عمّان - "الحياة" - فوجئت الجامعات العراقية التي أعلنت عن فتح أبواب الدراسات المسائية بإقبال شديد ليس ممن ينشغلون في العمل نهاراً لتصبح دراستهم في المساء ممكنة، بل ممن كانوا نالوا شهادات جامعية منذ سنوات. وساهم تدني أجور الدراسة الجامعية المسائية في اختصاصات علمية وانسانية الفنون واللغات والآداب في دفع مجموعات كبيرة من حملة شهادات جامعية أولية وحتى عليا للدراسة ونيل شهادة أخرى الى جانب اختصاصهم الأساسي. وأصبح عادياً منظر أفراد عائلة واحدة وقد توزع أفرادها ما بين اقسام كلية واحدة يدرسون في المساء لنيل شهادات غير شهاداتهم الأصلية، مع ملاحظة ان تلك العوائل هي من رواتب الطبقة المتوسطة التي عانت تراجعاً في أوضاعها بسبب العقوبات المفروضة على العراق منذ عام 1990. ويبدو ان الاتجاه نحو المزيد من المعرفة هو أحد أسباب مناهضة العزلة والابقاء على نمط من الحياة لم يعرف التخريب الذوقي والحياتي الذي ميز حياة العراقيين في التسعينات سبيلاً اليه، كما يصف ذلك أحد الشعراء والكتّاب العراقيين الذي نال أخيراً شهادة البكالوريوس الجامعية في الأدب الانكليزي بعد ان كان درس الأدب العربي في أواخر السبعينات. وفي حين كان البحث عن شاغل ثقافي واكاديمي أحد الأسباب التي دفعت بأعداد كبيرة من العراقيين الى الدراسة الجامعية مساءً، إلا ان الشباب الذين يعملون نهاراً لتأمين قوتهم وقوت عوائلهم والمساعدة في تخفيف الأعباء الاقتصادية، وجدوا في الدراسات الجامعية نافذة لإكمال دراستهم. وما زاد في نجاح التجربة التي بدأت قبل نحو ست سنوات، انها تعود بفوائد مالية على أساتذة الجامعات الذين ينالون نصيباً كبيراً من الرسوم التي تتقاضاها الجامعات من طلبة الدراسات المسائية وتراوح ما بين 50 و75 ألف دينار سنوياً للطالب الواحد، أي ما يعادل من 25 الى 37 دولاراً. وهذا ما زاد في اندفاع أساتذة الجامعات لإنجاح التجربة التي اتسعت لتصل المحافظاتالعراقية بعد ان كانت بدأت في جامعتي بغداد والمستنصرية داخل العاصمة العراقية. ومن أجل تنظيم الدراسات الجامعية المسائية ووضع هيكل قانوني راداري خاص بها، شرّعت الحكومة العراقية قانوناً خاصاً أواخر العام الماضي وبدأ العمل به فوراً، غير ان اللافت في التعليمات الحكومية منعها الأساتذة من اعطاء أكثر من ثماني ساعات أسبوعياً في الدراسات المسائية، ما حرمهم من فرصة تحسين أوضاعهم الاقتصادة لو تم منحهم الحرية في عدد ساعات التدريس. وفي تعليق له قال أستاذ جامعي عراقي وصل عمّان للمشاركة في حلقة علمية استضافتها جامعة اليرموك الأردنية، ان وزارة التعليم العالي تخشى أن يكون تركيز الأستاذ الجامعي على الدراسات المسائية التي تعود عليه بعوائد مالية جيدة، يضعف عمله في الدراسات الأساسية النهارية.