كان الشعار الذي ردّده الاميركيون وسوّقه معهم البريطانيون ان هذه الحرب ليست حرباً على العرب والمسلمين، وإنما هي حرب على الارهاب. لكن حلفاءهم الافغان في "التحالف الشمالي" لا يستطيعون قول الشيء نفسه، فهم لا يرغبون في أسر العرب والمسلمين بل يفضلون قتلهم بعد القبض عليهم. انها النهاية الدراماتيكية القذرة لقصة الجهاد من اجل تحرير افغانستان. ومن الواضح ان ممارسات الشماليين المنتصرين اثبتت امرين: الاول انهم لا يختلفون كثيراً عن "طالبان" ببطشها وعدم احترامها لأبسط مبادئ التعامل مع الأسرى، والثاني ان "التحالف الشمالي" شُجّعَ وحُرِّضَ من جانب الاميركيين على الفتك ب"الغرباء" من عرب وباكستانيين وسواهما. لا يمكن ان تُفهم ممارسات الشماليين كمجرد تجاوزات افراد، وانما كتوجيهات وتعليمات واضحة من القيادة بأن "الافغان العرب" اهداف للتعذيب والقتل والتمثيل بجثثهم. وليس معروفاً كيف ان الحضور الاميركي كان واضحاً فاعلاً لفتح الطريق الى كابول، وكيف انه تلاشى وغاب عندما اصبح الشماليون اسياد الارض، مع ان الاميركيين يعرفون ان هذه اللحظة تحديداً تتطلب منهم "ضبط النفس" ليبرهنوا للعالم ان شعارهم اصيل وصادق. لكنهم بدوا مرتاحين الى الواقع الجديد الذي نشأ: افغان يقتلون "أفغاناً"، ومسلمون يقتلون مسلمين. لم تكن هناك أوهام عند احد بأن اي حرب يمكن ان تكون اخلاقية. لا الاعتداءات في نيويورك وواشنطن كانت اخلاقية، مهما اجتهد المبررون، ولا الرد على تلك الاعتداءات مفترضة فيه الاخلاقية. ومع ان الاعتداءات اعتبرت "ضد الحضارة" فان الرد عليها انزلق الى "حضارة" المعتدي نفسه، ولكن باسلوب يتفلّت من المحاسبة، وحتى من الكاميرات لئلا يظهر الاميركي في اي مشهد يفضح الشعارات ويثير الاشمئزاز عند الغربيين قبل العرب والمسلمين. في اي حال، تعطي تصريحات وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد فكرة واضحة عن حقيقة التفكير الاميركي، وبالتالي عن حقيقة الضوء الاخضر ل"التحالف الشمالي" لقتل "الافغان العرب". ففي قندوز المحاصرة قوات افغانية من "طالبان" مع آلاف من "الغرباء" العرب وغير العرب، ومنذ ايام تدور مفاوضات على الارض لتأمين استسلام هذه القوات. لكن رامسفيلد اسف لحصول هذه المفاوضات وقال انه يتمنى للموجودين في قندوز ان يقتلوا او يؤسروا. واذا كان الأسر يعني القتل ايضاً، فلا داعي لشرح كثير لادراك مغزى كلام الوزير الاميركي. مثلما ان افغانستان وضعت، منذ "تحريرها" من الاحتلال السوفياتي، خارج ضوابط العالم ودوله، فإنها في اعادة تحريرها من حكم "طالبان" تحوّلت مسرحاً لممارسات لا تخضع لأي قانون دولي. جرائم الحرب حدث يومي يدور على الطريقة الطالبانية، اي بلا حساب ولا رقابة. الاممالمتحدة حذّرت، وهذا كل ما تستطيعه. وكما هاجم اسامة بن لادن هذه المنظمة الدولية، فإن الشماليين يستخدمونها على نحو سلبي اذ يقولون انهم يقبلون بأن يستسلم المقاتلون في قندوز للامم المتحدة. لكن هذه اعلنت رسمياً انها عاجزة عن اداء هذه المهمة لان لا وجود لها في افغانستان، وبالتالي فهي تحتاج الى تكليف اميركي والى تحضيرات تستغرق وقتاً فيما الوضع على الجبهة بالغ الإلحاح. نسي "التحالف الشمالي" انه بهذا الاستهداف المخزي للعرب والمسلمين، بعد استسلامهم، انما يستثير شعوباً وحكومات سبق ان قدّمت الكثير من اجل افغانستان، بل يعرض عشرات الآلاف من الافغان اللاجئين في بلدان عربية واسلامية لمعاملة غير ودية. اما رامسفيلد فنسي تماماً ان رئيسه ردّد ولا يزال يردّد ان الهدف من الحرب جلب الارهابيين الى القضاء، ولم يقل ان الهدف هو قتلهم قبل الأسر وبعده.