تراث الأمة هو تاريخها الناطق النابض الذي يلخص الأحداث في كلمات أغنية أو ملامح صورة أو نغمات مقطوعة موسيقية أو في جملة في حوار. وتراثنا العربي مليء بهذا وذاك، ولكن الإهمال من جانب، ومحاولات السرقة التي يتقنها لصوص الحضارات، وخصوصاً إسرائيل تنسب تراث ليلى مراد وفريد الأطرش ومحمد فوزي وغيرهم إلى نفسها من جانب آخر تهدد تراثاً فنياً أدبياً لا يعوض بالضياع. وللأسف فإن عدم الوعي بذلك التراث العريق حوّل نجومه إلى أسماء مبهمة لا يعرفها أبناء الجيل الحالي، وأصبحت هناك هوة بين الأجيال وهذا تحديداً هو السبب الرئيس الذي ولد فكرة إنشاء "جمعية أبناء الفن الأصيل" التي تضم نحو سبعين شخصاً من ابناء أشهر الفنانين: المخرجين والمطربين والممثلين والمؤلفين، الذين قرروا حماية تراث الآباء الأصيل. جاءت البداية كما يروي الفنان أحمد الكحلاوي رئيس مجلس ادارة الجمعية ونجل الفنان الراحل محمد الكحلاوي الذي عُرف ب"مداح الرسول" نظراًَ لتفرده في أداء لون الإنشاد الديني على يد الناقد الفني وجدي الجافي الذي أراد تكوين رابطة تضم ابناء الفنانين لإحياء تراث آبائهم. وكان ذلك في ذكرى رحيل فنان الكوميديا اسماعيل ياسين التي يحرص على إحيائها ابنه المخرج ياسين "فاجتمع عدد منا كأصدقاء وأعجبنا بالفكرة ووضعنا لها الخطوط العريضة وتم اعلان الجمعية ومقرها الموقت قاعة "مداح الرسول" في مسجد والدي الكحلاوي. إحياء الفن الأصيل ويضيف الكحلاوي: وفور اعلان الجمعية قابلنا رئيس دار الأوبرا المصرية الذي خصص يوماً في المسرح الصغير للجمعية لإقامة الندوات والحفلات الخاصة بتكريم رواد الفن الأصيل، كما اتصلنا بمحافظ القاهرة لدعوته إلى اطلاق اسماء عمالقة الفن على الميادين والحارات في المحافظة والتي نرجو تعميمها في المحافظات الأخرى، وذلك بدلاً من الاسماء الأجنبية. كما اتصلنا بالمسؤولين في الإذاعة والتلفزيون لتصحيح المعلومات الخاطئة التي يذكرها بعض الكتاب ومؤرخي الفن عن حياة الفنانين. وفي هذا الصدد تقرر أن يقوم كل عضو بكتابة سيرة ذاتية خاصة بوالده، ويعرضها على بقية الأعضاء ليعرف كل منا سيرة بقية الفنانين بدقة وكأن هناك عملاقاً واحداً نحن جميعاً أبناؤه، خصوصاً أن هناك فنانين حرموا من نعمة الإنجاب ولا يوجد من يقوم بإحياء ذكراهم. سنستغل الفرصة لتكريم عدد من اسر الفنانين شهرياً في ذكرى رحيلهم، وقمنا هذا الشهر بتكريم الكاتب سعد الدين وهبة والممثلين جمال السجيني وعبدالرحيم الزرقاني والدكتور جمال عبدالرحيم الخولي والمخرجين شادي عبدالسلام وهنري بركات. كما نحيي ذكرى فنانين غابوا عن ذاكرة الجمهور مثل الفنان فؤاد شفيق شقيق الفنان حسين رياض، وكان له دور رئيس في مسرحية "سكة السلامة" والممثل سعيد أبو بكر والفنان فؤاد الظاهري صاحب أمتع موسيقى تصويرية. وكما يؤكد رئيس الجمعية فإن "الاهتمام لا ينصب فقط على المطربين بل يشمل الممثل والموسيقي والفنان التشكيلي مثل الدكتور صلاح عبدالكريم وينصب التكريم على كل فنان أصيل له بصمة أثرت المسيرة الفنية وأثرى وجدان الجماهير، فهؤلاء لاپبد من الحفاظ على تاريخهم وحمايته من الضياع والتحريف والتلويث، واذ للأسف الشديد، نجد أن الأغاني الأصيلة تحولت إلى إعلانات للسمن والصابون مثل ولا