في النهاية، حصل ما كان متوقعاً، بل ما أعلنه وزير الدفاع الاميركي، فهؤلاء "الاجانب" الذين كانوا في قندوز، لم يقتلوا في الحرب أو يؤسروا، كما تمنى، وانما اسروا ثم قتلوا، أو بالأحرى أسروا ليقتلوا. ماذا يُسمى ما حصل: حادث، تمرد، صدفة. لا، انها مجزرة معلنة. تقبلها العالم بلا مبالاة. فمن ذا الذي يهتم ب"هؤلاء". كانوا مجرد اعداد زائدة من البشر. لا أسماء لهم ولا وجوه ولا قيمة. لا أحد يعرفهم ولم يعرفوا في حياتهم سوى هذا المصير الافغاني التعس. مذنبون؟ بمَ، من يعرف؟ هل كانوا وراء ذلك الثلثاء الاسود في الولاياتالمتحدة، هل صنعوه؟ هل كانوا كلهم ارهابيين أو مجرد مجرمين؟ شيء واحد مؤكد: لم يكونوا يستحقون الأسر، ولا المحاكمة، ولا العقاب، كانوا يستحقون الموت فقط. اطبق عليهم الفخ فوجدوا انفسهم في مواجهة الدولة العظمى. كتب لمزار الشريف ان تكون بؤرة المجازر في افغانستان. قبل سنوات ارتكب فيها "طالبان" أبشع المقتلات، وفيها ارتكب خصومهم أخيراً قذارات الحرب الراهنة. هناك الكثير مما لا يروى، وربما لن يروى، عن هذه الحرب. شهود كثر، أقمار ومناظير وكاميرات، العالم مشدود الى ما يجري هناك، لكن ما يُرى هو ما يسمح بأن يُرى. فالارتكابات والفظائع تدور خلف المسرح. ولن يستطيع أحد ان يقدر كم من البشر قضوا تحت "سجادات القنابل"، فهي لم تكن فقاعات دخانية تُجرّب في الخلاء، لزوم المشهد الهوليوودي. لكن الثأر لم ينته بعد ولم يُستهلك حتى ثمالته، بل سيتواصل، ما دامت الشهية قد فتحت، وما دامت الحرب دخلت في عمق أعماق أجندة الادارة الاميركية. فلا رجوع الآن من الحرب لمواجهة الداخل بأسئلته الكثيرة ومطالباته الأكبر وركوده الاقتصادي الذي فاقمته الأزمة ورسخته. إذاً، هي الحرب مستمرة، حتى لو لم تحقق اهدافها المعلنة. هناك حلفاء جاهزون دائماً وأبداً، اما الآخرون فسيضطرون لمسايرة الموسم والسوق. فعندما تقول الولاياتالمتحدة انها ذاهبة الى الحرب شاء من شاء وأبى من أبى، يصبح الرفض بمثابة خسارة محققة، وتصبح الاعتراضات مجرد وجهات نظر لا وقت للتوقف عندها. سيكون من الصعب على بريطانيا ان تضغط الفرامل الاميركية لإبطائها بعدما ذهبت بأسرع مما تصورته في مستطاعها لإدارة عجلة الحرب. ولن تتمكن روسيا من عقلنة الاندفاع الاميركي طالما ان الحرب جاءتها بهدايا غير متوقعة ووعدتها بالمزيد. اما أوروبا فتكاد تصبح نسخة من أمم متحدة، موجودة غير موجودة، لا بد منها ولا فائدة ترجى منها عندما يتعلق الأمر بوضع حد لسياسات متهورة وموتورة تنفذها دولة عظمى. 11 ايلول سبتمبر غيّر ويغير الكثير من ملامح العالم، وكان ذلك بفعل ارهابيين لم يتبناهم سوى نظام واحد هو "طالبان". لكن استمرار الثأر الاميركي على وتيرة المجازر يطمح الى تغيير بنية القوانين الدولية واساس الاخلاقيات الدولية. ولكن العالم الذي صدم بمجزرة تفجير مركز التجارة العالمية ودانها ولم يقبلها واثارت لديه الحزن والغضب، هو نفسه العالم الذي يجد المجازر المبرمجة في حرب الثأر غير مقبولة ايضاً ومثيرة للاشمئزاز، بل لا لزوم لها طالما ان للحرب اهدافاً حققت الكثير منها حتى الآن. يجب ان يقتنع صقور الادارة الاميركية وثعالبها بأن هناك نقطة اسمها "كفى يعني كفى"، كل ما يتعداها سيسيء حتماً الى الولاياتالمتحدة قبل سواها. والأخطر انه لا يخدم اطلاقاً هدف اجتثاث الارهاب، بل يزرع بذور الارهاب القادم، ناهيك عن انه لا يساهم في تغيير صورة الولاياتالمتحدة لتصبح دولة "محبوبة"... اذا كان هذا يهمها فعلاً، باعتبار ما طرح بعد 11 ايلول من تساؤلات عن سبب الكراهية لاميركا، وباعتبار ان واشنطن تتوقع من زعماء عرب ومسلمين ان ينبروا شخصياً الى قيادة حملات ل"تحبيب" اميركا الى شعوبهم.