احتفى العرب والمسلمون الأميركيون منذ أقل من سنة بحلول عهد جديد مع انتخاب الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. مارسوا حقوقهم السياسية وأدلوا بأصواتهم، مسجلين للمرة الأولى ارقاماً قياسية بإقبالهم على صناديق الاقتراع. فتذوق قادة المجتمع العربي والمسلم في الولاياتالمتحدة طعم السلطة، وبدأوا يفكرون بإمكان لعب دور بارز في العملية السياسية والتأثير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. وبدا لهم حينئذٍ انه لا توجد حدود لطموحهم، الى حدّ ان المحللين السياسيين العرب الأميركيين يزعمون أن الصوت العربي كان له الفضل في فوز بوش في السباق الضيّق في ولايات كانت حاسمة مثل فلوريدا. وأخذوا يمنّون النفس بإمكان حدوث نقلة في نظرة الادارة الجديدة تجاه الصراع العربي الاسرائيلي نتيجة مباشرة للنفوذ المتصاعد للتجمعات الاسلامية والعربية في أميركا. ويمكن القول، بعيداً من هذه المبالغات، ان العرب والمسلمين احرزوا تقدماً مهماً في المجتمع الأميركي، وبدأت اصواتهم تُسمع بعد ان شرعوا بتنظيم صفوفهم والمشاركة بفاعلية في الحياة السياسية والاجتماعية الأميركية. كل هذه الانجازات الثمينة ذهبت أدراج الرياح في 11 ايلول سبتمبر حين قامت مجموعة من الارهابيين يزعم انها من العرب بخطف أربع طائرات مدنية وتحطيمها في برجي مركز التجارة العالمي ومقرّ وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في واشنطن العاصمة، مما أسفر عن اكثر من خمسة آلاف قتيل وعن عدد كبير من الجرحى، فضلاً عن الخسائر المادية الفادحة التي تقدّر بمليارات الدولارات، وركود اقتصادي، سيطول أمده على الارجح، في الأسواق الأميركية والعالمية على حد سواء. ولعل أبرز ضحايا هذا الهجوم الجبان كان مكانة ومنزلة المجتمع العربي الأميركي في الولاياتالمتحدة وقدرته، ليس فقط على التأثير في السياسة الخارجية الأميركية، بل أيضاً على الاندماج في النسيج الاجتماعي للبلاد. ويمكن القول ان وجود التجمعات العربية والاسلامية نفسه اصبح مهدداً، فقط لأن ابن لادن وأمثاله من المتعصّبين نجحوا في تدمير هذه التجمعات العربية وانجازاتها المتواضعة في الولاياتالمتحدة على مدى نصف قرن، وليس بسبب الأصوات المناهضة للعرب والمسلمين في أميركا. اذ أصبح كل العرب والمسلمين مشبوهين في أعين مواطنيهم الأميركيين بفضل ابن لادن وأمثاله، ويعيشون حال حصار نفسية وعاطفية واجتماعية. وبعض جيرانهم لم يعودوا يثقون بهم، ويشتبهون بهم في أنهم يحيكون مؤامرات شريرة لتدمير البلاد التي تبنّتهم. ويتوجس الكثير من العرب والمسلمين الأميركيين خيفة من التجوال او السفر في الطائرات مثل غيرهم من المواطنين خشية ان تعرضهم للتمييز العنصري. وقد وقعت حوادث مذلّة عدة لبعضهم في المطارات الأميركية بعد كارثة 11 أيلول. وعلى رغم تطمينات الساسة ورجال الدين وقادة المجتمع الأميركي، الا ان النسيج الاجتماعي للتعايش تقطع بشكل خطير، وسيلزمه سنوات عدة ليعود اليه تناغمه وتلتئم جراحه وينجلي الغبار عن صورة العرب والمسلمين في الولاياتالمتحدة. لقد هزّت الضربات الانتحارية أسس التجمعات العربية والاسلامية، وذهبت انجازاتها وطموحاتها أدراج الرياح، وعادت الى المربع الأول من مسيرتها نحو كسب الثقة والاندماج في المجتمع الأميركي وأصبح وجودها نفسه مهدداً بالخطر. ان ما يمكن ان يكون قد ارتكبته عصبة من العرب الساخطين يشكل انتحاراً جماعياً على الصعيد السياسي ويهدم الهيكل على رؤوس الجميع. ولعل بعض المعلقين العرب والناشطين السياسيين حاولوا جاهدين اخفاء شعورهم بالغبطة بتحطيم أنف أميركا المتغطرسة، متناسين الكارثة الانسانية التي ذهب ضحيتها ألوف القتلى الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال، وخطف طائرات مدنية وتحطيمها لتتناثر أشلاء ركابها فلا يمكن التعرف عليهم. والسؤال المطروح هنا، هل فشلنا كعرب ومسلمين في رسم خط يفصل بوضوح بين عدالة قضايانا وقداسة الحياة الانسانية والمدنية في كل مكان؟ هل فسدت ثقافتنا السياسية وتشوهت الى درجة اننا لم نعد نميّز بين الأهداف العسكرية والمدنية؟ هل أعمت الهزيمة العسكرية والسياسية اعيننا عن العامل الاخلاقي؟ هل فشلنا في وضع خط فاصل بين النضال المشروع وأعمال الارهاب الشنيعة؟ كيف نتوقع ان نكسب عطف العالم حين يرتكب رجال منا أعمال قتل وحشية يصعب وصفها؟ هل لدينا الشجاعة الاخلاقية لنطرح اسئلة مؤلمة عن دور ثقافتنا السياسية والاجتماعية في توفير التربة الخصبة للتطرف والعدمية؟ لماذا نُفاجأ حين يفجّر بعض الشباب العرب المغرر بهم أنفسهم مع غيرهم من الأبرياء ونحن نجد الكثير من المعلقين العرب يحتفلون بثقافة التفجيرات الانتحارية؟ ان هذا الخطاب يسوقنا الى خندق ابن لادن وأتباعه ويعطيه الدعم اللازم لتجنيد المزيد من الشباب المستعدين لارتكاب العمليات الانتحارية. هل فكرنا بجدية بأهمية الوسائل السلمية وفاعليتها كبديل استراتيجي للصراع القائم؟ والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه، هل يستحق الأمر، على المدى الطويل، ان نربح الحرب ضد الآخر ونخسر أنفسنا وإنسانيتنا وروحنا العالمية خلال عملية الصراع؟ * أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة ساره لورنس في نيويورك.