالبة، على أكبر مذهبين للفلسفة المعاصرة الفرنسية، وهما الوجودية والماركسية في أواسط القرن العشرين. وفي هذا المحور الكثيف فسحة خاصة بوجهة نظر لعزيز العظمة وهو يتصدى لكتاب "الإسلام والعصر، تحديات وآفاق"، وقد اشترك في تأليفه سعيد رمضان البوطي، والباحث طيّب تيزيني. والأول ينوب عن "الإسلامية" المعاصرة، والأخر عن الماركسية العربية، والهدف هو الحوار المجدي، أو البحث عن الجسور الوسيطة، غير ان المحاولة على أهميتها لم تبلغ ذلك الهدف برأي العظمة. أما الملف الثاني في العدد، فيثير اشكالية الوعي النقدي والابداع الأدبي. وتعالج مواضيعه اسماء مهمة في عالم النقد ومنهم سامي سويدان، في دراسة مطولة تحيط بأهم قضايا أو اشكالات أو رهانات النقد العربي الحديث والنص الأدبي. ويركز الناقد أمين ألبرت الريحاني مقاله حول "النص الأدبي والتمكن من اللغة". ويكتب الباحث التونسي مصطفى الكيلاني عن "ليل المعنى في الكتابة والقراءة والنقد". ويفسح العدد مجالاً لملف عن فقيد الفلسفة والتعليم الجامعي في دمشق الفيلسوف بديع الكسم، ويصفه مطاع صفدي بالفيلسوف المجهول المعلوم، وبالمعلم والصديق، وانه "الكائن المفكر من دون واسطة حتى الإمساك بالقلم والورقة" على حد قوله. ونقرأ بحثاً للكسم عن كتابه الفلسفي شبه الوحيد، يعود الى منتصف القرن الماضي، لكنه كأنما كُتب بالأمس أو اليوم، ويدور حول "البداهة الميتافيزيقية". والموضوع يتناول صميم الحدس الميتافيزيقي بديلاً من البرهنة المنطقية المصطنعة، والممتنعة أصلاً بالنسبة لمواضيع الميتافيزيقا التقليدية خصوصاً.