ياولا لعبدالغني السيد ومنديل الحلو لعبدالعزيز محمود وهي من الأغاني التي عاشت العمر كله ولها ذكرياتها، واستخدامها بهذا الشكل يسيء للمطرب. وللأسف فإن التراث الفني في الإذاعة مهمل وبعض التسجيلات فقدت أو انتهت صلاحيتها، ولذا فإن أحد أهم أهداف الجمعية هو تكوين مكتبة موسيقية وسينمائية نادرة ملحقة بها قاعة عرض تستوعب 300 شخص، وذلك في المقر المزمع إنشاؤه والذي سيضم متحفاً لأهم أعمال العمالقة ومتعلقاتهم الشخصية وصوراً من أعمالهم. والجمعية تضم عدداً من أبناء أشهر الفنانين منهم محمد عبدالغني السيد وحمادة شكوكو وماجد علي الكسار ويحىى شكري سرحان وعادل عبدالله أحمد عبدالله "ميكي ماوس" واللواء مهندس نبيل محمد فوزي وهشام عبدالعزيز محمود ومجدي صلاح منصور وممدوح عدلي كاسب وماضي توفيق الدقن وحسين صلاح نظمي وطارق حسن عابدين وفكري شقيق الفنان رشدي أباظة. النسيان صعب ويشير الكحلاوي الى إن اسم والده محمد الكحلاوي كان من بين الاسماء التي كرمتها الجمعية أخيراً في ذكرى رحيله، وهو أول من أسس مدرسة الغناء البدوي في مصر ثم انتقل الى اللون الشعبي وأخيراً قدم الإنشاد الديني وتميز به حتى عرف بمداح الرسول وقدم نحو 40 فيلماً من أشهرها: "أحكام العرب" و"ابن الفلاح" و"الصبر جميل". ومن أشهر أغانيه الدينية "عليك سلام الله" و"ماشي في نور الله". ماجد الكسار ابن بربري مصر الوحيد علي الكسار الذي قدم في السينما المصرية شخصية عثمان الذي ما زال صدى كلماته التي طرب لها الجمهور عام 1916 يتردد عام 2001 وأشهرها "ينكد عليك وعلى عمرك": يقول: "فارق والدي الدنيا حزيناً بعد أن فقد كل شيء الشهرة والمال والمجد، ولاقى الجحود والنكران وبعدها اعتزل مسرح الماجستيك إثر خلاف مع صاحبه الخواجة كوستى وبدأ يعمل بصورة متقطعة لعدم وجود مسرح ثابت له، وزاد الطين بلة تحول معظم مسارح الدولة إلى دور للسينما، ومنها مسرح كازينو دي باري الذي اصبح سينما "ستديو مصر" وظلت به الحال هكذا حتى حل الفرقة عام 1950 واتجه إلى المسرح الشعبي التابع للدولة، وظل يعمل فيه ممثلاً عادياً حتى تاريخ وفاته في كانون الثاني يناير 1957. وفي أواخر حياته لاقى الجحود وفقد كل أمواله في سنوات العمل المتقطع، وكنت دوماً أحاول إحياء ذكراه وقدمت كتاباًَ يحوي كل تفاصيل حياته". الشكوى نفسها قدمتها تحية زكريا أحمد ابنة الشيخ زكريا الذي قدم للسيدة أم كلثوم أروع ما غنت "هوّ صحيح الهوا غلاب" و"أنا وأنت" و"القلب يعشق كل جميل" تقول تحية: "لدى والدي ألحان نادرة ولا أعرف لماذا لا يأخذها المسرح الغنائي ويقدمها وكان طلب من دار الاوبرا دعماً ولكن بلا جدوى. والشيخ زكريا قدم لأم كلثوم 63 لحناً. كما قدم النقد السياسي من خلال الأغنية مثل أغنيات فيلم "حكم قراقوش" الذي تم منعه لما يوجهه من هجوم لاذع على القصر والملك". أما سلطان شكوكو فيقول: "طالبت غير مرة بأن يطلق اسم شكوكو على مسرح القاهرة للعرائس تكريماً للمجهود الذي بذله أبي ليبعث فن الأراجوز من جديد بعد أن كاد أن ينقرض، ووضع كل ماله لإنشاء أول مسرح عرفته مصر لفن العرائس على رغم كلفته المرتفعة واستعان بالعديد من خريجي معهد الفنون المسرحية أمثال صلاح السقا ويوسف شعبان والسيد راضي وحمدي أحمد وسميرة أحمد".