بعد تنظيمه معرض شفيق عبود الذي أقيم هذا العام في معهد العالم العربي ولقي نجاحاً كبيراً، يستقبل كلود لومان حالياً في الغاليري الباريسية التي تحمل اسمه معرضاً مثيراً للفنانة اللبنانية فاطمة الحاج يحمل عنوان «حدائق النفس» ويشكل بدوره تكريماً لعبود نظراً إلى كشفه نموذجاً مثالياً عن التأثيرات التي خلفها هذا الفنان على الأجيال الفنية اللاحقة. وفعلاً، ما أن نعبر عتبة الغاليري ونلقي نظرةً أولى على اللوحات الحاضرة يتملكنا شعورٌ بأننا داخل معرضٍ لعبود نفسه. ولا نقصد بهذه الملاحظة التقليل من قيمة تجربة الحاج الفنية بل الإشارة إلى عمق الروابط التي تجمعها بعبود منذ فترة دراستها للفن. بعبارةٍ أخرى، لا يعكس هذا التشابه الذي نستشفه عند الوهلة الأولى أي محاولة من قبل الفنانة لتقليد أستاذها أو نسخه بقدر ما يعكس درجة استيعابها لأمثولاته التي تسمح لها باستثمار هذه الأخيرة كما يحلو لها. فصحيح أن طبيعة الألوان الأرضية الحارة التي تستخدمها الحاج وطريقة إسقاطها لها وتوزيعها على سطح اللوحة التي تذهب بالجهد التصويري إلى حدود التجريد تستحضر إلى أذهاننا عمل عبود خصوصاً، ولكن أيضاً عمل بيار بونار وإدوار فويلار، لكن مشاهد الحاج الخارجية - الداخلية تبقى شخصية بالدرجة الأولى ومشحونة بحساسيةٍ تمنحها كل فرادتها وقوتها. في معرض تقديمه للوحات الفنانة المعروضة، كتب كلود لومان:» مناظر فاطمة الحاج مستوحاة من حدائق المدن التي تأملتها وأحبتها خلال تنقلها بين لبنان واليمن والمغرب وفرنسا. لوحاتها تحفظ حية أشكال هذه الأماكن وألوانها وأضواءها وتشكل خصوصاً انعكاساً للحديقة التي خلقتها أمام محترفها في منطقة الرميلة (لبنان)، تماماً كما خلق كلود مونيه حديقته في جيفرني التي بقيت موضوعه الوحيد خلال الثلاثين عاماً الأخيرة من حياته. لكن حديقة الحاج أكثر تواضعاً وتختلف في طبيعتها عن حديقة مونيه، لأن ما ترسمه الفنانة بلا كلل هو الفضاءات اللامتناهية لحديقتها الداخلية التي يقطنها الصمت والجمال وأحياناً امرأةٌ مستغرقة في التأمل أو القراءة، شخصين حميمين يصغيان إلى معزوفة موسيقية أو مجموعة من الأشخاص خلال عيدٍ قروي (...)». وكتب الناقد الفرنسي تييري ساباتيي:» في لوحات الحاج ثمة غيابٌ لأي تنازل وبحثٌ عن عالمٍ شخصي، عن تناغمٍ يبدو منبثقاً من مشاعر متضاربة، بين سكونٍ وثورة، بين حلمٍ وشك. وكملونة بمادتَي الأكريليك والألوان الزيتية، لا تهمل الفنانة مفاعيل المادة، بل تتناغم الحركة والأضواء والأشكال المقترحة في لوحاتها إلى حد تلامس فيه أحياناً التجريد». أما الحاج نفسها فتحب أن تقول إن لوحاتها هي «دعوة للانطلاق في استكشاف حديقتنا الخاصة الداخلية، ذلك الفردوس الذي فينا والقادر على منحنا الصفاء والجمال والافتتان». من مواليد لبنان 1953، حصلت الحاج شهادات فنية من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، من أكاديمية لينينغراد للفنون الجميلة ثم من المدرسة الوطنية العليا للفنون التزيينية في باريس، قبل أن تبدأ في مزاولة مهنة التعليم في معهد بيروت للفنون الجميلة. عام 1985، نالت «جائزة بيكاسو» في مدريد. ومنذ عام 1986، عُرضت أعمالها بشكلٍ منتظم في لبنان وعدد كبير من الدول العربية (كويت، قطر، الإمارات، سوريا، المغرب...) وإسبانيا وفرنسا.