ماري روبنسون، مفوضة حقوق الانسان لدى الأممالمتحدة، تحتج: "أي زعيم أفغاني يشارك في الاعدامات العشوائية للأسرى يجب أن يمنع من المشاركة في أي حكومة مستقبلية". أفغانستان بلد الفظائع ومسلسلاتها. المسلسل الجديد اسمه "الغرباء". عددهم يراوح بين عشرة آلاف، هو عدد تنظيم "القاعدة"، و50 ألفاً مع متطوعي القبائل الباكستانية. خصومهم في التحالف الشمالي عانوا الأمرين منهم، لا سيما عناصر القاعدة العرب. الفرصة الآن حانت للانتقام. يقولون: "أوامرنا صريحة: اقتلوا كل العرب وكل الغرباء". غالبية "الغرباء" دون سن العشرين. كثيرون منهم قادتهم خطواتهم إلى جبال أفغانستان وفي ظنهم أن طريق الجنة يمر من هناك. المغرر بهم ضاعوا. بلدانهم تخلت عنهم كما تخلى عنهم العالم، وخصومهم يتحينون الفرص لقتلهم والانتقام منهم. في كل مكان دخل اليه التحالف الشمالي قُتل العرب وأنصارهم. حتى من استسلموا منهم تعرضوا للضرب والتعذيب قبل اعدامهم. الأميركيون والبريطانيون الذين يحتاجون الى اصطياد ابن لادن لإثبات انتصار حملتهم يرغبون في الحصول على المعلومات من قادة طالبان ومن مقاتلي تنظيم القاعدة الذين يقعون في الأسر. التحقيق معهم لا يتخذ صورة حضارية تليق بالعالم الحر الذي يقول الرئيس بوش إنه يدافع عنه، بل هو تحقيق يقوم به عناصر استخبارات أميركيون يستخدمون مقاتلين أفغاناً مشبعين بالغضب وروح الانتقام ويفتقدون، مثل طالبان من قبل، إلى التسامح تجاه اسراهم. الأسرى الذين وقعوا في يد خصومهم يبلغون الآلاف. برنيت باريت، الناطق باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أفغانستان يقول ل"الحياة": "زرنا اثنين من المعتقلات في مزار الشريف وكابول، وسجّلنا أكثر من 200 أسير حتى الآن". يرفض الكشف عن عدد الاسرى غير الأفغان. يضيف: "لم نتمكن من زيارة كل أماكن الاعتقال، ومع ارتفاع عدد زياراتنا سيرتفع حتماً عدد الأسرى المسجلين، والهلال الأحمر الأفغاني يقدم الاسعافات الأولية للجرحى، وثمة عشرة منهم أدخلوا إلى المستشفيات". استخدام "الموت البطىء" في الحاويات شرعة يتبعها الجميع. الفصائل المتناحرة في أفغانستان لديها تاريخ عريق في تعذيب الخصوم وقتلهم. قوات التحالف الشمالي انتقمت من اساءات طالبان حينما استرجعت مزارشريف عام 1997 بحبس أكثر من 1200 من مقاتلي طالبان نقلتهم في حاويات الى الصحراء، وتركت أغلبهم فيها للموت من العطش والهجير، والبقية أعدمتهم ورمتهم في الآبار. وطالبان ردت بإعدام ألوف من مقاتلي التحالف الشمالي وانصارهم وتركهم يموتون في الحاويات عندما استرجعوا المدينة. في مزار شريف تتكرر المآسي. مجموعة ضخمة من المقاتلين الباكستانيين البشتون أتوا الأسبوع الماضي لدعم أبناء عمومتهم، في وقت كانت المدينة تسقط في أيدي التحالف الشمالي. القادمون الجدد وجدوا أنفسهم محاصرين داخل مبنى مدرسة. رفضوا الاستسلام. المنتصرون لم يجدوا شيئاً ليحسموا به الموقف إلا إرسال دبابات القتال الثقيلة لتدمر بناء المدرسة وتسحق المحاصرين السبعمئة وجثثهم. قندز محاصرة منذ ثمانية أيام. فيها العمود الفقري لقوات طالبان، وبينهم نحو عشرة آلاف "غريب". لائحة الغرباء تضم متطوعين شيشاناً وعرباً وبنجابيين وباكستانيين وكشميريين وأندونيسيين وأوزبكيين وأويغوريين من غرب الصين. محاولات تأمين ممر آمن لهم تحت رعاية الأممالمتحدة تعثرت. قوات التحالف الشمالي شددت على "ضرورة قتل كل الغرباء". تصريحات وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد لم تأخذ في الاعتبار أن العالم أبرم منذ القرن الماضي مواثيق تلزم الدول احترام الأسرى وعدم قتلهم. رامسفيلد الذي لا يبدو أنه يستفيد من نصائح مستشاريه القانونيين يقول ببرودة قاتلة تبعث القشعريرة في قلوب الخبراء القانونيين: "لسنا في وضع يتيح لنا قبول الأسرى". يضيف: "أملنا ألا يدخل التحالف الشمالي في مفاوضات تؤمن الافراج عن قوات القاعدة ... لذا آمل بأن يقتلوا أو يؤخذوا أسرى". والأسرى شيء لا يرغبه التحالف الشمالي، ولن يرضى به المقاتلون "الغرباء" لأنهم يعرفون أنهم سيقتلون. وزارة الدفاع البريطانية لا تملك خبراء ينصحونها، مثل البنتاغون، في عملياتها العسكرية. الناطق باسم الوزارة لم يستطع الاجابة عن أسئلة "الحياة": ألا تخشون التعرض لملاحقة قانونية بسبب المسؤولية غير المباشرة التي تترتب عليكم وعلى الأميركيين لو أن قوات التحالف الشمالي ارتكبت مجازر وواصلت إعدام الأسرى وتعذيبهم، علماً بأن القوات الأميركية والبريطانية أعلنت أنها تساعد في تخطيط عمليات التحالف الشمالي. الوضع يشبه مسؤولية اسرائيل في صبرا وشاتيلا. الناطق اكتفى بالقول: "ندين كل الفظائع وأعمال القتل، وللأسف الفظائع جانب من الحرب يحدث أحياناً". هل يكون الحل تشكيل محكمة دولية لجرائم الحرب؟ فلورانس هاخمن، الناطقة باسم محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا في لاهاي، قالت ل"الحياة": "هناك جرائم كثيرة ضد القانون الانساني الدولي، ولكن المجتمع الدولي لم يعين غير محكمتين لجرائم الحرب هما المحكمة الخاصة للنظر التي وقعت في يوغسلافيا منذ عام 1991 وصاعداً، ومحكمة لجرائم الحرب في رواندا خلال عام 1994 فقط". أكلاف كل محكمة من المحكمتين 100 مليون دولار سنوياً تتحملها الأممالمتحدة. علاوة على العبء المالي، يحتاج تشكيل محكمة دولية إلى قرار سياسي يملكه مجلس الأمن وحده. والولايات المتحدة لن تسهل حتماً تشكيل محكمة، قد تحملها مسوولية عن الجرائم التي ترتكب اليوم ضد الأسرى، كما أنها لن ترغب في أن يستسلم عناصر القاعدة للأمم المتحدة لأن التحقيق معهم سيكون حضارياً، مغايراً للتحقيقات التي تجري حالياً والتي تنتهك فيها حقوق الأسرى، ولأنه سيكون بالامكان تسليمهم لإعدامهم في المحاكم العسكرية الأميركية، وهي خطوة ستؤلب العالم الاسلامي.