صدر عددان معاً من مجلة «الفكر العربي المعاصر»، ويدور كلاهما حول عنوان رئيس واحد هو «العقلانية ما بعد الميتافيزيقا». ويطرح رئيس التحرير، مطاع صفدي إشكالية الميتافيزيقا من زاوية أن ما ينقضي منها هو نظام معرفي معين، ولكنها تظل عائدة من خلال أنظمة عقلانية أخرى جديدة. وقدم المحور عروضاً متنوعة لفلاسفة ومذاهب احتلت مشهدية الحداثة الفلسفية. لكن هذه العروض في جملتها تناولت أطروحات وتأويلات غير مكرورة، وعقدت مقارنات حديثة في ما بينها. وفي العدد الذي تناول الجزء الأول من الملف مقالات وأبحاث منها: أية عقلانية ما بعد الميتافيزيقا؟ (مطاع صفدي)، التحالف بين الفلسفة والدين بوصفه مخرجاً لأزمة الحداثة السياسية عند ليوشتراوس (محمد المصباحي)، منزلة اللغة وعلاقتها بالديمومة الخلاقة لدى برغسون (خالد البحيري)، نحو سيكو- سياسية تيموسية، سلوتيردايك فوكوياما (زهير اليعكوبي)، هيدغر والبحث عن أصالة الذات، من ديكتاتورية الهم الى تحليلية الديزاين (زهير الخويلدي)، في الأهواء أو بعيداً عن كانط (محمد علي الكبسي)، أدرنو ضد هابرماس. بين الحداثة الجمالية والحداثة التواصلية (معزوز عبدالعلي)، في تداوليات التأويل (عبدالسلام اسماعيلي علوي). وفي العدد مواد أخرى منها: حول كتاب «الفلسفة السياسية في العهد السقراطي» (ريمون غوش)، العهد السقراطي: نحو حكم للعقل (ربيعة ابي فاضل)، الفلسفة السياسية في العهد السقراطي (محمد العريبي)، ريمون غوش والفلسفة السياسية في العهد السقراطي (محمد شيا). اما العدد الثاني فضم الجزء الثاني من الملف، ومن محتوياته: استراتيجية التسمية بدون أسمائها المعهودة (مطاع صفدي)، نحو سيكو - سياسية تيموسية - سلوتردايك، فوكوياما II (زهير اليعكوبي)، الديموقراطية والفلسفة (ريتشاد رورتي)، في الفلسفة النيتشوية (ريمون غوش)، نيتشه في الفكر العربي المعاصر (احمد عبدالحليم عطية)، مفهوم الطبيعة، أو من الطبيعة الى الإرادة لدى فلاسفة الإسلام (سعيد البوسكلاوي)، نظرية الجود عند ابي العباس السبتي (محمد بنحمامي)، نظرية الفيض الأفلاطونية (آيت حمو محمد)، المستقبل في الفكر الخلدوني (مصطفى الكيلاني)، مخارج التأويل والاجتهاد في قراءة النص والفلسفة. ابن رشد راهناً (مونيس بخضرة)، الأدب الفلسفي عند فرح أنطون، قراءة في رواية أورشليم الجديدة (مصطفى الحلوة). وجاء في تقديم مطاع صفدي للملف: «على العكس مما يتراءى عادة، فإن الفلسفة ليست هي الميتافيزيقا. والدليل في هذا الميدان، هو ان ما تفعله، ما تحققه الحداثة معرفياً، في شتى إشكالياتها التنظيرية المتداولة، هو المزيد من تبيان قدرتها على إعادة إشهار التمييز بينهما، وبما لا يلغي مبدأ صلاحة إحداهما في ذاتها، قبل ان تكون بالنسبة للأخرى. هكذا اصبح للفلسفي حريته في ابتكار اسئلته الموجهة الى الميتافيزيقي عينه، كأي استفهام يمارسه إزاء اية موضوعات أخرى تثير فيه قلقه ومن ثم استطلاعه. كان تطابق الفلسفي والميتافيزيقي من المسلمات المسكوت عنها، في سرديات المذاهب العقلانية المختلفة. لم يكن تفسير الواقعي بالغيبي إلا دليل تماسك نطقي شكلي، ذلك ان مفهوم الواقعي كان يشتمل على ظاهره وباطنه معاً، أو ما وراءه. بحيث لن يكون ثمة تناقض بين قطبي المفارقة والمحايثة إلا من وجهة الاصطلاح التجريدي فقط. فلا تحوز العقلانية الكلاسيكية على صلاحتها المعرفية إلا في اندراجها تحت سلطة المبدأ الكلي لمختلف افتراضاتها أو مفاهيمها. ذلك ان الكلي يرفع التناقض بين مفرداته. هكذا اعتصمت الفلسفة تاريخانياً بالكليات لكي لا تنحاز إلى اية استقطابات في شراك المتناقضات. فأنقذت بذلك عقلانيتها المؤسسة لاستقلاليتها بالرغم من عصور مستديمة، واقعة تحت سلطان المرجعيات الغيبية المطلقة.